أعلنت «جمعية المصورين الأميركية» قبل ثلاثة أيام ترشيحاتها لجوائزها السنوية لهذا العام. ستكون المناسبة السادسة والثلاثين التي توزع فيها هذه الجمعية المتخصصة جوائزها هذه. وتنطلق المناسبة في العشرين من شهر مارس (آذار) في حفلة فعلية (بحضور ضيوف) وأثيرية على النت في وقت واحد.
لطالما شغلت جوائز «جمعية المصورين الأميركية» الاهتمام لكونها من بين تلك الأكثر تخصصاً ومدعاة للاحترام. ليست الجمعية المتخصصة الوحيدة، لكن مجال تخصصها، وهو التصوير السينمائي، يجعلها من بين الأبرز في ميدان السينما، خصوصا أن معظم من فيها من المصورين لهم وزنهم في ترشيحات الأوسكار، وبالتالي معظم ترشيحاتها تصب في ترشيحات أكاديمية العلوم والفنون السينمائية، وكذلك الفيلم الفائز بينها.
ولا يُقبل انضمام عضو لهذه الجمعية إلا إذا كان مدير تصوير فعليا. العروض تنطلق للأعضاء البالغ عددهم 433 كامل العضوية، قبل نهاية العام. والاقتراح بحسب النقاط التي يفوز بها كل فيلم.
هناك خمسة أفلام في سباق جائزة تصوير أفضل فيلم روائي وأربعة في ميدان الفيلم التسجيلي. لجانب هاتين المجموعتين هناك جوائز للتصوير التلفزيوني مخصصة للأفلام المصنوعة لحساب التلفزيون (ستة أفلام) وللحلقات التلفزيونية التي يبلغ مداها ساعة واحدة وهذه منقسمة لاثنتين: تلك المعروضة على محطات تجارية والأخرى المعروضة على محطات غير تجارية (ستة أفلام لكل قسم).
بطبيعة الحال، ولأسباب تتعلق بالعلاقة الجوهرية بين التصوير وصناعة السينما، تستأثر المسابقة المخصصة للتصوير السينمائي بالاهتمام الأول. ليس فقط لأن أصحابها مرشحون للترشيحات وللجوائز اللاحقة فقط، بل أيضاً لكون فن التصوير السينمائي واحدا من أرقى فنون السينما والمضمار الذي عليه أن يتبع كل تفصيل لكل عنصر رئيسي آخر. هو ما يمنح الفيلم صورته وبصرياته والممثل وجهه والديكور مكانته والنوع الذي ينتمي إليه الفيلم جوه.
طبعاً، هذا إذا ما كان مدير التصوير متمكنا من فنه كحال المرشحين الخمسة الذين يقودون أفلامهم صوب احتمالات الفور وهم: برونو دلبونل وكريغ فرايزر ودان لاوستن، وآري وغنر وهاريس زامبارلوكوس عن «بلفاست».
هذا يعني غياب المجموعة المركزية التي يتردد اسمها في معظم المناسبات السابقة أمثال روبي رايان (المفضل لدى المخرجين سالي بوتر وكينيث لوتش)، روبرت رتشردسون (يعمل كثيراً مع مارتن سكورسيزي وكونتن تارنتينو من بين آخرين) وروجر ديكنز (عادة مع الأخوين جووَل وإيتان كووَن) وسواهم. التالي ملاحظاتنا على هذه النخبة من مديري التصوير ومقتطفات مما أعلنوه في جلسات جمعتني بهم، من بين آخرين، قبل إعلان النتائج ببضعة أسابيع.
> برونو دلبونل: «مأساة ماكبث»
(The Tragedy of Macbeth)
لفيلمه الأول منفصلاً عن شقيقه إيتان، قام المخرج جووَل كووَن بالاستعانة بمدير التصوير برونو دلبونل الذي كان صور للأخوين سابقاً «داخل ليووين ديڤيز» (2013) و«أنشودة بستر سكروغز» (2018) والذي سبق له أن صور للفرنسي جان - جاك جونيه «إميلي» وللراحل بيتر بوغدانوفيتش «مواء القطة» (كلاهما سنة 2001).
