هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

أميركا تحذّر إيران من إفشال مفاوضات فيينا!

هل كانت مصادفة سعيدة أم تنسيقاً بين إخوة ولاية الفقيه؟ إذ يوم السبت الماضي قال رئيس اللجنة الاقتصادية في البرلمان الإيراني إن استيراد الآلات الموسيقية إلى إيران ليس من اهتمامنا لأن بلادنا جمهورية إسلامية وفيها الكثير من الشهداء والمسؤولين الدينيين، والذين يريدون مثل هذه الآلات والنظارات الشمسية عليهم مغادرة إيران. في اليوم نفسه أطلّ علينا «أخوه» نائب الأمين العام لـ«حزب الله» نعيم قاسم، من مقر «العباءة الزينبية» محاولاً أن يفرض على اللبنانيين ما رفضوه منذ سنين، وأن لبنان القوي (جوع، وفقر، وذل، وانتحار) يأتي من تلاقي الجيش، والشعب، والمقاومة! لكنّ أطرف ما قاله قاسم إنه يريد لبنان سيداً، حراً، مستقلاً، وقوياً (أي تابعاً لإيران، لا قضاء فيه، لا مؤسسات، لا قوانين، لا حرية، لا تنوع)، وأنه أصبحت له سمعة بسبب المقاومة (إرهاب، وتهريب، وتبييض أموال، وقتل، وخطف... إلخ.)، ثم يضيف: «هذا هو لبنان الذي نريده، ومن لم يرد ذلك فليبحث عن حل آخر». نحب أن نذكّر نعيم قاسم بقول قديم: «المكعوم يرحل». لن نقبل بلبنانه ولسنا مكعومين في لبناننا، وعليه بالتالي هو أن يبحث عن حل آخر. كنا نعتقد أن المواقف التي تصدر عن ممثلي «حزب الله» التصاعدية هي لدعم موقف ولية أمره في مفاوضات فيينا، لكنه تمادى كثيراً، فهل يريد فرض التقسيم أم يرغب في شن حرب داخلية ما دام الحزب لم يستطع بعد استرجاع ما تبقى من أراضٍ لبنانية لم تنسحب منها إسرائيل بإرادتها، والشكر لرئيس وزراء إسرائيل السابق إيهود باراك؟!
ماهرة إيران في المراوغة والكذب وتوجيه الاتهامات ورفع الصوت، لكن كل هذه أساليب انتهى زمنها. صباح الثلاثاء حذر أنتوني بلينكن، من أنه إذا فشلت المفاوضات فإن أميركا وحلفاءها سيكونون مستعدين للتصرف: «نستمر حتى الآن في اتباع الدبلوماسية لأننا نراها الخيار الأفضل».
الوضع معقّد الآن، الطرفان يريدان العودة إلى الاتفاق، لكن المشكلة في عدم القدرة على التفاوض حول اتفاق أفضل يشمل النووي، والصواريخ والأذرع الإيرانية. إيران مدعومة من روسيا والصين، لكنّ تصريح بلينكن يلمّح إلى أن أميركا وإسرائيل بدأتا الحديث عن احتمال رد عسكري وتصران على أن يكون على طاولة المفاوضات للضغط.
إن الخطاب من مختلف الأطراف يزداد ارتباكاً. مثلاً رئيس الوفد الروسي مايكل أوليانوف، احتار ماذا يقول في ذلك المساء (الاثنين): «هذا المساء كنتُ في عجلةٍ من أمري لكنني قدمت تعليقات للصحافيين بناءً على طلبهم. لقد أُسيء التفسير. أعلم أنني قيّمت موقف إيران بشكل إيجابي». لكنه في الحقيقة قال حرفياً في المقابلة إن المفاوضين الإيرانيين أنفسهم لا يعرفون سبب وجودهم هنا. أما علي باقري كني، كبير المفاوضين الإيرانيين، فقال: «عقدت هذا المساء لقاءً بنّاءً ومثمراً مع كبار المفاوضين من روسيا والصين. شاركنا أفكارنا حول كيفية المضي قدماً». يبدو أنه لا يعرف ما المطلوب، فالطرف الذي فرض العقوبات هو الولايات المتحدة والمستفيد من العقوبات هو كل من الصين وروسيا.
