مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

لكم دينكم ولي دين

إنني أكره ولا أطيق التشدّد العنصري أو الديني أو المذهبي، وقد قال المولى: «لكم دينكم ولي دين»، وكذلك: «لو شئنا لهديناهم أجمعين».
وأعجبتني شجاعة وإنسانية امرأة عراقية، حينما اختطف تنظيم «داعش» أعداداً كبيرة من الجنود العراقيين الشيعة، وبدأ بتصفيتهم حتى بلغ عدد من قتلوا في هذه المذبحة 1700.
وتمكنت أم قصي - وهذا هو اسمها - وهي من عائلة سنية في محافظة صلاح الدين من إنقاذ 58 جندياً عراقياً شيعياً، عندما شاهدتهم يركضون ويقفزون في النهر هرباً من مسلحي «داعش»، فوفرت لهم الحماية وأخفتهم في بيتها، وقامت بإيوائهم وإطعامهم على مدى خمسة أشهر، من دون أن تلتفت للمذهبة المقيتة، واعتبرتها وسائل الإعلام ضمن أشجع عشر نساء في العالم.
وحظي كذلك بإعجابي وتقديري أحد الإخوة المصريين واسمه «محارب رمزي» وهو مسيحي الديانة... يقول محارب إنه يقيم وأشقاؤه في رمضان «مائدة الرحمن»، حيث يتولى شقيقه روماني تجهيز مائدة في الأقصر، ويتولى هو مائدة الغردقة، مضيفاً أنه يستعين بطهاة محترفين يعملون في الفنادق لتجهيز المائدة، ويضيف أنه دشن المائدة أمام مقر شركته بشارع النصر أحد أكبر شوارع الغردقة، حيث تسع لنحو 250 فرداً، بخلاف الوجبات الأخرى التي يتم توزيعها على الفقراء في المنازل والذين يخجلون من الذهاب للمائدة تعففاً، مشيراً إلى أنه يفعل ذلك محبة لإخوانه المسلمين، ورغبة منه في مشاركتهم فرحتهم بالشهر الفضيل.
ويقول إنه مع أشقائه بدأوا حياتهم من الصفر وكانوا لا يملكون قوت يومهم، ومع دخولهم مجال تجارة اللحوم والدواجن المجمدة اتسع عملهم، ورزقهم الله رزقاً وفيراً، لذا فهم ما زالوا وسيظلون يشعرون بالفقراء سواء من الأقباط أو المسلمين.
ويضيف أنه يصوم مثل إخوانه المسلمين وينتظر أذان المغرب ليتناول الإفطار معهم ومع عمال شركته على مائدة الرحمن، وتنتابه السعادة الغامرة عندما يرى البسمة والفرحة على وجوه ضيوفه، مؤكداً أنه يقدم في المائدة كل ما لذ وطاب من أشهى اللحوم والدواجن والمشويات والحلويات والعصائر.
ويقول إنه يطلب من ضيوفه الدعاء لشقيقه المتوفى، مؤكداً أنه لا يشعر بأنه مسيحي وسط إخوانه المسلمين، ولا يشعر بتفرقة عنصرية، مضيفاً: سنظل هكذا ليوم الدين روحاً واحدة وجسداً واحداً ولن يفرقنا أحد.
ولا أملك إلا أن أدعو له بالتوفيق، ولو أطال الله بعمري وصمت رمضان المقبل في مصر، فنذراً عليّ لن أفطر إلا على «مائدة الرحمن»، التي يقيمها الأخ محارب وإخوانه - لكي «أضرب عصفورين بحجر».