باسل الشملان
TT

السايبور والأتعاب القانونية

ما زالت السعودية تشهد تطوراً ملموساً جلياً في مجال تطوير القطاع المالي وخلق بيئة صحية في هذا الصدد، ونلمس هذا التغير من خلال أسلوب المدفوعات والفوترة والتحولات الرقمية على مستوى الشركات، ومروراً بالحوالات والخدمات الفردية، ويصاحبه تطور ملموس في البنية التحتية للاتصالات الممكنة.
التغيرات الإيجابية ليست بالضرورة أن تكون من الداخل لكن قد تأتي من الخارج ولدينا البنية التحتية الجاهزة لاستقبالها والرقي بها كذلك. دعونا نتحدث في تفصيلة فنية من هذا التطور، حيث «اللايبور» الذي يمثل تكلفة خدمة الإقراض بين البنوك العالمية ويسترشد به للقروض قصيرة الأجل هو جزء أساسي من السياسة النقدية بالعملات العالمية ويعتبر حجر الأساس في تسعيرة الإقراض، حيث من صفاته رسم النقاط الاسترشادية أو منحنى استرشادي لعدة فترات زمنية للإقراض بين المصارف للفترات القصيرة.
في الربع الأخير من عام 2020، حدث تطور مهم، حينما أعلن البنك المركزي الأميركي (الذي يعرف بالاحتياطي الفيدرالي) أنه سيوقف التعامل بـ«اللايبور» الذي يدار من قبل (ICE Intercontinental Exchange)، ليتبنى العمل بمنهجية تسمى «السوفر» (SOFR) التي تعني معدل التمويل المؤمن لليلة الواحدة، كمؤشر لاعتماد معدل الفائدة الداخلي في النظام المالي، حيث بدأ فعلياً تطبيقه في نهاية عام 2021 على بعض العملات العالمية كالإسترليني واليورو والين الياباني والفرانك السويسري.
ففي العام ذاته، بدأت الخطوات العملية لاعتماده حيث تم إيقاف العمل ببعض النقاط أو الفترات الزمنية للتسعير في خدمة الإقراض لـ«اللايبور» عبر جدول زمني واضح ومدروس وينتهي العمل به بمنتصف عام 2023 لجميع العملات الرئيسية.
هناك أسباب عدة للتخلي عن نظام «اللايبور» وتبني «السوفر» ومن أهمها في نظري، أن الأخير يعتمد على العمليات «الفعلية» في سوق المال وليس التقديرية من قبل خبراء مختصين في المجال كما هو معمول به في آليات احتساب «اللايبور» وبهذا يكون أكثر دقة في حساب تكاليف الاقتراض.
وكذلك يستند على تحديد العمليات «الفعلية» في احتساب تكلفة الإقراض بين البنوك وبعضها على أسس مخاطر كل بنك أو مصرف على حدة، بمعنى آخر تؤخذ بالاعتبار قوة ومركز البنك المالي والمخاطر التشغيلية وغيره من مخاطر مما يعطي تكاليف الإقراض أكثر مصداقية بين البنوك. ومن بين أسباب اعتماد «السوفر» أنه أقوى في تبني معايير الحوكمة بالقطاع المصرفي أو ما يدعى بأفضل المعايير.
أمام هذا التطور الجوهري، لا بد من إدراك أن التحول لهذا التغيير يسبقه تغير في العقود القائمة لتندرج تحت النظام الجديد وتغير في آليات تسعير الإقراض الجديدة، وبالتالي التخلي عما سبق، وهذه العقود المالية العالمية (العابرة للحدود) أحياناً يبنى عليها العلاقة والالتزامات المالية للمصرف والعميل، فقد تكون تكلفة مراجعة وتحديث جميع العقود القائمة من قبل مستشار قانوني مالي متخصص تكلف مادياً أكثر من التحدي الفعلي للآليات الداخلية في البنوك المركزية أو البنوك التجارية إجمالاً.
هنا مربط فرس طرح المقالة، فالمملكة العربية السعودية، نجحت عبر بنية تحتية مالية ومصرفية قائمة مسبقاً، وضبط عالٍ للنظام الداخلي وتبني الكوادر والمهارات الواعية بالتغيرات العالمية وتأثيرها داخلياً وكذلك جاهزيتها بالقرارات التي تقلل من العبء على البنوك والمصارف التجارية، وبالتالي على المستفيد النهائي من الإقراض والعقود والتسهيلات، بالإضافة إلى عمل المشرّع على توعية وتحديث جاهزية المصارف السعودية للتغيرات وذلك عن طريق تحديث الآليات الداخلية للمؤسسات البنكية بدون مساس العقود القائمة، من التواؤم مع كل المستجدات العالمية دون خلل أو إخلال بمنظومة العمل الداخلية.
أخيراً، الاحتفاظ بمسمى (السايبور SAIBOR)، وهو نظام الفائدة بين البنوك السعودية، وتغيير الآليات كان من أهم القرارات التي لم نعلم عنها كمستفيدين، فهذا القرار من ضمن القرارات التي وفرت الكثير من الجهد والوقت والمال لكل من المصارف والمستفيد النهائي، كما وفرت من حجم الأتعاب القانونية التي تجنبها المُشرع لصالح البنوك والمصارف، ما يمثل سمة أصيلة في تطوير القطاع المالي السعودي وتعميقه بالمستجدات العالمية.
*مستشار مالي وإداري سعودي