اختتم معرض القاهرة الدولي للكتاب فعالياته التي استمرت في الفترة من 26 يناير (كانون الثاني) الماضي حتى 7 فبراير (شباط) الحالي، محققاً قفزة كبيرة في عدد الزوار في أيامه الأربعة الأخيرة، نتيجة بدء إجازة منتصف العام الدراسي، حيث يشكل طلبة المدارس والجامعات القوة الضاربة لجمهور المعرض تاريخياً، ما أدى إلى انتعاشة جماهيرية لافتة، فقفز متوسط عدد زوار اليوم الواحد ليقارب ربع مليون زائر.
وحسب بيان صادر عن وزيرة الثقافة المصرية، د. إيناس عبد الدايم، فإن «هذه الدورة مثلت تظاهرة ثقافية عالمية جسدت قيمة ومكانة ريادة مصر الحضارية وتفرد هويتها وشخصيتها، حيث يعد المعرض أحد أكبر التجمعات الفعلية للناشرين على مستوى العالم؛ وشارك فيه هذا العام 1063 ناشراً مصرياً وعربياً وأجنبياً وتوكيلاً من 51 دولة ما يجعله عيداً للقراءة والكتاب». وذكر البيان أن عدد الزائرين خلال هذه الدورة 53 من عمر المعرض بلغ أكثر من 2 مليون زائر. وفيما يتعلق بقائمة الكتب الأكثر مبيعاً، حققت مبادرة «ثقافتك كتابك» نجاحاً كبيراً للدورة الثانية على التوالي، وتصدرت قائمة الأعلى رواجاً، حيث بلغت مبيعاتها ما يقرب من 143 ألف نسخة شملت الكثير من العناوين، كان منها «تحديات القرن الحادي والعشرين، الداء العربي، من هدي القرآن، تراثنا والمعاصرة، تجديد الخطاب الفكري، الشباب والبحث عن الذات، ملحمة أكتوبر»، بالإضافة إلى العناوين الصادرة عن سلاسل النشر التابعة للوزارة مثل «الذخائر» و«الهوية» و«الفلسفة» و«آفاق عالمية».
وتعد «ثقافتك كتابك» مبادرة حكومية أطلقتها وزارة الثقافة المصرية عبر منابرها المختلفة للنشر، لا سيما الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة، تستهدف توفير مئات العناوين من المؤلفات الحديثة والتراثية بأسعار زهيدة تبدأ بجنيه واحد ولا تتجاوز العشرين جنيهاً بمشاركة بعض دور النشر الخاصة. وفيما يتعلق بالمنصة الرقمية، أشار البيان إلى أن هذه الدورة شهدت الانطلاقة الثانية لها، حيث سجلت أكثر من 128 مليون زيارة، كما بلغ عدد الزائرين المسجلين عليها قرابة مليون زائر، وبلغت عدد الجولات الافتراضية للمعرض أكثر من 102 ألف جولة، وبلغ عدد مشاهدات الكتب على المنصة للهيئات ودور النشر المشاركة في المعرض 2.5 مليون مشاهدة. ولكن المتابع للأرقام التي أوردها البيان يلحظ تواضعاً في المبيعات الفعلية عبر تلك المنصة، فقد بلغت مبيعات الكتب «أون لاين» على المنصة فقط 369 كتاباً رقمياً، و58 كتاباً ورقياً، وبلغ عدد طلبات الشحن للكتب من المنصة 364 طلباً.
من ناحية أخرى، بلغ عدد الأنشطة الثقافية المصاحبة 317 فعالية بين مؤتمرات ولقاءات وندوات، أبرزها الصالون الثقافي، ومن أبرز الندوات الفكرية العامة التي شهدها برنامج المعرض «المنصات الرقمية وثقافة الشباب»، «السياسة المصرية والتوازن الاستراتيجي»، «الخطاب الديني وهوية مصر»، كما حظيت الرواية بنصيب الأسد في مناقشات «ملتقى الإبداع»، ومن أبرزها روايات: «حانة الست» لمحمد بركة، و«رابطة كارهي سليم العشي» لسامح الجباس، و«عظومة» لعصام البرعي. وشهد البرنامج الفني 167 فعالية تنوعت بين العروض الموسيقية والغناء، والإنشاد الديني، والفنون الشعبية.
