د. عبد الله الردادي
يحمل الردادي شهادة الدكتوراه في الإدارة المالية من بريطانيا، كاتب أسبوعي في الصفحة الاقتصادية في صحيفة الشرق الأوسط منذ عام ٢٠١٧، عمل في القطاعين الحكومي والخاص، وحضر ضيفا في عدد من الندوات الثقافية والمقابلات التلفزيونية
TT

شبكات الأمن الاجتماعي

تعرف شبكات الأمان الاجتماعي بأنها مجموعة من الآليات والأنشطة المترابطة لتحقيق الاستقرار للأفراد والجماعات وتحرير الإنسان من الفاقة والحرمان. وتعد شبكات الأمان الاجتماعي من ركائز العمل الاجتماعي ومن أهم عناصر منظومة الحماية الاجتماعية. وتستهدف هذه الأنشطة الفقراء وأولئك الذين ليس لديهم القدرة على كسب قوتهم كالعاجزين عن العمل، ومن لديهم إعاقات مؤثرة، والمرضى واليتامى والأرامل وكبار السن.
ولشبكات الأمان الاجتماعي عدة أشكال، منها المساعدات الحكومية بأشكالها العينية وغير العينية، وهي بذلك تتخذ طابعاً حكومياً رسمياً. ومن أشكالها دعم بعض المنتجات الاستهلاكية، وبرامج الإعانات النقدية، والدعم النقدي المشروط بتحقيق شروط معينة مثل إدخال الأبناء للمدارس أو الالتزام بمراجعة المراكز الصحية. كما تقدم العديد من الحكومات برامج مثل الإعانات الشهرية للباحثين عن العمل أو المسرحين من أعمالهم. كما تشمل البرامج الحكومية برامج التغذية المدرسية الموجهة إلى أبناء الأسر الفقيرة.
وقد تتخذ أيضاً أشكالاً غير رسمية مثل المساعدات التي يقدمها الأهل والأقرباء والأصدقاء وأفراد المجتمع والجمعيات الخيرية وغير الحكومية. ويربط العديد من المختصين الرفاه المعيشي أو الاقتصادي بمدى اعتماد الأفراد على أقربائهم في حال المرض أو العجز عن العمل، حيث تلعب الروابط الأسرية والاجتماعية دوراً جوهرياً في الرفاه المعيشي وفي شبكات الأمن الاجتماعي. وعانت العديد من الدول من حالات انتحار أثناء الأزمات الاقتصادية والكوارث بسبب إدراك المتأزّمين عدم وجود أصدقاء أو أقرباء يساندونهم أثناء أزمتهم.
واتضحت أهمية شبكات الأمان الاجتماعي أثناء الجائحة، حيث عانى العديد من سكان العالم من آثارها السلبية وخاصة الذين يعتمدون على أعمالهم لكسب قوتهم بشكل يومي ومنهم سائقو سيارات الأجرة والباعة المتجولون والحلاقون وغيرهم ممن أوقفت الجائحة أعمالهم اليومية. ولذلك فقد سارعت العديد من الدول لإطلاق حزم مساعدات اجتماعية لأولئك المحتاجين أثناء الأزمة.
وبحسب البنك الدولي فإن شبكات الأمن الاجتماعي تغطي نحو 2.5 مليار شخص على مستوى العالم، من ضمنهم نحو 650 مليون شخص من الأشد فقراً عالمياً. وتنفق الدول النامية 1.5 في المائة من الناتج المحلي على برامج شبكات الأمان الاجتماعي. بينما تنفق دول الاتحاد الأوروبي نحو 23 في المائة والولايات المتحدة نحو 16 في المائة على هذه البرامج.
وتشير التقديرات إلى أن شبكات الأمان الاجتماعي ساهمت في تحسين مستوى معيشة أكثر من ثلث الفقراء على مستوى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، حيث لعبت دوراً كبيراً في إبقائهم خارج دائرة الفقر المدقع.
أما في الدول العربية، فقد أصدر صندوق النقد العربي تقريراً استعرض فيه جهود بعض الدول العربية مثل السعودية والبحرين ومصر والأردن في شبكات الأمان الاجتماعي، وأوصى الصندوق في تقريره باتباع منهجيات ملائمة للفئات الفقيرة في المجتمع التي تحتاج إلى دعم ذي أولوية قصوى. وأكد على الدعم المباشر للمستحقين بدلاً من دعم السلع الذي قد يستفيد منه المستحق وغير المستحق، وبذلك قد يكون فيه إهدار للموارد دون تحقيق الهدف الرئيسي وهو دعم المحتاجين. كما أوصى ببعض الإصلاحات التنظيمية والقانونية والمؤسسية واتباع استراتيجيات مستقبلية منها الشراكات مع القطاع الخاص لتوفير فرص عمل منتجة للفئات المستحقة.
إن شبكات الأمان الاجتماعي هي أحد أهم مظاهر التكاتف الاجتماعي، والفئة الفقيرة من المجتمع تعتمد على هذه الشبكات بشكل جوهري، ومدى فعاليتها لا يرتبط بالرفاه المعيشي فحسب، بل بتقديم الحد الأدنى من المستوى المعيشي لمن هم تحت خط الفقر. ولذلك فإن الاهتمام الجاد بها هو من الضرورات التي يجب على الدول الالتفات لها لتحقيق المساواة والعدل الاجتماعي، وبالمقابل فإن التقصير فيها قد يؤدي إلى كوارث اجتماعية كما هو الحال في بعض دول آسيا الوسطى وأميركا اللاتينية.