إذا كان يريد حقاً رفع العقوبات، فعليه الجلوس والتحدث مع الولايات المتحدة مباشرةً.
على كلّ ليست فقط أوروبا وأميركا اللتين سئمتا الإيرانيين، فها هو مبعوث المملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، يقول لصحيفة «عرب نيوز» السعودية، يوم الاثنين، إن المملكة تريد المزيد من المحادثات الجوهرية مع إيران. لسنا مهتمين بإجراء محادثات من أجل المحادثات.
يبقى أن هذه القضية مصدر قلق كبير لإسرائيل «التي ستتصرف إذا وصلت إيران غداً إلى وضع الاختراق النووي»، هكذا قال نائب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الميجور جنرال إيال زمير. وفي حديثه في القمة الوطنية للمجلس الإسرائيلي - الأميركي في هوليوود، قال {لن توقف إيران جهودها لامتلاك قنبلة نووية إلا إذا واجهت تهديداً رادعاً واضحاً. وإذا لم تتصرف واشنطن «فلدينا القدرة على القيام بذلك»، وأضاف: «لقد اطّلعت على الخطط».
واضحةٌ الفجوة الواسعة بين إيران من جهة والولايات المتحدة ومعظم دول مجلس الأمن زائد ألمانيا من جهة أخرى. بعيداً عن مشروعية وجهات النظر والمواقف، إيران تطالب برفع العقوبات الأميركية بالكامل، مضيفةً مطلبين جديدين هما تعويض للخسائر التي لحقت بها من جراء العقوبات منذ قرار الإلغاء، وتعهد مبرم يمنع أي إدارة أميركية في المستقبل من إلغاء أي اتفاقية يتم التوصل إليها، وهذا مطلب سخيف.
من جهة أخرى، الولايات المتحدة التي تمتنع عن الاجتماع المباشر مع الإيرانيين في فيينا، وبلسان الرئيس جو بايدن ووزير الخارجية بلينكن، ترفض رفع أيٍّ من العقوبات قبل التحقق من تنفيذ إيران لشروط «الاتفاق».
وقد أبدى ممثلو الدول في اجتماعات فيينا قلقهم من الموقف الإيراني التصعيدي والمماطل وغير الجاد للتوصل إلى اتفاق بينما ينشط في برنامجه النووي. وقد عاد المندوبون إلى الاجتماع يوم الخميس الماضي بعد توقف دام خمسة أيام.
لكن لا بد من التساؤل عن الخيارات في حال فشلت مفاوضات فيينا، وقد صرح وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بأنه في حال فشل الحلول الدبلوماسية مع إيران فإن الولايات المتحدة ستلجأ إلى حلول أخرى.
الخيار الأول: هو تشديد العقوبات الأميركية على إيران وكل من يتعامل معها ومع أذرعها. وقد أعلن الناطق باسم البيت الأبيض عن توجه وفد رفيع المستوى من وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية إلى دولة الإمارات العربية للتباحث في سبل تقييد الاستثمارات والأموال الإيرانية والالتزام بقرارات الولايات المتحدة في هذا الخصوص. ويمكن ربط هذا التوجه بعملية قصف إسرائيل ميناء اللاذقية الأسبوع الماضي والتي استهدفت حاويات قيل أن فيها مواد غذائية وبضائع استهلاكية إيرانية الصنع مرسلة إلى «حزب الله» في لبنان لتوزيعها على مقاتليه وبيئته. طبعاً ستؤثر هذه العقوبات سلباً على إيران وحلفائها وكلهم يعانون من أوضاع اقتصادية خانقة جداً يمكن أن تنتج عنها مآسٍ إنسانية بشعة تكون حافزاً لانتفاض الناس على نظام الملالي وأذرعه.
