فاي فلام
TT

هل بمقدور إصابة معتدلة بـ«كوفيد» الإضرار بالمخ؟

ثمة عناوين مخيفة حول الآثار الطويلة الأمد للإصابة بفيروس «كوفيد - 19» تنتشر بسرعة وسهولة، ومن ذلك ما حذّرت منه بعض التقارير الإخبارية التي ظهرت في الفترة الأخيرة حول أنه «حتى الإصابة البسيطة بفيروس (كوفيد) يمكن أن تتسبب في انكماش الدماغ»، و«فقدان الذاكرة» و«تلف الدماغ»، الأمر الذي يتسبب «على المدى الطويل» في إحداث تغيير «كبير» في الدماغ «بقدر يكافئ معايشة عقد من الشيخوخة». بمرور الوقت، من المحتمل أن يتلاشى هذا الخوف، مثلما حدث مع المخاوف من انتشار الفيروس في الهواء الطلق على الشواطئ.
بالتأكيد، لا ينبغي لوسائل الإعلام التقليل من خطورة الجائحة، لكن في الوقت ذاته فإن المبالغة في المخاطر المرتبطة بالإصابة بالفيروس يمكن أن تتسبب في تقليص الثقة العامة وتركيز الاهتمام على الأمور الخاطئة.
في الواقع، مثل هذه القصص الإخبارية المثيرة للقلق تحجب حقيقة أن المرض يصيب الناس بصور متباينة على نحو كبير، ويصل الأمر بالبعض إلى الموت (معظمهم ممن لم يحصلوا على اللقاح)، في الوقت الذي يمرض البعض رغم حصولهم على ثلاث جرعات من اللقاح، الأمر الذي ربما تقف خلفه اختلافات جينية. وينتهي الأمر بالبعض إلى المعاناة من «كوفيد» على امتداد فترة طويلة، ويشيرون إلى معاناتهم على مدار أسابيع أو شهور من التعب ومشكلات في الذاكرة وعثرات الذاكرة واضطرابات النوم. في الوقت ذاته، يعاني عدد كبير من الأشخاص من أعراض تشبه أعراض البرد ويتعافون منها.
المؤكد أن الأعراض الطويلة الأمد لـ«كوفيد» تمثل مشكلة حقيقية جديرة بالاهتمام الجاد. إلا أن القول ذاته لا ينطبق على الانكماش المنتشر في الدماغ.
اللافت هنا أن الدراسة التي تتحدث عن الانكماش الدماغي التي اكتسبت اهتماماً إعلامياً، لم تتضمن أي بيانات حول ما إذا كان المرضى يعانون أعراضاً مزمنة. ولم تكشف كذلك أن الإصابة بـ«كوفيد» يمكن أن تُحدث تغييراً مهماً من الناحية الطبية في الدماغ. وعليه، فإنك إذا كنت تشعر بأنك بخير، فإنك على الأرجح بخير بالفعل.
في هذا الصدد، قال سكوت سمول، طبيب الأعصاب بجامعة كولومبيا، الذي لم يشارك في البحث: «قد تكون هذه الدراسة بداية لشيء ما، لكن سيتعين عليهم بذل المزيد من الجهد لإثبات أن هذا الأمر دائم أو أن المرضى أظهروا تغيرات مثيرة للاهتمام بمجال الإدراك».
وأعرب الأطباء المتخصصون في مجال علم الأعصاب ممن تحدثت معهم عن انبهارهم بمدى دقة التغييرات التي طرأت على الدماغ. وأشار الباحثون، الذين وصفوا عملهم في مجال تصوير الدماغ في دورية «نيتشر»، إلى عدد من التغييرات الشديدة الضآلة بحيث يصعب على حتى اختصاصي الأشعة رصدها.
في الحقيقة، غالباً ما تحاول قصص الرعب المرتبطة بالصحة لفت الأنظار نحو المخاطر الكامنة فيما يخص أولئك الذين يشعرون بصحة جيدة. إلا أن هناك حداً لحجم هذه الفائدة. على سبيل المثال، يؤدي بعض فحوصات الكشف عن السرطان إلى إجراء جراحات غير ضرورية. وقد اتضح أن الأشخاص الأصحاء يجب ألا يتناولوا الإسبرين يومياً للوقاية من السكتات الدماغية. مرة أخرى: إذا كنت تشعر بأنك بخير، فالاحتمال الأكبر أنك بالفعل بخير.
وما يجعل دراسة الدماغ مثيرة من الناحية العلمية أنها تستفيد من مجموعة من الظروف الفريدة. وسمحت إعادة فحص هذه البيانات، للعلماء بمقارنة الصور قبل وبعد فيما يخص أولئك الذين أُصيبوا بفيروس «كوفيد» وأولئك الذين لم يصابوا به.ومن أجل وضع النتائج في حجمها الصحيح، أشار شاميك بهاتاشاريا، طبيب الأعصاب في مستشفى بريغهام في بوسطن، إلى مخططات مبعثرة بالقرب من أسفل الدراسة. تصور النقاط التباين في مناطق الدماغ ذات الأهمية. وتظهر النقاط التي تمثل قياسات مختلفة للدماغ على مخططات مبعثرة لأعلى ولأسفل، لكل من الأشخاص الذين أُصيبوا بفيروس «كوفيد» وأولئك الذين لم يصابوا به.
جدير بالذكر أنه يمكن أن تحدث تغييرات طفيفة مثل هذه بسبب مستوى الماء داخل الجسم أو مشكلات صحية أخرى أو حتى أوقات معينة من اليوم. المؤكد أنه لا شيء في الجسم ثابتاً تماماً أو قابلاً للقياس تماماً.
* بالاتفاق مع {بلومبرغ}