حور القاسمي مديراً فنياً لبينالي سيدني 2026

حور القاسمي (تصوير: دان بود)
حور القاسمي (تصوير: دان بود)
TT

حور القاسمي مديراً فنياً لبينالي سيدني 2026

حور القاسمي (تصوير: دان بود)
حور القاسمي (تصوير: دان بود)

أعلن «بينالي سيدني» تعيين حور القاسمي مديراً فنياً لنسخته الخامسة والعشرين، التي سوف تنعقد في الفترة ما بين 7 مارس (آذار) و8 يونيو (حزيران) 2026، حيث ستعمل القاسمي مع مختلف المجتمعات المحلية والفنانين والأكاديميين في سيدني، بالإضافة إلى توظيف شبكة علاقاتها الدولية في عالم الفنون، لتطوير المفهوم التقييمي لهذه الدورة.

وبوصفها قيّمة تركّز القاسمي على تاريخ الأماكن التي تعمل فيها، عبر ابتكار بنية برامجية متعددة الاختصاصات والتوجهات، تعتمد بشكل أساسي نهجاً قوامه التعاون ودعم التجريب والإبداع الفني، حيث إنها، وعلى امتداد أكثر من عشرين عاماً، وظفت العديد من الوسائط الفنية، بما في ذلك الأفلام والموسيقى وعروض الأداء والمطبوعات، لتخلق حواراً ديناميكياً بين كافة أشكال الفنون.

وحول اختيارها في هذا السياق، قالت القاسمي في بيان صحافي لـ«مؤسسة الشارقة للفنون»: «تتمتع سيدني بمجتمع متعدد الثقافات في جوهره، إذ تشكل هذه المدينة النابضة بالحياة موطناً لأفراد ينتمون لثقافات متنوعة من جميع أنحاء العالم، ومن هنا فإن جلّ اهتمامي متركز حول هذه النقطة بالذات، واستكشاف الأوجه المتعددة ووجهات النظر داخل هذه المدينة، والعمل مع الفنانين والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى جلب أصوات جديدة إلى البينالي».

وأضافت: «يسعدني ويشرفني اختياري لأكون مديراً فنياً لبينالي سيدني الخامس والعشرين، خصوصاً أنني واظبت على حضوره لأكثر من عقد حتى الآن، وشاهدت تطوره على مر السنين، لا سيما فيما يتعلق بإعلاء صوت السكان الأصليين على المستويين المحلي والعالمي، الأمر الذي جعله منصة أساسية لإعادة كتابة تاريخ الفن».

وحالياً ترأس القاسمي «مؤسسة الشارقة للفنون» التي أسستها عام 2009 بهدف تحفيز الفنون، ليس في الشارقة والإمارات العربية المتحدة فحسب، بل على المستويين الإقليمي والدولي أيضاً، كما تولت منذ عام 2002 إدارة بينالي الشارقة الذي تحول بإشرافها إلى منصة دولية مرموقة تجمع الفنانين المعاصرين والقيمين الفنيين والمنتجين الثقافيين من شتى أرجاء العالم.

قيّمت القاسمي «بينالي الشارقة 15: التاريخ حاضراً» (2023)، وانتخبت رئيساً لرابطة البينالي الدولية في عام 2017، كما تشغل أيضاً منصب رئيس «معهد أفريقيا»، ورئاسة جامعة الدراسات العالمية في الشارقة، ورئيس مجلس إدارة «ترينالي الشارقة للعمارة»، وعُينت مؤخراً مديراً فنياً للدورة السادسة من «ترينالي آيتشي 2025»، لتصبح بذلك أول شخصية يتم اخيارها لهذا الدور من خارج اليابان. هذا وكانت القاسمي أيضاً قيمة مشاركة للعديد من المعارض التي استضافتها مؤسسات فنية كبرى حول العالم مثل «غاليري سربنتين» في لندن، و«متحف شيكاغو للفن المعاصر».

