جمال الكشكي
رئيس تحرير مجلة «الأهرام العربي». عضو مجلس إدارة مؤسسة الأهرام. عضو مجلس أمناء الحوار الوطني. عضو لجنة تحكيم جائزة الصحافة العربية. عمل مذيعاً وقدم برامج في عدة قنوات تليفزيونية.
TT

الشر المستطير

بدأ وانتهى مسلسل «الاختيار3»، ترك بصمة لدى الشارع والنخبة، مضمونه يجعلك تضبط ساعتك على توقيت مشاهدته. حقق نجاحاً غير مسبوق، ليس فقط لدى المشاهد المصري، بل إن القضية تهم العالم العربي أجمع.
تابعت بدقة كل حلقات المسلسل، وتوقفت أمام تفاصيل زواياها السياسية والاجتماعية. الرسائل عميقة وصادمة، حجم الوثائق والمعلومات والتسريبات تقول بأن الدولة المصرية والمنطقة كانتا يمكن أن تكونا في مكان آخر، لو استمرت هذه الجماعة الإرهابية في الحكم أكثر من عام. التسريبات التي كشف عنها المسلسل في نهاية كل حلقة على مدار ثلاثين يوماً، تؤكد حجم التحديات والضغوط التي تحملتها الدولة المصرية، وقواتها المسلحة وكل أجهزتها الوطنية.
المهمة جد كانت خطيرة، إما الدولة وإما الجماعة، تنظيم إرهابي يسابق الزمن لاختطاف هوية وملامح وحضارة وثقافة دولة عمرها آلاف السنين لصالح التنظيم الدولي، ومن يحركه ويدعمه ويوظفه لمصالحه.
البيئة السياسية المصرية والإقليمية والدولية أوهمت الجماعة الإرهابية بأن اللحظة قد دانت لها، وأنها سوف تسيطر على مصر والمنطقة العربية لعدة قرون، شهوة السلطة تملكت قادتها. فلم يروا سوى مصالحهم الخاصة والشخصية فقط، الشعب خارج حساباتهم، مكتب الإرشاد كان هو صاحب القرار، لا توجد في قاموس حكمهم مفردات الدولة الوطنية.
ما يستحق التوقف أمامه طويلاً، والتعمق في قراءة تفاصيله، هو قدرة هذه الجماعة الإرهابية طوال العقود الماضية على ممارسة مناورات كبرى، وحيل ومؤامرات وخداع وأكاذيب، من أجل الوصول إلى لحظة الحكم، فما تم الكشف عنه من تسريبات لقادة الجماعة الإرهابية في الغرف المغلقة صوتاً وصورة، وهم يتحدثون طوال الوقت بفكرة ومفهوم التقية، بمعنى أن هناك خطاباً في العلن، وآخر خلف الأبواب.
هنا الوقفة واجبة، أمام جماعة مفطورة على إنكار شروق الشمس. التسريبات صوتاً وصورة. الحقيقة تتحدث. الجماعة قامت وتأسست على الازدواجية في السلوك والتفكير، لا حديث ولا مكان عن الدين والقيم والمبادئ، الأهم بالنسبة لهم هو تحقيق الهدف مهما تكن الوسائل، التسريبات فضحت التنظيم، من تربى في الظلام لا يعرف النور حتى وإن جاءته فرصة الحكم.
قادة الجماعة باعوا حلفاءهم من أجل السلطة، على سبيل المثال شاهدنا المعزول مرسى ورجله الحديدي خيرت الشاطر، وهما يكيلان الاتهامات للنخب السياسية الأخرى، برغم أنهما يتحالفان معهم في العلن، أي ملة وأي دين لهذه الجماعة الإرهابية؟
كل الشواهد والوثائق والتسريبات تقول إن دين الجماعة هو المصلحة الشخصية، فنجد تسريبات القيادي بالجماعة عبد المنعم أبو الفتوح متناقضة، فهو يحذر من حكم «الإخوان»، ويحذر من حازم أبو إسماعيل، بينما تصريحاته العلنية مختلفة، هنا اللعبة كبيرة، الالتفاف والتبرير عقيدتان للبقاء، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب. تهاوت الأقنعة، قادة التنظيم يفعلون كل شيء، من أجل تحقيق أهدافهم، لا يفكرون إلا في أنفسهم، قطعاً هنا يلزم التوقف أمام سؤال جوهري ومفصلي، بعد الانتهاء من تسريبات هذا المسلسل الذي كشف حقيقة الجماعة، والسؤال هو: كيف يواجه قادة «الإخوان» أبناءهم وقواعدهم، بعد كل هذه التسريبات الكاشفة؟ وما رأي قواعد «الإخوان» والمتعاطفين معهم في قادتهم الذين يتحدثون بخطابين متناقضين في السر والعلن؟ وماذا يقولون عن الوجوه الكثيرة لقادتهم؟ هل تدرك قواعد التنظيم أنها ظلت تحت سيف السمع والطاعة، من أجل خدمة مصالح وأهداف سياسية، ليست لها صلة من قريب أو بعيد، بقيم الدين النبيلة؟ هل تستيقظ هذه القواعد وتراجع نفسها، وتعتذر للوطن بدعوى أنها كان مغرراً بها؟ وهل لا تزال العناصر الإخوانية ترى في خيرت الشاطر وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمود عزت، النموذج الذي يمكن الوثوق به، بعد ما شهدناه خلال التسريبات صوتاً وصورة؟
مرحلة الجماعة قبل مسلسل «الاختيار3» سوف تختلف تماماً عن مرحلة الجماعة بعد تسريبات المسلسل، الحكم للمشاهد، الرأي العام بات لا يطيق كذب وتضليل قادة الجماعة. يوماً بعد الآخر، يتأكد للرأي العام العربي، أن الخروج ضد حكم «الإرهابية» جاء في الوقت المناسب، الصورة الذهنية والنمطية لقادة «الإرهابية» لم تعد هي التي كانت في عيون كوادرها في الداخل والخارج. ثمة صورة جديدة بعنوان «السلبية» حفرت وجودها داخل عقول ووجدان الرأي العام الذي صدمته حقيقة ما كانت تدبره الجماعة لهذا الوطن وشعبه.
مسلسل «الاختيار 3»، هو واقع عاشته مصر والمنطقة العربية، حتى جاء القرار بالخلاص من حكم «الإرهابية»، الذي أراد التقسيم والتمزيق، والتخريب والفوضى. الوثائق التي كشفها المسلسل هي جزء يسير من الكثير الذي يقع تحت أيدي الأجهزة الوطنية، بشأن مناورات وجرائم وألاعيب هذا التنظيم الإرهابي، لكن وسط كل هذا الخداع، الذي مارسته الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، يجب علينا الحذر من سموم أفاعي هذا التنظيم، والعمل على ملاحقته وتجفيف مصادر تمويله، ومراقبة جميع تحركاته وتحالفاته في المنطقة العربية، لا سيما أن المسلسل كشف عن صفقات كان يخطط لها التنظيم باستنساخ الحرس الثوري الإيراني، واستخدامه في مواجهة الجيوش والمؤسسات الوطنية للدول العربية.
إذن، نحن أمام جماعة تهدف للهدم وليس البناء، تمارس الإرهاب والعنف مقابل تحقيق مصالحها، جماعة تتحالف مع الشيطان، من أجل الجلوس على كرسي الحكم، هي ليست جزءاً من الهوية العربية، لكنها لا تزال تهدف إلى طمس الهوية الوطنية.