يان ايجلاند
الأمين العام لمجلس شؤون اللاجئين النروجيين
TT

أفغانستان تواجه خطر انهيار اقتصادي شامل

عندما كنت أتجول في أنحاء كابل منذ بضعة أسابيع بدت المدينة وكأنها أكثر تمزقاً عنها خلال آخر زيارة لي عام 2019، وليس هذا بسبب حرب دامت عشرين عاماً وانتهت أخيراً، فالاقتصاد يخرج عن السيطرة، ولو لم تبدأ الأموال في التدفق إلى الداخل قريباً سيحدث انهيار اقتصادي كامل سيوقع الأفغان في براثن كارثة إنسانية. مشاعر اليأس والإحباط في كل مكان، حيث أخبرتني أمهات جلست معهن داخل خيام مؤقتة أن أسرهن ليس لديها دخل أو مدخرات تنفق منها، وإنهن يشعرن بالقلق من موت أبنائهن من الجوع والبرد خلال هذا الشتاء. كذلك التقيت مدرسين وعاملين في مجال الصحة ومهندسي مياه لم يتقاضوا أجورهم منذ شهر مايو (أيار)، ولم يعودوا قادرين على إعالة عائلاتهم أو الاستمرار في تقديم الخدمات العامة. في ظل عدم وجود مصارف تعمل بكفاءة ووجود سيولة، لن يتمكن الأفغان من الحصول على مدخراتهم، ولن تكون لديهم وسيلة للصمود والبقاء على قيد الحياة.
عندما أسقطت «حركة طالبان» الحكومة الأفغانية في أغسطس (آب)، خسرت البلاد فجأة أكثر من 9 مليارات دولار في احتياطي البنك المركزي، حيث جمدتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن؛ وقد أحدث ذلك موجات من الصدمة في النظام المصرفي ودفع قادة «طالبان» الجدد نحو اتخاذ إجراءات ضبط لرأس المال مما أدى إلى إغلاق المصارف وتعطل الاقتصاد. لا ينبغي أن يكون الصراع السياسي مع «حركة طالبان» عقاباً للشعب الأفغاني من المدنيين، وعلى المجتمع الدولي التوسط فوراً في اتفاقات متعددة الأطراف تساعد في استقرار الاقتصاد وتمويل الخدمات العامة. يعني ذلك العثور على قنوات دفع آمنة لتدفق المساعدات وحماية الإجراءات الإنسانية من العقوبات الدولية وغيرها من الإجراءات المتعلقة بتمويل مكافحة الإرهاب.
وتعد مؤسستنا، وهي مجلس اللاجئين النرويجي، واحدة من المؤسسات التي تحاول تقديم المساعدة في هذه البيئة الجديدة المليئة بالتحديات. لم نتمكن من إدخال أموال المساعدات إلى البلاد بطريقة آمنة من أجل شراء موارد عاجلة للأسر المشردة والمعرضة لخطر الجوع خلال الشتاء الحالي. وقد أسفرت الأزمة المصرفية عن إغلاق العديد من المصارف الأفغانية، في حين تعمل بعض المصارف بشكل محدود مقيد؛ وقد جعلنا ذلك نواجه صعوبة في دفع المال للعاملين لدينا والموردين في أفغانستان، مما اضطرنا إلى شراء خيام وأغطية وغذاء من باكستان الدولة المجاورة لها. فلنتصور كيف يواجه أصحاب العمل في أنحاء أفغانستان مثل هذه المعضلة بشكل أكبر ومتفاقم.
إضافة إلى مشكلة السيولة الطارئة، أدى تجميد أموال التبرع إلى عرقلة تقديم الخدمات العامة، حيث كان يتم تمويل 75 في المائة من النفقات الحكومية في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية من المساعدات الأجنبية؛ وقد تم قطع تلك المساعدات بشكل كبير بسبب ارتباك المجتمع الدولي فيما يتعلق بطريقة التعامل مع حكومة تتولاها «حركة طالبان» وتشمل وزراء مدرجين على قائمة العقوبات الدولية. هناك حاجة إلى وضع آليات بشكل سريع من أجل دفع مستحقات مئات الآلاف من الموظفين في المجالس المحلية والقطاع الحكومي من خلال تمرير أموال البنك الدولي المجمدة عبر الهيئات التابعة للأمم المتحدة؛ وكان هذا ما أثرته في خطاب موجه إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البنك الدولي أطالب فيه باتخاذ إجراء طارئ فوري، مشيرة إلى ضرورة دفع مستحقات العاملين في القطاع الحكومي مباشرة من الصناديق الاستئمانية التي تديرها الأمم المتحدة. ونظراً لوجود موارد بالفعل داخل البنك الدولي، ووجود قنوات موثوق بها للأمم المتحدة داخل البلاد، يمكن إجراء تلك الأنواع من التحويلات سريعاً. نحن بحاجة إلى طريقة تفكير خارج الصندوق حتى تتمكن المصارف من العودة للعمل وفتح أبوابها مرة أخرى، إلى جانب استئناف تقديم الخدمات الاجتماعية.
لقد علق البنك الدولي 600 مليون دولار في صناديق تمثل العمود الفقري للمنظومة الصحية بالبلاد. إذا لم يتقاض الأطباء والممرضون أجورهم، سوف تُضطر المستشفيات إلى إغلاق أبوابها. ويعد التحالف، الذي تم تشكيله مؤخراً من جانب مجموعات مساعدة رئيسية لمعالجة أزمة الصحة، خطوة في الاتجاه الصحيح. وقد تم توقيع اتفاق خاص من جانب أربع هيئات لوضع آليات تسمح بتمويل المستشفيات والعيادات في أفغانستان بشكل مباشر، لكن ذلك لن يكفي، حيث لا تزال مجموعات المساعدة أبعد ما يكون عن النجاح في سد الثغرات الهائلة التي تزال موجودة داخل المنظومة الصحية.
نحن بحاجة أيضاً إلى أدوات مالية تمكن المتبرعين من تقديم مبالغ مالية ضخمة من أموال الإغاثة لمساعدتنا في التعامل مع الوضع المعقد الناتج عن العقوبات والقيود الدولية التي تجعل من الصعب وصول مساعداتنا إلى الفئات المحتاجة. وحتى قبل حدوث التحول السياسي الكبير الأخير في أفغانستان، كانت البلاد تواجه أزمة إنسانية شديدة، حيث كان أكثر من 18 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية؛ وبلغ عدد النازحين في الداخل 3.5 مليون، وارتفع مستوى الجوع بسبب قلة الأمطار، ولم يكن ثلث السكان يعرفون مصدر وجبتهم الغذائية القادمة.
اقترحت بعض الدول والأفراد ضرورة التزام «حركة طالبان» تحقيق شروط محددة مقابل الحصول على المال، وبصفتنا منظمة إنسانية، لا نؤيد وضع شروط للمساعدات. نحن لسنا هنا من أجل تقديم النصح فيما يتعلق بالمشكلات السياسية، أو إيجاد حلول سياسية للأزمة الحالية، بل نريد أن يدرك المجتمع الدولي الوضع الحرج هنا، فالأزمة الاقتصادية سوف تزيد الحاجة إلى تقديم مساعدات إنسانية. لقد أخبرت قادة «حركة طالبان»، الذين التقيتهم في كابل، أن نجاح الجهود الإنسانية يعتمد على تمتع الزملاء من الرجال والنساء بحقوق متساوية، كما أوضحت ضرورة وأهمية التحاق الفتيات والصبية بالمدارس. وقد تلقينا تطمينات شفهية فيما يتعلق بتلك المسائل في أكثر مناطق البلاد، وسوف نواصل الضغط على «طالبان» للالتزام بالمبادئ الإنسانية، وسوف نحرص على الوصول إلى الأشخاص الأكثر احتياجاً.
لن يعتمد نجاحنا في سباقنا مع الزمن لتحقيق تقدم قبل حلول فصل الشتاء على استعداد «طالبان» لترجمة أقوالهم إلى أفعال فحسب، بل على المجتمع الدولي أيضاً. لقد تم إنفاق تريليونات الدولارات خلال العقدين الماضيين على الحرب في أفغانستان التي انتهت بشكل كبير عند مغادرة القوات الأميركية مخلفة وراءها نحو 40 مليون شخص ليدافعوا عن أنفسهم. في الوقت الذي تفاجأ فيه الكثيرون بهذا التحول السريع في السلطة، لا يمكن للمجتمع الدولي الوقوف من دون أن يحرك ساكناً ومشاهدة البلاد تسقط وتنهار. علينا تفادي حدوث انهيار اقتصادي كامل في أفغانستان من دون النظر إلى من يحكم البلاد، وإلا سيدفع ملايين الأطفال والنساء والرجال الأفغان ثمناً باهظاً.
* الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي ولديه خبرة 30 عاماً في العمل الإنساني
* خدمة «نيويورك تايمز»