ويعد «بينالي سيدني» حدثاً عالمياً رائداً للفن المعاصر، فمنذ ما يقارب الخمسين عاماً وهو بمثابة منصة جامعة لقطاعات الفنون الأسترالية وإبرازها على الساحة الثقافية العالمية، إضافة لتنظيمه معارض وتجارب فنية إبداعية جريئة تمس الحياة اليومية في سيدني. قام «بينالي سيدني» بتكليف وتقديم أعمال فنية استثنائية لأكثر من 1900 فنان محلي ودولي من أكثر من 130 دولة، ويلتزم بأن تكون جميع معارضه وفعالياته مجانية ومتاحة للجميع.

من جهتها تستقطب «مؤسسة الشارقة للفنون» طيفاً واسعاً من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، لتفعيل الحراك الفني في المجتمع المحلي في الشارقة، الإمارات العربية المتحدة، والمنطقة. وتسعى إلى تحفيز الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية.


مقالات ذات صلة

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

ثقافة وفنون أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

«عندما بدأت أتذوق اللغة الروسية كان عليّ أن أعمل لتأمين معيشتي. بدأت من الأصعب وقمت بترجمة الشعر وكانت قصيدة صعبة للشاعر يسينين لكنني فرحت بها»

رشا أحمد (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» تستعيد مسرحيتين من تراث سعد الدين وهبة

«هيئة الكتاب» تستعيد مسرحيتين من تراث سعد الدين وهبة

في سلسلة جديدة تستهدف إحياء تراث كبار المبدعين أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدار مسرحيتين للكاتب الراحل سعد الدين وهبة أحد رواد المسرح

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
ثقافة وفنون «فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

تمتزج السخرية بالمأساة في هذا الديون إلى حد سخرية الشاعر من نفسه ومن الشعر أيضاً

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون دان براون

عن الخيال السهل وانحسار التحفة

أضحت الصفوف الطويلة من القراء الجدد، المنتظرة لتوقيع كاتب غير معروف في الأوساط النقدية والأكاديمية، مشاهد متكررة في أكثر من معرض للكتاب في الوطن العربي،

شرف الدين ماجدولين
ثقافة وفنون «حنين إلى الدائرة المغلقة»... ذكريات تحت حصار الآيديولوجيا

«حنين إلى الدائرة المغلقة»... ذكريات تحت حصار الآيديولوجيا

رغم أن كتاب «حنين إلى الدائرة المغلقة» الصادر أخيراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة للكاتب والمترجم بدر الرفاعي ينتمي إلى «أدب السيرة الذاتية»،

رشا أحمد (القاهرة)

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين
TT

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

أحمد الرحبي: الترجمة عرس فني بين لغتين

بين الترجمة والتأليف، تتشكل ملامح التجربة الأدبية للكاتب العماني أحمد الرحبي، فحبه للترحال والسفر قاده لاكتشاف ثقافات وعوالم أخرى. وبدافع من هذا الحب أقام في روسيا، درس اللغة الروسية وآدابها في جامعة موسكو وحصل منها على الدكتوراه في الترجمة عام 2010... من أبرز ترجماته عن الروسية «الطفولة»، «بين الناس»، «جامعاتي»، «كيف تعلمت الكتابة » لمكسيم جوركي، «زواج الطاهية» لأنطون تشيخوف، «انتقام تشيك الرهيب» وهو مختارات قصصية لمجموعة من الأدباء الروس المعاصرين، «رحلة أخي أليكسي في يوتوبيا الفلاحين» لإكسندر تشايانوف. وعلى المستوى الإبداعي، صدرت له المجموعة القصصية «أقفال» وروايات «الوافد»، «أنا والجدة نينا»، و«بوصلة السراب». هنا حوار معه حول هذه الرحلة، وقضايا الترجمة وهموم الكتابة.

