مورين دوود
TT

الطلاق الفوضوي!

عندما تلقيت دعوة من السفير الفرنسي لحضور عرض «الجمشت»، تساءلت حول ما يعنيه الاسم: هل هذا حفل ترويجي لشركة فرنسية معنية بإنتاج المجوهرات أم أنه ربما عطر جديد؟
في نهاية الأمر، لم أذهب إلى الحفل الذي أقيم الخميس الماضي، وذلك لانشغالي بالدراسة للحصول على درجة الماجستير من جامعة كولومبيا، واضطررت لقراءة مسرحية «هنري الخامس»، ومشاهدة أداء كل من لورانس أوليفييه وكينيث براناغ وتوم هيدلستون وتيموثي شالاميه لشخصية الملك في معركة أجينكورت.
ولم أعرف أنه كان باستطاعتي الاضطلاع بواجبي الدراسي خلال الحفلة، وذلك لأن «حرب المائة عام» كانت ما تزال مستعرة بين السفارتين الفرنسية والبريطانية في العاصمة الأميركية.
اتضح لي في وقت لاحق أن «الجمشت» جزء من محاولة فرنسية لمهاجمة البريطانيين، وهو اسم غواصة فرنسية نووية. وكانت الغواصة في الفترة الأخيرة محور صفقة شهدت إلغاء الأستراليين خططهم لشراء غواصات فرنسية تعمل بالديزل، بعد أن تفاوضوا سراً مع البريطانيين والأميركيين لبناء غواصات تعمل بالطاقة النووية. وتسببت هذه الصفقة في حدوث أزمة كبيرة في العلاقات بين الدول الأربع.
ويكفينا القول هنا إنه لم يظهر أثر لدبلوماسيين بريطانيين أو أستراليين في أي من أرجاء الحفل الذي أقيم في مقر إقامة السفير فيليب إتيان.
وفي حديث دار بيننا، أخبرني أحد المضيفين المشاركين في الحفل، ستيف كليمون، الذي يعمل صحافياً هنا، أن اختيار اسم الجوهرة الأرجوانية مقصود منه البعث برسالة حول الشفاء ووحدة الصف، وأنه يجب أن تمتزج واشنطن ذات اللونين الأحمر والأزرق في مزيد من اللون الأرجواني.
وقال كليمون إن توم بوسرت، مستشار الأمن الداخلي في عهد إدارة ترمب، أبى أن يمرر المناسبة دون إثارة ضيق المضيفين، إذ قال له: «ستيف، ربما أكون الشخص الوحيد هنا الذي يعرف أن (الجمشت) اسم غواصة نووية».
اللافت أن أحداً لم يفاجأ بالفتور الشديد في العلاقات بين السفارتين الفرنسية والبريطانية. وفي الحقيقة، لا يتطلب الأمر سوى القليل للغاية من الجهد لدفع البلدين لمحاولة القضاء أحدهما على الآخر.
من جانبهم، يتهم البريطانيون الفرنسيين بالعجرفة، بينما ينتقد الفرنسيون البريطانيين لمجرد أنهم ليسوا فرنسيين. وفي الحقيقة، يبدو أن مسرحيات شكسبير التاريخية لا تزال حية للغاية بالنسبة للبريطانيين. جدير بالذكر في هذا الصدد أن بوريس جونسون قد عمل لسنوات على تأليف كتاب عن شكسبير.
وفي مسرحية «هنري الخامس»، يجري تصوير الفرنسيين بصفتهم حقودين وجبناء. ولدى قتلهم صبية في المعسكر الإنجليزي، جرى وصفهم بأنهم «أوغاد قتلة». وفي المقابل، ما تزال جان دارك التي ألهمت الفرنسيين لاستعادة بلادهم من أيدي الإنجليزي، بعد أن غزاها هنري الخامس، تلهب مخيلة الفرنسيين حتى يومنا هذا.
وتبدو مشاعر الازدراء المتبادل بين الجانبين متأصلة في اللغة؛ على سبيل المثال، ثمة تعبير بالفرنسية يعني «الهروب على الطريقة الإنجليزية»، ويعني الهروب على نحو خسيس دون التفوه بكلمة.
ومع ذلك، تبدو الأمور في تدهور على نحو خاص في الوقت الحاضر فيما يخص العلاقات بين البلدين، جراء فضيحة الغواصة، ونزاع صيد إقليمي سيئ مع استيلاء الفرنسيين على سفينة صيد بريطانية. كما لا يزال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في طور الانهيار، ما يزيد الأمور صعوبة على الدولتين الصغيرتين اللتين لطالما استعرضتا قوة تفوق حجمهما.
وعلى ما يبدو، فإن كل واحدة منهما تنظر إلى الأخرى، فلا ترى سوى أشباح الإمبراطورية. وفي الواقع، تعد فرنسا أكثر دولة تعرضت لاضطراب جراء الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وذلك بالنظر إلى حقيقة أن جزءاً كبيراً من التجارة بين المملكة المتحدة وفرنسا يمر عبر القناة الإنجليزية. والواضح أن الفرنسيين أخذوا الأمر على محمل شخصي للغاية.
ويبدو أن الفرنسيين يرغبون في إظهار أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فكرة فاشلة، بهدف بث الخوف في نفوس الدول الأخرى التي ربما تفكر في الرحيل عن الاتحاد الأوروبي. وفي المقابل، يريد البريطانيون إثبات نجاح قرارهم. وعليه، نجد أن هناك احتكاكاً بين بوريس جونسون وإيمانويل ماكرون. فبينما يعتقد جونسون أن ماكرون أحمق بعض الشيء، ينظر إليه ماكرون بصفته شخصاً قد يكون مسلياً، لكنه ليس سوى شخص بدين كاذب.
وما زاد الطين بلة أنه عندما كان جونسون هنا في سبتمبر (أيلول)، قال إن الفرنسيين يبالغون في رد فعلهم إزاء أزمة الغواصات. كما أثار ضيق الفرنسيين عندما تناول الطعام داخل السفارة الأسترالية، مع رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون.
ومع ذلك، تبقى ثمة فوائد على الصعيد المحلي وراء التوترات المستمرة. فمن ناحيته، يحاول ماكرون التحرك بشكل صحيح للتصدي لترمب الفرنسي، المعلق التلفزيوني إريك زمور. ولدى جونسون هو الآخر حافز لإثارة الأمور في خضم أزمات التضخم ونقص الوقود والغذاء. ومثلما نصح هنري الرابع ابنه، فإن أفضل طريقة لصرف الانتباه عن المشكلات الداخلية «إشغال العقول بالنزاعات الأجنبية».
وفي الوقت نفسه، فإن السفارتين البريطانية والفرنسية تخوضان منافسة عميقة لجذب كبار مسؤولي بايدن. وقد ساور القلق بعض البريطانيين في الفترة الأخيرة عندما سمعوا أن الفرنسيين قد منحوا والدة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، جوديث بيسار، تكريماً رفيعاً، رغم أنه بالنظر إلى الوقت الذي قضته بصفتها شخصية ثقافية في فرنسا، يبدو من المؤكد أن هذا التكريم مستحق.

* خدمة «نيويورك تايمز»