الخيار الثاني: في حال فشل الاتفاق على الاتفاق سيبرز خيار الاستنزاف العسكري لإضعاف إيران، بحيث تقوم إسرائيل وبتنسيق كامل مع الولايات المتحدة بتكثيف العمليات العالية التقنية في العمق الإيراني تستهدف فيها مواقع حساسة ومهمة تعيق التقدم في البرنامج الإيراني، وتقوم بعمليات اغتيال وترهيب لمسؤولي البرنامج كما حدث مع كبير العلماء محسن فخري زاده العام الماضي. وفي الوقت نفسه تستمر إسرائيل بشن غارات على مواقع «الحرس الثوري» و«حزب الله» في سوريا والتي لم تتوقف على مدى الأشهر الماضية. ومن الممكن أيضاً أن تستمر في ضرب الإمداد البحري الإيراني إلى لبنان عن طريق موانئ سوريا كما حدث في قصف ميناء اللاذقية، وذلك لحصار مناصري إيران في لبنان وسوريا غذائياً وعسكرياً. ومن الممكن أيضاً أن تتوسع في عملياتها ضد ذراع إيران على البحر المتوسط باستهداف مراكز «حزب الله» من الجو ومن دون أن تطأ أقدام الجنود الإسرائيليين الأرض اللبنانية.
وتقوم إسرائيل منذ فتره بمناورات وتدريبات لسكان المستعمرات الشمالية في حال كانت هناك هجمات صاروخية على الأماكن المدنية، وقد أنشـأت شبكة حماية مرتبطة بأجهزة إنذار مبكر عالية الدقة لاعتراض الصواريخ ومنع سقوطها على أراضي إسرائيل.
ومن الخيارات المحتملة أن تقوم إيران بحرب استباقية مفاجئة عن طريق الأذرع، كما فعل «حزب الله» عام 2006، فتشعل المنطقة وتُجبر دول مجلس الأمن على العودة إلى طاولة المفاوضات. المشكلة أن إيران وحلفاءها في عام 2006 كانوا في وضع اقتصادي مريح يعطيهم مقدرة على الصمود وتحمّل العواقب، وهذا الأمر تغيّر اليوم، إذ يعمّ الفقر والجوع والعوز في الداخل الإيراني وحيثما كانت الأذرع، بحيث أصبحت المجتمعات غير قادرة أو قابلة على تحمل أوزار حرب جديدة.
مما لا شك فيه أن نظام الملالي الإيراني كمعظم الأنظمة الشمولية لا يهمها أوضاع شعوبها المزرية... والتي يعمها الفقر والعوز، إنما أولويتها هو بقاؤها الذي لأجله تقتل وتقمع وتنشر الخوف بين أناسها. ولأجل بقاء نظام الملالي، هناك رأي يقول إنه في الدقيقة الأخيرة ستوافق على شروط الولايات المتحدة التي تتعلق بالبرنامج النووي، وفي المقابل ستحصل على تعهد بالإفراج التدريجي عن الأموال الإيرانية المجمدة في أميركا.
هناك عده أزمات كبرى تشغل العالم في هذه الأيام، منها الأزمة مع روسيا بسبب أوكرانيا وإمكانية مغامرة روسية لاجتياح مناطق حدودية مع شبه جزيرة القرم، والهاجس الغربي من تمدد النفوذ الصيني، والخلاف مع إيران. كلٌّ من هذه الأزمات يمكن أن تتطور بشكل دراماتيكي وسريع، وأحداث الأيام المقبلة سترسم مستقبل النصف الثاني من القرن.
في الختام نصيحة لنعيم قاسم بالاستماع إلى فريق البيتلز وبالذات إلى أغنية جون لينون «تخيل» فلربما يتعلم كيف يحب السلام ويؤمن بالإنسانية، حيث يعيش كل الناس في حب وسلام فينسى وينسون مآسي المقاومة.