غلاف الكتاب

> كيف بدأت علاقتك باللغة الروسية؟

- بمحض المصادفة، في البداية كنت مهتماً بدراسة اللغة الفرنسية التي تابعتها في عُمان ثم في فرنسا والمغرب ومصر، وتدرجتُ في تعلمها حتى بدأت في التمرن على الترجمة عنها، فتعلم لغة ما بالنسبة لي يعني بالضرورة الترجمة عنها. لكن المصادفة محكومة بظروفي المادية التي حتمت عليّ أن أدير دفتي عن فرنسا وتوجيهها إلى روسيا؛ ولو أن ريح المصادفات قادتني إلى الصين أو باكستان أو فنزويلا مثلاً، لكنت اليوم مترجماً من لغات هذه البلدان. كنت معلقاً بالسفر، وكانت الترجمة وغيرها من مشاريع الحياة وأحلامها محمولة على جناحي رغبتي الجامحة، بل المجنونة، بالسفر.

أتذكر حين كنت محلقاً أوّل مرّة على متن خطوط «آير فلوت» الروسية، طفت باللوحات الإرشادية الملصقة على مخارج الطائرة وتأملت الكلمات الروسية الطويلة جداً، فأصابني القلق والإحباط مما أنا مُقبلٌ عليه، وظننتني لن أبقى في موسكو طويلاً، وبأنها ستكون محطة أخرى من محطاتي المعتادة، ولكن ما حدث أن ربع قرن مضى وما زلت هنا.

> متى قررت خوض تجربة ترجمة الأدب الروسي إلى العربية... وهل انتويت الاحتراف أم الاكتفاء بروح الهاوي؟

- قررت ذلك عندما بدأت أتذوق اللغة الروسية مباشرة. كان عليّ أن أعمل لتأمين سبل معيشتي. الغريب أنني بدأت من الأصعب وقمت بترجمة الشعر. وقعت في يدي قصيدة للشاعر سيرغي يسينين لم تُترجم ولم تظهر في الترجمة البديعة التي وضعها الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر في مختاراته من الشعر الروسي.

لعلني تسرعت في التصدي للشعر من أول جولة، لكن الأدهى من ذلك أن القصيدة، وعنوانها «الرجل الأسود»، كانت مختلفة عن الشعر الغنائي الذي تميّز به يسينين «شحرور الريف الروسي» كما يوصف. كانت قصيدة معقدة، قاتمة، كتبها قبل أيام قليلة من انتحاره، وبث فيها هواجسه العميقة عن الموت، أو «الرجل الأسود»، الذي ظلّ يصارعه في القصيدة الطويلة نسبياً.

أعجبني صنيعي، فدبجت مقدمة وافية عن الشاعر وظروف كتابته لهذه القصيدة نُشرت في مجلة «نزوى». لست محترف ترجمة بمعنى العمل الدائم عليها. شغلي منصب على التأليف، بينما تأتي الترجمة استراحة بين عملين، وهي استراحة عميقة، تتداخل بالكتابة ويثري كل منهما الآخر.

> ما الذي أردت إضافته لجهود جيل الرواد في هذا السياق مثل د. أبو بكر يوسف وغيره ممن ساهموا في تقديم الإبداعات الروسية إلى العرب؟

- لم أكن في وارد التحاور مع الرعيل الذي سبقني وتجذر في الترجمة من الروسية. طبعاً قرأت مثل كثيرين غيري ترجمات الرواد العرب قبل انتقالي إلى روسيا، وفي موسكو تعرفت على بعضهم ومنهم المرحوم أبو بكر يوسف الذي أجريت معه لقاءً متلفزاً. وعندما ترجمت للكاتب أنطون تشيخوف، الذي عرفناه أساساً عبر ترجمات أبو بكر يوسف، اخترت ما لم يترجمه يوسف له أو غيره من المترجمين. في زمن الاتحاد السوفياتي كانت هناك تقاليد ومؤسسات ترعى الترجمة وتنظم جهود المترجمين العرب، أمّا أنا فوصلت موسكو عام 2000، أي بعد ضمور الحاضنة المؤسساتية للترجمة تماماً.