النشر وهموم الترجمة
شهدت الدورة برنامجاً مهنياً تضمن 17 فعالية متخصصة في مجال صناعة النشر هو برنامج «كايرو كولينج» للناشرين الأجانب، وحضره ناشرون من أكثر من 10 دول غير عربية، ثم «المؤتمر الدولي لتعاون الناشرين في عصر ما بعد كورونا»، الذي تم تنظيمه بالتعاون مع معرض بكين الدولي للكتاب افتراضياً، وضم كلمات مسجلة لأكثر من 30 متحدثاً من مختلف الدول حول موضوع: سبل التعاون وتعزيز التنمية المشتركة في صناعة النشر.
ومن أبرز أنشطة الدورة الأخيرة «مؤتمر الترجمة عن العربية جسر للحضارة - كتبنا تنير العالم» بمشاركة كل من وزارتي الأوقاف، والهجرة وشؤون المصريين بالخارج، ومجمع اللغة العربية، ومركز أبوظبي للغة العربية، ودولة اليونان ضيف شرف المعرض، والاتحاد الدولي للناشرين، وبحضور مترجمين مصريين وعرب وأجانب معنيين بالترجمة، وشمل المؤتمر ثلاث ورش الأولى في موضوع «حضور الكتاب العربي في مكتبات العالم ما بين الواقع والطموح»، والثانية تناولت موضوع «صعوبات الترجمة عن العربية وأفقها»، والثالثة استعرضت «ماذا يريد الناشر الأجنبي وماذا يرشح الناشر العربي؟». وانتهى مؤتمر الترجمة إلى عدد من التوصيات؛ أبرزها أن يكون هذا المؤتمر مؤتمراً سنوياً تتبناه وزارة الثقافة المصرية، وأن تتبنى الدولة المصرية مشروعاً وطنياً للترجمة عن العربية، تقدم فيه الدعم للناشر والمترجم حتى يكون جسراً للثقافة والإبداع العربي إلى الخارج، وكذلك وضع سياسات واضحة ومحددة لخطة الترجمة عن العربية، مع دعوة أقسام وكليات اللغة العربية في الجامعات الأجنبية، ودور النشر العالمية المهتمة بالترجمة عن اللغات الأخرى، والمترجمين الأجانب عن اللغة العربية، لحضور فعاليات المؤتمر المقبل.
أنشطة متنوعة
من الأنشطة اللافتة الجديدة التي شهدتها هذه الدورة برنامج القاهرة التدريبي للناشرين «برديات»، الذي يضم خمس ورش تدريبية متخصصة، حاضر فيها ناشرون ومتخصصون في الجوانب المتعلقة بصناعة النشر، وهدفت إلى تقديم معرفة احترافية للناشر المصري والعربي، فضلاً عن أربع ندوات تغطي جوانب فنية وتسويقية وتثقيفية للعاملين في صناعة النشر. وتم إطلاق مبادرة معرض القاهرة لضخ دماء جديدة تنعش وتطور صناعة النشر تحت اسم «صنايعية الكتاب»، التي خصص لها مقر ثابت بالمعرض لاستقبال الصناع من الشباب وتجميع بياناتهم، وتقديمها لاحقاً للناشرين. وانتهى البرنامج بمحاوره السبعة إلى عدة توصيات منها، إعداد دراسة وطنية عن صناعة النشر، بفروعها كافة، في مصر، تتعاون في إعدادها جميع الجهات ذات الصلة، وكذلك إعداد برنامج تدريب وطني للارتقاء بصناعة النشر والقائمين عليها، تقوم بتنسيقه وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب مع الجهات ذات الصلة.