الفيلم تجربة خاصة على أكثر من صعيد: مصور بالأبيض والأسود والكادر ضيق والديكورات بسيطة ما أتاح لمدير التصوير الفرنسي تتويج كل ذلك بملامح بصرية كلاسيكية وشعرية. يقول: «كنت قرأت شكسبير خلال دراستي لكني لا أدعي أنني فهمته. من الصعب ترجمة اللغة الفترة الإليزابيتية إلى الفرنسية. لذلك عمدت لسؤال جو عن فحوى «ماكبث»، وهنا حدد لي المخرج ما يريده تماماً. قال لي إنه لا يريد التصوير في اسكوتلندا ولا تصوير الفيلم كمسرحية. ما كان مهماً بالنسبة إليه هو الإيقاع.
الأمر الثالث الذي أصر عليه المخرج هو التصوير بالأبيض والأسود: «رأى إنه إذا كان الفيلم ملوناً فإن ذلك يعني تلوين الجدران والأبواب وغيرهما من الديكورات وهو لم يرغب في ذلك. ووافقته فوراً. في الفيلم لا تعرف الليل من النهار. كلاهما مصور بلون واحد تقريباً، ومع مطلع الفيلم تعتقد أنك تتطلع إلى السماء الرمادية بينما الكاميرا تصور لك الأرض الرمادية. وهناك وحدة إيقاع فعلية من خلال أسلوب التصوير وأسلوب جو في الإخراج».
> كريغ فرايزر: «دون» (Dune)
هذا هو الفيلم الخيالي - العلمي الأول لمدير التصوير (الأسترالي) كريغ فرايزر. أكثر من ذلك، لم يكن لديه هوس إنجاز رواية فرنك هربرت فيلماً كما كان حال المخرج الكندي دنيس فيللنييف «هذا كان هاجس المخرج منذ 40 سنة. أما أنا فكنت غريباً عن روح الرواية. لكننا جلسنا طويلاً خلال التحضير وأعطاني رأيه في الشكل الذي يتوخاه». ولم يفاجأ فرايزر برغبة المخرج تحقيق فيلم كبير بشاشة عريضة: «ذكرنا (لورنس العرب)، وتحدثنا عن أن الفيلم سيعرض في صالات آيماكس، لكن كان علينا أن نختار وسيطاً في نظم التصوير يصلح لتلك الشاشة الضخمة وللشاشات التقليدية أيضاً».
أحد الأمور المهمة التي تباحث فرايزر وفلنييف حولها طويلاً كيفية التعامل مع المشاهد الخارجية والداخلية والرأي استقر، كما يقول فرايزر، على الحل التالي: «قررنا أن نمنح كل المشاهد النظام ذاته من التصوير مع منح المشاهد الداخلية ألفة ودفئاً. بعض الكاميرات لديها خاصية تحقيق ذلك حتى ولو حافظت على نظام الصورة الكبيرة».
> دان لاوستن: «زقاق الكابوس» (Nightmare Alley)
هو الفيلم الجديد لغويلرمو دل تورو («شكل الماء»، «كريسمون بيك»... الخ) والمخرج يؤكد أنه ليس إعادة صنع لفيلم سابق قام إدموند غولدينغ بتحقيقه سنة 1947 من بطولة تايرون باور وجوان بلوندل، بل هو اقتباس من الرواية ذاتها كما كتبها ويليام لندساي غريشوم. بناء على ذلك قرر مدير التصوير دان لاوستن عدم مشاهدة ذلك الفيلم: «لم أشاهد الفيلم الأول، واكتفيت بتريلر فقط. تحدث معي عن هذا الفيلم قبل نحو سنة من بدء التصوير (الذي تم في كندا) والتقينا عندما قرر أن يكون «زقاق الكابوس» فيلمه التالي بالفعل، وتباحثنا في تفاصيل تصويره من كل الجوانب». ومن بين ما تحدثا بشأنه إذا ما كان من الأفضل تصويره بنظام سينما سكوب أو بنظام 65 مم. واستقر الرأي على النظام الثاني. عمد دان إلى عدة كاميرات من نوع Arri Alexa وبؤراتها المتنوعة: «لهذا الفيلم قررنا أن نصور من زاوية عريضة ومنخفضة عن المعتاد».
