خليل رشاد
كاتب ومحلل سياسي مصري
TT

إحراق فرخنده بنار الجهل المقدس

لا يعد مثلث الجهل، والتحامل، والفساد، في أفغانستان أمرا جديدا، لكن ما حدث مؤخرا في كابل كان حقا مخزيا. بعد اتهام فرخنده، الشابة الأفغانية البالغة من العمر 27 عاما، بإحراق نسخة من القرآن، أخذت الحشود الغفيرة الغاضبة تضربها حتى الموت، ثم دهسوا جثتها بالسيارة، وأشعلوا فيها النيران قبل إلقائها في نهر كابل بالقرب من مسجد شاه دو شمشير في كابل يوم الخميس الموافق 19 من مارس (آذار) الحالي. مع ذلك في وقت لاحق تبين أن فرخنده كانت بريئة. إن سبب موتها هو تواطؤ عناصر فاسدين من الشرطة الصامتة مع الحشود القبيحة، ورجل الدين المتعصب.
منذ ما يزيد على خمسين عاما، تم طعن كيتي جينوفيس، وهي شابة تبلغ من العمر 29 عاما، حتى الموت على أيدي وينستون موسيلي بالقرب من منزلها في نيويورك في 13 مارس عام 1964، وما مثل صدمة كبيرة للأميركيين هو عدم إبداء عدد من الجيران أي رد فعل لما حدث، حيث اكتفوا بمشاهدة الجريمة من نوافذ منازلهم. وتم انتقاد تصوير الجيران بأنهم كانوا على علم بما يحدث، لكنهم لم يبدوا أي رد فعل، باعتباره تصويرا غير دقيق. مع ذلك أدى هذا التصوير إلى البحث في الظاهرة الاجتماعية النفسية التي أصبحت تعرف باسم «متلازمة جينوفيس». ونحن الآن إزاء «متلازمة فرخنده» في كابل. في رأيي أن ضرب فرخنده وقتلها ومن ثم إحراقها على أيدي الحشود هو أكثر الجرائم وحشية في تاريخنا الحديث. وآمل أنك لم تشاهد المقطع المصور، الذي يظهر به رجال أفغان يضربون ويقتلون ويحرقون فرخنده، وهم يصيحون «الله أكبر». لقد كانت البدائية هي جوهر ما قامت به تلك الحشود.
وتم اتهام فرخنده بإحراقها لنسخة من القرآن، وسرعان ما أمر رجل دين مجهول وجاهل بقتلها وإحراقها. وتم تنفيذ الأمر، مما أدى إلى وقوع كارثة مريعة أمام أنظار عدد كبير من الناس والشرطة. وماذا كانت الحقيقة؟ هل أحرقت فرخنده القرآن؟ إطلاقا، فطبقا لتقارير قوات الأمن والشرطة، كانت الرواية عارية عن الصحة. لقد كانت فرخنده تدرس الشريعة الإسلامية والفقه، وعندما شاهدت في مسجد شاه دو شمشير أن واحدا من رجال الدين يبيع بعض التمائم إلى الناس بوصفها علاجا للآلام، أو لجلب الحظ، وتغيير حياتهم إلى الأفضل، انتقدت فرخنده الرجل لأنه كان يخدع الناس. وفجأة ودون سابق إنذار أخبر ذلك الرجل المتعصب أحد خدام المسجد بأن فرخنده أحرقت القرآن؛ وكانت هذه بداية الكارثة. وتجمعت مجموعة من الناس، أو الحرافيش كما كان يطلق عليهم نجيب محفوظ. وكان هذا وقتا مناسبا لهم ليقوموا بدورهم.
عند النظر إلى خريطة العالم الإسلامي، سنجد أن هناك حادثة وحشية تقع كل أسبوع باسم الإسلام والله. وتقوم مجموعات مختلفة من الناس بتلك التصرفات الوحشية، حيث لا يقتصر الأمر على الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش. وأود القول إن الجذور تمتد إلى مستوى أعمق من «داعش»، فهذا التنظيم ليس سوى صورة من صور هذا النهج والفكر. وكان رد فعل الناس غريبا. وخرج المئات من المتظاهرين إلى الشوارع يوم الاثنين الموافق 23 مارس من أجل طلب القصاص لفرخنده؛ وتجمع مئات المتظاهرين، وأكثرهم من النساء، في المكان الذي تم فيه إحراق جثة فرخنده، وطالبوا الحكومة بالقبض على مرتكبي جريمة القتل الوحشية هذه. ومن أجل التعبير عن غضبهم، توجه المتظاهرون في مسيرة إلى بول إي باغ أومومي، وهم يحملون لافتات مكتوبا عليها «لقد تم إحراق فرخنده بنيران الجهل»، و«ندين قتل فرخنده».
وكان المتظاهرون يهتفون بشعارات ضد من تورط في قتل فرخنده، مؤكدين على ضرورة قيام الحكومة بالقبض على مرتكبي الجريمة لتقديمهم للعدالة ومحاكمتهم.
وكان الكثير من المتظاهرين يغطون وجوههم بأقنعة تمثل وجه فرخنده. وقالت واحدة من المشاركات في المظاهرة لمراسل الـ«بي بي سي» إنها الآن تخاف كل الرجال.
وأقرّ نور الحق علومي، وزير الداخلية، بفشل الشرطة في إنقاذ فرخنده، لكنه أكد أنهم لن يألوا جهدا لمنع تكرار هذا النوع من الحوادث في المستقبل. وصرح قائلا: «لقد أخفقنا في إنقاذ فرخنده، وكانت بريئة بالفعل. إنها لم تحرق أي نسخة من القرآن». وصرح جواد براك زهي، أحد المتظاهرين ويبدو في الأربعين من العمر، لصحيفة «أفغانستان تايمز»، بأن القتل بهذه الطريقة يجب أن يصنف عملا إرهابيا. وأكد أنه على الحكومة ألا تسمح للناس بأن يكونوا قضاة، ومشرعين، ومنفذين، لأن وظيفة الحكومة، لا المدنيين، هي معاقبة المذنب.
ونظمت النساء جنازة مميزة في كابل، ورفضن السماح لأي رجل بالمشاركة فيها. كذلك لم يسمحن لرجل دين غريب، كان يدعم قتل فرخنده، بالمشاركة فيها. وكان يوم الاثنين الموافق 23 مارس يوما مهما في أفغانستان. وربما يصبح اسم فرخنده وذكراها رمزا وراية للمعركة ضد الجهل المقدس. ونحن نشهد في كل ركن من أركان العالم الإسلامي حوادث وراءها مثل هذا الجهل المقدس. ولا يزال صوت يان هوس وهو يقول: «آه أيتها السذاجة المقدسة» حيا. عندما تختلط السذاجة المقدسة بالجهل، والعنف، تكون النتيجة حوادث من هذا النوع الذي شاهدناه في كابل، أو متحف «باردو»، أو مكتب صحيفة «تشارلي إيبدو». لهذا السبب ينصحنا القرآن بعد خلط الظلم بالإيمان، حيث جاء به «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم».