فاي فلام
TT

الوقت مبكر جداً لفرض معزِّزات فيروس «كورونا»

بدأ مسؤولو الصحة العامة يتساءلون عمّا إذا كان ينبغي مراجعة تعريف «التطعيم الكامل» ليشمل الجرعات المعزِّزة -حتى يتمكن الناس من الحصول على الحماية الكاملة ضد الفيروس. ولكن حتى إن كان الحصول على جرعة معزِّزة خياراً جيداً لمعظم الناس، فإن جعله إلزامياً في المكاتب والمدارس والمطاعم وغيرها، قد ينتقص من الجهود الرامية لضمان حصول الجميع على اللقاح الأساسي.
تفترض فكرة الجرعات المعزِّزة أن الأشخاص «المطعَّمين» -ولكن ليس «المعزّزين»- بإمكانهم المساهمة في إرباك وازدحام المستشفيات، وأن التعزيز يقلل بشكل ملحوظ من انتشار الفيروس. ولكن ليس من الواضح أن منح الجرعات المعزِّزة للشباب الأصحاء سوف يؤثر على مسار الوباء بهذه الطريقة.
يقول بول أوفيت، مدير مركز التوعية باللقاحات في مستشفى الأطفال في فيلادلفيا، والمعارض لفترة طويلة ضد حركة مكافحة التطعيم، إن الأطفال المرضى الذين يراهم في المستشفى لم يتم تطعيمهم، على الرغم من أن الكثير منهم تتجاوز أعمارهم 12 عاماً، ولطالما كانوا مؤهلين للحصول على الجرعة. وفي المعتاد لا يتم تطعيم الوالدين أيضاً.
فإذا كان الهدف، كما أخبرني، الوقاية من الأمراض الحادة، ودخول المستشفيات، والوفاة، فإن فرض الجرعات المعزِّزة لن يساعد في شيء، وأضاف قائلاً: «إن مناقشات الجرعات المعزِّزة مُحبطة للغاية. ولا أعتقد أن تلك الجرعات سوف يكون لها تأثير كبير على منحنى الوباء».
ربما يغيّر «أوميكرون» من بعض الأمور، استناداً إلى ما يتعلمه الباحثون حول قدرته على الانتشار وقدرته على مراوغة اللقاحات. ولكن في حالة متغير «دلتا» السائد، فهناك دليل على أن اللقاحات مستمرة في توفير بعض الحماية من دون المعزِّزات. وبالنسبة إلى الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، أو الذين يعانون من نقص المناعة، ممن يتعرضون لمخاطر كبيرة بدخول المستشفيات أو الوفاة، فإن المعزِّزات بالنسبة لهم مهمة للغاية. ولكن من غير المرجح دخول الشباب والأشخاص الأصحاء «المطعَّمين» إلى وحدة العناية المركزة جراء الإصابة بالفيروس.
هذا لا يعني أن المعزِّزات ليست مفيدة. بل إنها كذلك كما أبلغني دان باروش، الباحث في كلية الطب بجامعة هارفارد الذي صمّم جرعة «جونسون آند جونسون»، على الرغم من أنها لا تخدم جميعها نفس الغرض. ولنتذكر أن لقاح «جونسون آند جونسون» كان أقل فاعلية في البداية من لقاح «الحمض النووي الريبوزي المرسال» المكون من جرعتين من إنتاج «فايزر» و«موديرنا». وأسفر الأمر عن موجة كبيرة من إنتاج الأجسام المضادة، غير أن فاعليتها تتضاءل بمرور الوقت. أما لقاح «جونسون آند جونسون» فلا يتلاشى أثره، إذ بعد ثمانية أو تسعة أشهر من تناول الجرعات، ينتهي الأمر باللقاحات الثلاثة ضمن مجال الفاعلية نفسه.
السبب وراء الحصول على الجرعة الثانية من لقاح «جونسون آند جونسون» يكمن في تحسين حماية الشخص من أعراض فيروس «كورونا» بنسبة نحو 75 إلى 95%. أما بالنسبة للقاحات «الحمض النووي الريبوزي المرسال»، تكمن الفكرة في إعادة توفير الحماية العالية.
من الناحية النظرية، فإن المزج والمطابقة قد يمنحان الناس مناعة أوسع وأكثر دواماً. ولتأمين أفضل تأثير من الجرعة المعزِّزة، من المفيد الانتظار 6 أشهر بعد أول تطعيم. وشرح باروش أن المعزِّزات يجب أن تتسبب في إحداث دفعة من الخلايا البائية الجديدة المنتجة للأجسام المضادة -ولكن لن يكون لها نفس التأثير إذا كانت هذه الخلايا البائية لا تزال في حالة تنشيط بعد التطعيم الأولي. بعد مرور نحو 6 أشهر، تعود الخلايا البائية إلى حالة السكون، وتؤدي الجرعة المعزِّزة إلى سرعة تكاثرها.
يأتي بعض البيانات المفيدة بشأن مختلف اللقاحات من دراسات الاختبارات المنتظمة التي تُعطى للاعبي كرة السلة المحترفين وغيرهم ممن يعملون في الدوري الأميركي لكرة السلة. وتكشف نتائج الاختبارات التي أجروها عن مقدار الفيروس الذي يحمله الأشخاص المصابون ومدى تضاؤل الأجسام المضادة للفيروس المسبب للقاحات مع مرور الوقت.
وفي دراسة نُشرت الأسبوع الماضي، خلص ستيفن كيسلر، عالم المناعة في جامعة هارفارد، أن الأشخاص المطعَّمين كانوا أقل ميلاً إلى نقل المرض إلى آخرين. وتدعم أدلة كيسلر دراسات أخرى عن العاملين في مجال الرعاية الصحية كانت لها نتائج مماثلة من خلال إظهار أن الأشخاص المطعَّمين يحملون نسخاً أقل قابلية للحياة من الفيروس.
وقد شهد موظفو الدوري الأميركي لكرة السلة الذين تلقوا لقاح «جونسون آند جونسون» عدداً أكبر من الحالات المتقدمة مقارنةً بأولئك الذين حصلوا على لقاحات «الحمض النووي الريبوزي المرسال». كما أظهرت البيانات تلاشي الحماية من لقاحات «الحمض النووي الريبوزي المرسال»، ولكن هذا الأمر كان متغيراً للغاية. بعض الأجسام المضادة قد تلاشت إلى لا شيء تقريباً خلال 6 أشهر، بينما استمر بعضها الآخر بقوة شبه كاملة. ولكن لم يكن هناك نمط واضح للتنبؤ بمستوى التضاؤل الذي قد يشهده الناس.
كل هذا يعني أن هناك سبباً وجيهاً يدعو معظمنا للوقوف في صفوف الجرعات المعزِّزة. فهي تحسّن المناعة، وربما تساعد في منعنا من الإصابة بالأمراض الحادة في حال حدوث طفرة في المتغير «أوميكرون».
لكن الخيار الصحي الشخصي لا يتساوى مع تفويض الصحة العامة. هل تقلل المعزِّزات الإلزامية من انتقال العدوى أو دخول المستشفيات بشكل عام؟ يعتقد بول أوفيت أن الفوائد المحتملة لا تستحق التدخل لدفع حصول الأميركيين غير المحصنين على اللقاحات، وإيصالها إلى بلدان حيث الناس لم يتمكنوا من الوصول إليها، وبناء ثقة الجمهور في اللقاحات الأساسية -وربما الأخذ بتدابير الصحة العامة الأخرى إذا تبين أن «أوميكرون» خطير للغاية.
بعد عقود من مواجهة معارضي التطعيمات، أدرك السيد أوفيت العلاقة الاجتماعية المهمة للثقة العامة. وفي ظل هذا الوباء، تبدد قدر كبير من الثقة بسبب القيود غير الضرورية وغير المستندة إلى أدلة، من إغلاق المتنزهات والشواطئ إلى وضع نقاط التفتيش على حدود الدولة. كان الزعماء السياسيون راغبين في القيام بأمر ما، ولكن ليس كل ما فعلوه ساعد في شيء.
وفي مواجهة المتغير الجديد الغامض، فإن الإغراء بالظهور بمظهر المفيد يبدو قوياً. وكان «أوميكرون» هو ما دفع «مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها» إلى توسيع نطاق توصيات الجرعات المعزِّزة لجميع البالغين. لكن تبين استحالة التنبؤ بوباء «كورونا» وتحركاته. وفرض الجرعات المعزِّزة إلزاماً على الناس من دون دليل قوي على فائدة المجتمع منها يمكن أن يعصف بالثقة العامة لدى الجماهير عندما تشتد الحاجة إليها.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»