فايز سارة
كاتب وسياسي سوري. مقيم في لندن. عمل في الصحافة منذ أواسط السبعينات، وشارك في تأسيس وإدارة عدد من المؤسسات الإعلامية، وكتب في كثير من الصحف والمجلات، ونشر دراسات ومؤلفات في موضوعات سورية وعربية. وساهم في تأسيس العديد من التجارب السياسية والمدنية.
TT

سيرة الملالي... الأخبار الأولى في الإعلام

لا يكاد يمر يوم واحد ممن دون أن تتصدر إيران، وما يتصل بها من تابعين، شريط الأخبار في وسائل الإعلام العالمية، ويرتبط الأمر بما تحمله الأخبار من تحديات وإثارة وغرائب، عبر سياسات ومواقف وتصريحات وإجراءات تصدر عن نظام طهران وكبار المسؤولين فيه، والتي لا تتناول إلا مشكلات وتعقيدات ومقدمات لكوارث، أو تتناول بعضاً من تفاصيلها ونتائجها.
ولعل ما حملته وسائل الإعلام نهاية الأسبوع الماضي، يصلح مثالاً في أخبار نظام الملالي وتابعيهم. وتناول أول أخبار السياسة الخارجية الجهود الدبلوماسية التي يتابعها العالم للوصول إلى اتفاق نووي، يحل مكان اتفاق عام 2015 بعد أن قامت واشنطن بإلغائه عام 2018؛ مما فتح الباب مجدداً أمام إيران للمضي في برنامجها النووي، وسط حالة من غياب التوافقات والمراقبة الدولية، وعزز موقف إيران وسياساتها في المماطلة، وسهل عليها وضع اشتراطات، تسعى من خلالها للحصول على ضمانات من واشنطن، يكون العالم شاهداً عليها. وقد أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، أن نجاح الجهود الدبلوماسية لإحياء اتفاق عام 2015، يكمن في تلبية واشنطن ثلاثة شروط؛ تقديم ضمانات أميركية بعدم التخلي عن الاتفاق النووي مرة أخرى، وإلغاء العقوبات الاقتصادية دفعة واحدة، والاعتراف بالمسؤولية عن الأوضاع الناجمة عن انسحاب إدارة دونالد ترمب من الاتفاق. ولا يخفى ما تحتويه تلك الشروط من صلف وابتزاز إيراني يسبقان استئناف المباحثات في فيينا أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، وذلك بعد أشهر من تأخير إيران ومماطلتها.
ورغم أن البعض ربط بين موقف إيران من استئناف المباحثات، وقيامها بمناورات عسكرية واسعة في خليج عُمان نهاية الأسبوع، بوصفه تذكيراً للأطراف المشاركة في مباحثات الاتفاق النووي المرتقب بحضور إيران وقوتها العسكرية، فإن المهم أولاً رؤية المناورات بوصفها استعراضاً للقوة في الخليج، خصوصاً أن وحدات من الجيش و«الحرس الثوري» ومختلف صنوف الأسلحة شاركت فيها، من دون أي اعتبار لما قيل عن أن هدف المناورات تحدي التعاون الإسرائيلي - الأميركي، حيث إن إيران اعتادت ألا ترد على الضربات الإسرائيلية، التي توجه مباشرة وبصورة متكررة إلى قواتها وحلفائها في سوريا، وهي تسعى من جهة ثانية إلى تفاهمات مع واشنطن في العديد من ملفات المنطقة، مما يعني أن مناوراتها كانت رسالة خاصة إلى جيرانها في الخليج.
وبصورة عملية، فإن مناورات الخليج جزء من سياسة إيران الشرق أوسطية، وهي بعض جهودها، التي تضع المنطقة وبعض بلدانها في أتون مزيد من الكوارث إضافة إلى ما وقع فيها؛ ومنها الحرب المتواصلة في سوريا واليمن، التي لم تشبع رغبة الملالي للقتل والدمار وتشريد الشعوب وتجويعها من أجل إحكام القبضة الإيرانية عليها والإمساك بمصيرها، ومواصلة الدفع نحو تفجير بلدان أخرى، وجرها إلى الهاوية، كما يحدث في لبنان والعراق عبر ما تقوم به ميليشيات إيران في البلدين من جرائم يرتكبها «حزب الله» في لبنان وفصائل «الحشد الشعبي» في العراق.