> هناك انتقاد تقليدي للمترجمين العرب عن الروسية بأنهم توقفوا عند حقبة الكلاسيكيات ولم يتجاوزا، إلا فيما ندر، جيل دستويفسكي وتولستوى إلى الأجيال التالية، كيف ترى هذا؟

- بعد الجيل الذهبي الذي ذكرتِه تُرجِمتْ الكثير من أعمال الجيل الذي يُعرف في المدونة الأدبية الروسية بـ«الجيل الفضي» مثل بولغاكوف وزمياتين وشولوخوف وباسترناك وسولجنتسين، ومن تبعهم مثل راسبوتين وآيتماتوف وغيرهما. لكن هذه الصيغة الرصينة من الترجمة توقفت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ودخول البلاد عالم السوق الحرّة. المترجمون لا يمكنهم إدارة مشروع قومي للترجمة، هي مسؤولية دول، حتى في الزمن الأموي ازدهرت الترجمة تحت مظلة الخلافة.

الحاصل أن مجرى الترجمة الذي كان مؤسساتياً في العهد السوفياتي، انتقل بعدها، وحتى اليوم، إلى عهدة دور النشر العربية. وبرغم ما تحققه هذه الدور من فائدة لصالح الترجمة من الروسية، فإنه لا يوجد ناظم لعملها، فجودتها في الدار الواحدة متقلبة ومتفاوتة وأحياناً كارثية. فيما يخصني فقد ترجمت قصصاً من الأدب الروسي الحديث نُشرت في الصحافة العربية، كما أصدرت كتاباً ضمّ مجموعة قصص روسية حديثة.

غلاف الكتاب

> الأدب الروسي الراهن، ما أبرز همومه وقضاياه وهل لا يزال يحمل شفرة العظمة التي اشتهرت بها أجيال الرواد؟

- الذرى الكلاسيكية التي سبق وأفرزها الأدب والموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما في روسيا لم تعد موجودة بالمستوى الذي يجعلها مؤثرة على الفنون العالمية كما كانت، لكن «شفرة العظمة» التي تتحدثين عنها لا تزال حية وموجودة هنا وهناك. كل الإبداعات والفنون القديمة لا تزال تتفاعل وتعيش ضمن جدليتها وأسئلتها الراهنة. ومثل كلّ مكان، لا تخلو الساحة هنا من التقليعات الرائجة لما يسمى بـ«روايات المراهقين» وما يرافقها من زخم إعلامي وطوابير لشرائها.

> كيف نرى جهود زوجتك البروفسور فكتوريا زاريِتوفسكيا في تقديم الأدب العربي إلى الطلاب الروس؟

- أقسام اللغة العربية ما زالت نابضة وتواصل بقدر المستطاع الحفاظ على حيويتها وصلاتها الثقافية بالمجال العربي. فيكتوريا بصفتها مترجمة وأستاذة اللغة العربية في الجامعة الروسية، تصدر على الدوام كتباً وكراسات منهجية لتدريس اللغة العربية كان آخرها كتاباً ضمّ أعمالاً لقاصين عربيين. تتأسف دائماً على قلّة إنتاجها في الترجمة فتعوض ذلك بتأليف المقالات والكتب التعليمية.

> من خلال متابعتك، ما هو حضور وتأثير الأدب العربي على الساحة الثقافية الروسية؟

- باستثناء أقسام اللغة العربية في الجامعات، لا نجد حضوراً للأدب العربي في روسيا، وفيما عدا القاموس، تخلو المكتبات تقريباً من الكتاب العربي المترجم. قمت ذات مرّة بإجراء تحقيق صحافي ميداني وسألت مرتادي قسم الآداب الأجنبية في مكتبة كبيرة بموسكو عن معرفتهم بنجيب محفوظ؛ وجدت أنهم يعرفونه لكنهم لا يقرأون له؛ لماذا؟ لأن كتبه غير موجودة.