كما أوصى الخبراء باتساع منصة الهيئة المصرية العامة للكتاب لبيع وتسويق الكتاب، لتشمل جميع جهات النشر في مصر، وتحتوي على قاعدة بيانات رقمية بكل الكتب المنشورة في مصر.
ولأول مرة في تاريخ المعرض، يتم استخدام أحدث أساليب التطور التكنولوجي والذكاء الصناعي، حيث ظهرت شخصية المعرض الأديب يحيى حقي بتقنية «الهولوغرام» في عرض تفاعلي مع الجمهور، وذلك من خلال شاشة تعمل باللمس، تمكن رواد القاعة المخصصة للأطفال من مشاهدة إحدى قصص الأديب الراحل عبد التواب يوسف شخصية معرض كتاب الطفل مجسمة افتراضياً باستخدام نظارات «ثرى دي».
آراء حول المعرض
يرى المترجم المتخصص في اللغة الإسبانية محمد الفولي، أنه رغم الإيجابيات التي شهدتها الدورة الحالية مثل تحسين منظومة الحجز الإلكتروني وخدمة توصيل الكتب عبر البريد المصري إلى باب البيت وغيرها، إلا أن هناك بعض النقاط التي أثرت سلباً، ويمكن تفاديها مستقبلاً، وأبرزها انطلاق الدورة في فترة تزامنت مع امتحانات نصف العام، ما تسبب في تراجع الإقبال بشكل ملحوظ في الأيام الأولى، وهو الأمر الذي تحول إلى النقيض بعد انتهاء الامتحانات، مضيفاً أن ثمة نقاطاً سلبية أخرى تتعلق بسبل راحة زوار المعرض، وأبرزها ضعف شبكة المحمول، وبالتبعية الإنترنت، خصوصاً في الأيام الأخيرة التي شهدت إقبالاً كبيراً، ما عرقل نوعاً ما عملية التواصل بين الأصدقاء من قراء وكتاب. وتؤكد الباحثة والكاتبة الصحافية سهير عبد الحميد، وجود نقص واضح في الخدمات المقدمة لجمهور المعرض عموماً، حيث لا توجد أماكن كافية للانتظار، غير الأماكن المخصصة داخل ساحة المعرض، ما أدى إلى عزوف الكثيرين عن زيارة المعرض كما هو المعتاد أكثر من مرة، كما لا توجد تغطية جيدة لشبكة الإنترنت.
تضيف عبد الحميد، «أن خدمة التعريف بأماكن دور النشر لم تكن متاحة بشكل جيد، خصوصاً للجمهور العادي، كما أن الأماكن المخصصة لدور النشر متجاورة بشكل كبير داخل القاعات بما لا يتناسب مع الجائحة التي تواجهنا، والزحام الشديد، خصوصاً في الدور التي يكون عليها إقبال كبير مثل جناح الهيئة العامة للكتاب والهيئة العامة لقصور الثقافة والمركز القومي للترجمة».
ويشيد د. محمد سعيد، عضو اتحاد المؤرخين العرب، بالتطور الكبير الذي شهدته الدورة الأخيرة للمعرض، لا سيما وجود صالة كاملة للطفل تقدم أنشطة وخدمات مجاناً متعلقة بالفئات العمرية الأصغر سناً، وكذلك جناح الأزهر الشريف الذي يقدم بانوراما ممتعة عن تاريخ هذه المؤسسة الدينية العريقة، متمنياً على إدارة المعرض في دوراته المقبلة أن تتوسع في فكرة عروض البانورما لاستعراض تاريخنا وثقافتنا ورموزنا العلمية والفنية والأدبية، وأن يكون هناك تنسيق كامل مع وسائل الإعلام لعرض أبرز الندوات والصالونات الثقافية، فضلاً عن تشجيع الصالونات الثقافية ومراكز الدراسات العلمية والبحثية على عقد المزيد من الندوات والمؤتمرات داخل المعرض، وكذلك تشجيع المدارس والجامعات، وذلك بالتنسيق مع وزارتي التربية والتعليم العالي على تخصيص أجنحة لها، لعرض الأنشطة الطلابية العلمية والأدبية والفنية.