وإذا كانت أخبار نهاية الأسبوع الخاصة ببلدان المشرق العربي عن نشاطات إيران وسياساتها حافلة بالتفاصيل، فإن الأهم فيها كانت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وقد جبن عملاء إيران عن إعلان تبني الجريمة، غير أنهم لم يستنكروها، وهم الذين أخذوا على الكاظمي رفضه التحول إلى ألعوبة بأيديهم أو بيد ملالي طهران، فاتهموه بتزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ودخلوا في مواجهته عبر سلسلة من تحركات سياسية وأمنية وحركات احتجاج، هدفت إلى تصفيته سياسياً باستبعاده من دور في رئاسة محتملة لحكومة عراقية مقبلة، أو في احتمال عودته إلى إدارة المخابرات العراقية، فاتجهوا نحو تصفيته بمسيّرة مفخخة في مقر إقامته، مؤكدين جوهر موقفهم منه الذي أعلنه زعيم حركة «عصائب أهل الحق» متوعداً: «يا كاظمي... سنثأر لدماء رفاقنا» في كلمة ألقاها خلال مجلس عزاء اثنين من تنظيمه قتلا في اشتباك مع قوات الأمن العراقية أثناء احتجاجات على نتائج الانتخابات.
ومن الطبيعي أن تتواصل أخبار ملالي إيران الخاصة بالداخل في السياق ذاته للسياسات الخارجية مع فارق بسيط؛ أساسه نوعية المستهدفين، حيث هم في الداخل عموم الإيرانيين؛ فقد كرس النظام عبر العقود الماضية نفسه نظاماً ديكتاتورياً استبدادياً، لبس عباءة المرجعية الدينية ذات طموحات التوسع والسيطرة الإقليمية، وهي لا تتورع من أجل ذلك عن استخدام كل الأساليب والطرق؛ الأمر الذي ألحق ضرراً بالداخل الإيراني على غرار ما فعله بالمحيط، فأشبعه تفرداً بالسلطة واستئثاراً بها، وفرض على الإيرانيين غرقاً في الحروب والقتل والاعتقال والمنافي والمخدرات، وألبسهم رداء الفقر الشديد حد الجوع في بلد من أكثر بلدان المنطقة ثراءً وغنىً، ودفع بأغلب موارده نحو مشاريع تسلح، وتجنيد أنصاره في الإقليم، والتدخل الفج والعنيف في شؤون دول الجوار.
وكان بين أبرز أخبار نظام الملالي في الداخل، ما شهدته مدن ومواقع من حركات احتجاج على هضم حقوق الإيرانيين، وتردي أوضاعهم المعيشية؛ الأمر الذي دفع بفئات واسعة، لا سيما في الأوساط العمالية والشعبية، إلى تنظيم احتجاجات وإضرابات، كان منها: إضراب عمال شركة تصنيع السيارات في تبريز احتجاجاً على عدم دفع رواتبهم الشهرية، ومثله احتجاج موظفي جامعة «آزاد» الإسلامية - فرع ماهشهر للمطالبة بدفع أجورهم المتأخرة، واعتصام ممرضي هيئة الضمان الاجتماعي أمام مجلس شورى الملالي احتجاجاً على تجاهل المسؤولين مطالبهم، التي يؤيدها القانون، ويرفض المسؤولون تلبيتها، واحتجاج متقاعدي صناعة الصلب في أصفهان والأحواز على ظروفهم المعيشية، حيث رواتبهم لا تتجاوز حد ثلث المستوى الرسمي للفقر.
كما هي الحال في الأسبوع الماضي، فإن كل أخبار نظام الملالي وتابعيهم السابقة والمقبلة، لا شيء فيها سوى الأخبار عن الصراع والعسكرة والحروب والخلافات، ولا شيء يخرج منها سوى رائحة البارود والدم والآلام، ولا تقود إلا نحو مستقبلات سود؛ ليس لمن في جوار إيران والأبعد منهم فقط؛ بل للإيرانيين أنفسهم، وقد صارت حياتهم في جحيم بسبب طموحات الملالي وسياساتهم.