هنا تترجم رواية عربية واحدة كل خمس سنوات. بالمقابل تقوم شركة «سامسونغ» الكورية منذ فترة بدعم وإدارة ضيعة تولستوي الشهيرة «ياسنايا بوليانا»، وهي قرية شاسعة يشقها نهر وفيها اصطبلات تولستوي ومتحفه الذي كان بيته وقبره وكل ما يخصه، كما تجرى فيها فعاليات ثقافية منها أهم مسابقة للترجمة في البلاد. اليوم يترجم الكوريون 50 كتاباً من لغتهم إلى الروسية في كل عام. باختصار العادة ما زالت نفسها: هناك من يعمل ويحقق ما يريد وهناك من يحلم ويجني الأصفار.

> هل عطلتك الترجمة عن استكمال مشروعك الأدبي؟

- لا، فحتى لو اقتطعت الترجمة وقتاً معتبراً من وقتي، فهي بالمقابل تمنحني فرصة ثمينة للخوض في أعماق النص الأجنبي وملامسة بطانته الداخلية وكامل خامته؛ فنقل الكلام من لغة إلى أخرى، عملية تفكيك وبناء مصحوبة بشتى أنواع الأصوات والإيقاعات والتراكيب. إنه عرس بين لغتين، عملية خلق جديد، وبصفتي كاتباً فهي عملية تخلّق كذلك.

> كيف أثرت الإقامة في روسيا على ملامح تجربتك الأدبية؟

- الحياة تجربة بينما الكتابة أثر. لا شكّ أن إقامة طويلة ومستمرة في المكان الأجنبي تترك بصمتها في سوية الشخص، أيّ شخص، فما بالك وأنه كاتب، مجبول بالفضول ومفتون بالأسئلة... مع ذلك فالعيش خارج البيئة الأم، برغم إملاءات هذه البيئة وقيودها، وما يقابله من شعور بالتخفف والانعتاق في الخارج، برغم كل هذا فإن الأمر لا يخلو من مخاطرة، وأحياناً مخاطرة جسيمة.

لقد شهدت كيف أغرت حرية الغربة هذه أقراني من الغرباء حتى أودتهم الهلاك. كما عرفت آخرين أفزعتهم الغربة فنكصوا على أعقابهم. إنها حرية غريبة، غير عادية، تذكرني بـ«الندّاهة» في الأسطورة المصرية. بالنسبة لي، لم يكن أمامي سوى المضي قدماً وعميقاً؛ فلا العودة كانت مستساغة، ولا الحالة المادية والنفسية سمحت بالسياحة والترفه؛ أمّا الأساس الذي بنيته ووقفت عليه، فترويض اللغة الروسية وتكوين أسرة تجذرني في المكان وثقافته.

> هل هذا هو السبب في أن «ثيمة» الاغتراب تهيمن على كثير من نصوصك، بشكل أو بآخر؟

- بينما كانت تجربة السفر تتطلب وقتاً وصبراً، كانت كتابتي تتجذر أيضاً وتتشرب من تجربتي. وجدتني مشدوداً إلى موضوع الاغتراب، لا بصفته حالة انفصال عن الأصل «الوطن»، بل كسؤال ملّح، مثله مثل سؤال الوطن نفسه، فضلاً عن أنه مختبر حيويّ للممارسة الفنية. اخترت لكتابتي منذ البداية مقاربة نفسية وفنية تراوح بين المُغترَب والوطن؛ حتى حين أكتب عن قرية عمانية صميمة، فإن نبرة «غريبة» تفلت بين السطور. شيء هنا يذكرني بهناك، وشيء من هناك يلوح لي هنا. ولكن الحنين الذي قد يرشح من كلامي هذا، يتعدى أن يكون حنيناً لمكان وزمان معينين، ليلامس الإنسان والإنسانية الغاربة؛ أو كما وصفه صديقي حمود سعود في مقال عن روايتي «بوصلة السراب» بأنه «حنين مستوحش».