حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

دردشة رمضانية!

استغللت وجود أحد القيادات المصرفية الكبيرة في عالمنا العربي، وهو يقوم بزيارة لأداء العمرة في هذه الأيام من شهر رمضان المبارك، لأتناول معه بعض الأفكار، وآخذ رأيه الذي أحترمه جداً في بعض الأخبار الحاصلة التي تسيطر على العالم في هذه الأيام.
كان الموضوع الأول بطبيعة الحال الآثار المتوقعة لاستمرار الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا، التي طالت آثارها العالم بأسره على أقل تقدير في الجانب الاقتصادي منه.
بدأ بقوله إن العقوبات الاقتصادية العنيفة بحق روسيا، هي عقوبات قوية وغير مسبوقة وممنهجة، لعل أحد أهم آثارها هو الإغلاق التدريجي والمحكم للأسواق التقليدية، تحديداً في القارة الأوروبية لمنتجات الطاقة من نفط وغاز روسي إليها، وبالتالي ستبحث روسيا وبمنتهى القوة عن أسواق بديلة لتغذية اقتصادها المتألم من جراء العقوبات الاقتصادية القوية بحقها.
ستكون أولى الوجهات المتوقعة للغاز والنفط الروسيين هي أسواق الشرق الأقصى، تحديداً المستهلكين الأكبرين فيها، وهما الصين والهند، اللذين يتمتعان بعلاقات مميزة وقوية وتاريخية مع روسيا.
وفي هذه المسألة تطور يخص منتجي النفط من مجموعة «أوبك».
وبعد ذلك تغيرت دفة الحديث لنتجه إلى مؤشرات تبيان الصحة الاقتصادية من عدمها، وأنه لا بد من التركيز على حجم الديون الخاصة بالدول والأفراد، وذلك لقياس مؤشرات التعافي الاقتصادي أو عكس ذلك. وهو يعتقد جلياً أن موضوع الدين العام للدول ودين الأفراد ودين الأسر، لا يغطى بالقدر الكافي في البيانات الاقتصادية، فلديه قناعة تامة أن الأسر في العالم العربي قد غرقت بالديون الشخصية، سواء من بطاقات الاعتماد إلى القروض السكنية أو قروض السيارات أو قروض السفر أو أنواع مختلفة من القروض التي تحتاجها الأسرة للصرف على متطلبات الحياة فيها، تماماً كما يحدث من الدول بحق مشاريعها التنموية.
وهو لديه قناعة جازمة أن ذلك الأمر سيكون أشبه بمثابة ناقوس خطر ستضطر المصارف والبنوك للتعامل معه مرغمة، بإعادة جدولة كمية هائلة من الديون في لحظة ما، وهو الأمر الذي جرنا إلى حديث آخر لا يقل أهمية، وهو عن المنظومة الضريبية التي تستخدم في دول العالم بأشكالها المختلفة، ووضح أن هناك مدرستين للضريبة، فهناك المدرسة الكلاسيكية في أوروبا، التي تعتمد على فكرة القيمة المضافة أو ضريبة القيمة المضافة، بعكس المدرسة الأميركية التي تعتمد على نظرية الإعفاء الضريبي. فالأولى تعتقد أنها باقتطاع جزء من الضرائب على كل مستهلك تساهم بذلك في تنمية الاقتصاد الكلي، بينما النظرة الأخرى تعتقد أن إعفاء الضرائب عن كاهل المستثمرين سيجعلهم يتشجعون لوضع مبالغ أكبر من الأموال في عجلة الاستثمار في بلادهم لتنميتها.
وقد رأينا مشاهد ذلك الأمر مقارنة بين الاقتصاد الأميركي والاقتصاد الأوروبي، ورأينا التفاوت الكبير في نسب النمو. ويرى صديقي أن هذا التحدي هو الذي ستكون عليه العجلة الاقتصادية في خطوتها القادمة بعد حرب أوكرانيا، وهي أي النماذج سيتم تبنيها لصالح تطوير وتنمية الاقتصاد الدولي.
ويرى الرجل في الوقت نفسه أن الحديث عن الاستغناء عن الدولار الأميركي في معاملات العالم هي مسألة بحاجة لوقت ليس بالقصير، فالمسألة ليست فقط استبدال عملة بأخرى، ولكنه استبدال نظام مالي متكامل تعود وأدمن عليه العالم لعقود طويلة من الزمن، وبالتالي حتى يتم بناء المنظومة المالية البديلة سيتمكن العالم من الحديث عن إيجاد عملة بديلة، وهو يرى أن ذلك ليس ممكناً اليوم، ولن يكون ذلك ممكناً قبل ثلاثة عقود على أقل تقدير.
وهنا استرجعت ما كتبه الاقتصادي الفرنسي الكبير توماس بكيتي، في كتابه عن رأس المال، الذي وضع فيه دور الضريبة وكيف تم استخدامها في منظومة الاقتصاد والتنمية في أوروبا بشكل رئيسي منذ عقود طويلة، فهو وضح أن الاقتصاد ونجاح الثورة الصناعية فيه كان من خلال أذرع كثيرة للدولة، لعل من أهمها كان الاستغلال الأمثل للضرائب في عجلة التنمية، ولكن ما لم يتطرق إليه بكيتي بالشكل الكافي هو أن الانتقاص من الضرائب كان أيضاً أحد أهم عناصر النجاح التي حصدتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية عندما قاما بعمل ذلك في الثمانينات الميلادية من القرن الماضي. قال لي الرجل مودعاً قبل أن يغادر دائماً تذكر أن الاقتصاد هو المحرك الأهم للسياسة في كل بقاع العالم، ابحث دائماً عن المعنى والمغزى الاقتصاديين من وراء الحدث، ستتضح لك الصورة بشكل جلي وتكتشف معها حقائق كانت مخفية عنك.