الزاوية المنخفضة لا تشمل مشاهد الفيلم إلا بنسبة الثلث تقريباً. إنها غالباً في المشاهد القريبة ومشاهدة ملاحقة سير شخصيات الفيلم أو في بعض تلك الداخلية. ما هو أكثر فاعلية اللعب بالإضاءة لإنجاز «لوك» متميز بعناصر إنتاجية ما زالت ترنو إلى الماضي.
> آري وَغنر: «قوة الكلب»
(The Power of the Dog)
كنا تناولنا هنا بتوسع فيلما «مأساة ماكبث» و«قوة الكلب»، كلاهما ينتمي إلى فترة تاريخية وأصول أدبية مختلفة. «قوة الكلب» هو وسترن معاصر (كون أحداثه تقع سنة 1925) حول صاحب مزرعة يبدأ الفيلم به قوياً وينتهي به ضعيفاً. بالنسبة لمديرة التصوير آري وَغنر كانت الرغبة الأولى تحقيق فيلم «يدعوك لمشاهدته مرة ثانية أو تبقى مشاهده عالقة في البال».
التحضير لتصوير الفيلم كان مهماً من حيث إن رغبة المخرجة جين كامبيون التصوير في نيوزيلاند وليس في ولاية مونتانا (حيث تقع الحكاية): «اتصلت بي كامبيون قبل سنة وشهر من بدء التصوير وحدثتني عن المشروع. كان واضحاً لدي أن الانتقال من مونتانا إلى نيوزيلاند يفرض علينا تفاصيل تتعلق بالفصول الطبيعية والألوان كما بالمواقع. انطلقنا لمواقع تعرفها المخرجة كما تعرف كفها وحاولنا الإحاطة بكل العراقيل المحتملة بحيث لا نتعرض خلال التصوير لأي منها».
وتضيف «للتصوير الداخلي اعتمدنا أساساً على الإضاءة الطبيعية ما عدا الحالات التي كان علينا توزيع مصادر الإضاءة تبعاً لضرورات المشهد».
> هاريس زامبارلوكوس:
«بلفاست» Belfast
«بلفاست» هو الفيلم الوحيد بين هذه الأفلام الذي يتداول سيرة ذاتية. لكنه الثاني بينها المصور (في معظمه) بالأبيض والأسود، كما حال «مأساة ماكبث» والثاني الذي استخدم نظام 65 مم. يقول مدير تصويره (من أصل قبرصي): «عملت مع كينيث برانا ثماني مرات حتى الآن (بدأ تعاونهما معاً في فيلم Sleuth سنة 2007) ولهذا المشروع قررت أن أستمع إليه أساساً؛ لأن المشروع يخص مرحلة من حياته. كنت أريد أن أعرف منه كيف ينظر إلى ذكرياته صبياً وذكريات المدينة التي وُلد فيها، بلفاست قبل أن أبدي رأيي. هذا ساعدني على تكوين فكرة فنية عن كيف سنقوم بمعالجة الموضوع».
لمثل هذا الفيلم متطلبات كثيرة كونه يُعود لمرحلة سابقة من مدينة بلفاست وعماراتها وملامح شوارعها آنذاك، لكن هاريس يتولى القول بأن التصوير خلال وباء كوفيد لم يكن أقل صعوبة: «بدأنا المشروع على الهاتف بعد أن أرسل لي السيناريو. تبادلنا الاتصال عن بعد. عندما انتقلت إلى بلفاست كنت سعيداً كون العديد من الأماكن ما زالت كما كانت حين كان برانا ما زال ولداً. الواقع أن الأماكن التي اخترناها للتصوير تساعدنا على إيجاد دفء العلاقة بين الفيلم وبطله وبينهما والمشاهد».
اعتمد زامبارلوكوس على نظام بانافيجين (Large Format System 65 Lenses) وهذا نظام قديم نوعاً ما تم استنباطه في مطلع التسعينات: «أفضل هذا النظام ودائماً ما أصور به. ولم يكن هناك داع للتصوير بكاميرا ثانية. في معظم الفيلم اكتفيت بكاميرا واحدة».