وليد خدوري
كاتب اقتصادي عراقي من أوائل الصحافيين العرب المختصين في رصد أسواق الطاقة وشؤون النفط. حاصل على شهادة الدكتوارة من الولايات المتحدة، ويمتلك خبرات واسعة في الصحافة والنشرات المتخصصة. كما عمل في منظمة "أوابك" وتدريس العلاقات الدولية.
TT

نظام طاقة جديد

أرسلت وكالة الطاقة الدولية رسالة واضحة حول سياساتها المستقبلية، شملت تهميش الصادرات البترولية الروسية والعمل في الوقت نفسه على التسريع باستعمال الطاقات المستدامة بجانب الوقود الهيدروكربوني لتعويض الصادرات الروسية.
اعترفت الوكالة بأن إمكانية فك الاعتماد عن الغاز الروسي ستختلف من دولة إلى أخرى، كما أن البدائل للغاز ستتضمن الغاز الطبيعي أو المسال من الدول المصدرة، بالإضافة إلى التسريع بالاستثمار في الطاقات المستدامة عالمياً (الشمسية والرياح وتدوير اقتصاد الكربون والبترول الخالي من الانبعاثات والهيدروجين).
من اللافت للنظر، أن المجلس الوزاري للوكالة في اجتماعه السنوي 2022 تجاهل في بيانه الختامي الأخطار المترتبة على السياسات المقترحة هذه في الأوقات العصيبة، حيث تتراوح الأسعار ما بين 100 و120 دولاراً، وفي حال استمرار أو توسع الحرب الروسية في أوكرانيا، ستزداد البلبلة في الأسواق وترتفع الأسعار.
عقدت الوكالة اجتماعها الوزاري لمدة يومين في باريس الأسبوع الماضي برئاسة وزيرة الطاقة الأميركية، الرئيس الدوري للمجلس الوزاري، بالتزامن مع ثلاثة اجتماعات قمة غربية في أوروبا انعقدت في الوقت نفسه لمناقشة الغزو الروسي لأوكرانيا، شارك فيها الرئيس جو بايدن.
احتوت رسالة الوكالة، التي حصلت على موافقة أغلبية الدول المشاركة، ثلاث رسائل رئيسية: الحاجة إلى دعم أمن الطاقة؛ تقليص الاضطرابات في الأسواق؛ وتسريع التحول إلى الطاقات النظيفة عالمياً.
كما أشار المجلس إلى أهمية دعم «المرحلة والمهام الجديدة للوكالة»، التي ستشمل دعم انتشار الطاقات المستدامة عالمياً، بالذات أفريقيا، للوصول إلى تصفير الانبعاثات بحلول عام 2050. وفوضت الوكالة بتوسيع مهامها لتشمل دعم العمل لزيادة إمدادات المعادن الحرجة المهمة في صناعات الطاقة المستدامة.
أشار الرئيس التنفيذي للوكالة فاتح بيرول، في المؤتمر الصحافي بعد الاجتماعات الوزارية، إلى أن «عالم الطاقة في تغير مستمر ويحتاج إلى تغييرات أسرع». وأبدى اهتمام الوكالة بدعم الهدفين التاليين في هذا المجال: أمن الطاقة والتحول إلى عصر الطاقة الجديد. وصرح وزير الطاقة الأسترالي على هامش الاجتماعات حول أهمية تعويض الغاز الروسي، قائلاً «الى جانب استيراد النفط والغاز، يتوجب أيضاً استعمال الطاقات ذات الانبعاثات الضئيلة كمصدر أساسي على المدى البعيد لتأمين توفر الطاقة... وإن الطريقة الوحيدة لضمان استعمال الطاقات ذات الانبعاثات الضئيلة هو بتخفيض كلف الحصول على تقنيات هذه المصادر».
هناك ثمن باهظ يُدفع للحظر على الصادرات البترولية الروسية. فأسعار النفط تراوحت الأسبوع الماضي حول 120 دولاراً للبرميل؛ مما أخذ يزيد من كلف المعيشة عالمياً. والتوقعات في الأسواق بارتفاع الأسعار إلى نحو 200 دولار للبرميل في حال استمرار الحرب أو توسع نطاقها. ويطرح قرار حظر الصادرات البترولية الروسية بسبب غزو أوكرانيا، أسئلة عدة. فهل ستتبنى الدول الغربية هذا النهج من رد الفعل عند اجتياح قواتها إحدى دول العالم الثالث؟ أم أن النزاع في هذه الحال «استثنائي»؛ لأنه يتعلق بأمن العالم الغربي. وماذا عن أمن الدول العربية من السياسات التوسعية لإيران من خلال أسلحة وتدريبات «لواء القدس» للحرس الثوري الإيراني، المستهدفة المناطق السكنية والبترولية والعسكرية؟ وطبعاً، هناك أيضاً سلب حقوق وأراضي الشعب الفلسطيني. إن استباحة أراضي الغير، مهما كانت، تاريخية، دينية، أو جيوسياسية، هي أمر لا يمكن السكوت عنه في القرن الواحد والعشرين، حتى لو استمر عقوداً عدة، ولا يمكن غض النظر عنه، بالذات للدمار والمآسي الناتجة من أسلحة الميادين الثقيلة المستعملة في هذه النزاعات. وما أسوأ منه إلا التمييز بين اجتياح وآخر.
لقد أصبح من الواضح، أن الإسراع باستعمال الطاقات المستدامة هو ليس بالأمر السهل. فإشارة مجلس وزراء الوكالة لمساعدة الدول الأفريقية في التحول للطاقات المستدامة هي الإقرار بعدم تبني هذه الطاقات بما فيه الكفاية وبالسرعة اللازمة. فالدول الأفريقية جنوب الصحراء قد نفذت أقل من 10 في المائة مما هو مطلوب منها عمله حتى الآن. والتأخر هذا شائع أيضاً في معظم دول العالم الثالث حتى الآن، وإن بنسب مختلفة. وأسباب التأخر مالية، وستسوء الأوضاع أكثر الآن مع ارتفاع معدلات التضخم العالمي ومعها نفقات النقل والواردات والسلع والحبوب. في الوقت نفسه، فإن تكاليف الطاقات المستدامة باهظة الثمن، حيث تستصعب دول العالم الثالث إعطاءها الأولوية اللازمة في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة مع تكاليف مكافحة جائحة «كوفيد - 19» والتضخم الناتج من حرب أوكرانيا.
كما أن هناك عاملاً مهماً ترك بصماته السلبية في تحول الطاقة الذي تنشده الدول الغربية عموماً، ووكالة الطاقة الدولية خصوصاً. فقد اعتبر هذا التحول حدثاً «غربياً» وليس «عالمياً». إذ إن الأجندات والتوصيات والقرارات ترسم في العواصم الغربية على ضوء حاجاتها ومشاكلها. هذا، في الوقت الذي يتوجب أن تكون مكافحة التغيير المناخي للكرة الأرضية أمراً «عالمياً». والسبب بسيط. إذ لا يمكن معالجة التغيير المناخي للكرة الأرضية من دون المشاركة الفعلية لدول العالم الثالث، مهما كانت الانبعاثات من هذه الدول أقل من الدول الصناعية الغربية.