سام روغيفين
TT

هل وجدت أستراليا ضالتها في مبادرة «أوكوس»

لم تذكر الولايات المتحدة صراحة الصين في إعلانها عن شراكتها الأمنية التاريخية الجديدة مع أستراليا وبريطانيا الأسبوع الماضي، إلا أنها لم تكن مضطرة لذلك من الأساس. ويعد الاتفاق الدفاعي هذا تصعيداً واضحاً ومؤشراً يوحي بأن واشنطن تنظر إلى بكين باعتبارها خصماً.
أيضاً، يدفع هذا الاتفاق الجديد أستراليا إلى الاضطلاع بدور مركزي في التنافس المستعر بين الولايات المتحدة والصين. وبعد اتخاذها نهجاً دفاعياً أكثر اعتماداً على الذات خلال السنوات العديدة الماضية، تراهن الحكومة الأسترالية في الوقت الحاضر، بدلاً من ذلك، وعلى نحو كبير، على مستقبل تحالفها مع الولايات المتحدة في ظل الاتفاق الجديد. وعلى ما يبدو، تفترض أستراليا أن الولايات المتحدة ستظل منخرطة في آسيا على المدى الطويل وستكون مستعدة للدخول في مواجهة أمام الصين إذا لزم الأمر، إلا أنه لا ينبغي لها ذلك.
أما جوهر الشراكة الجديدة، التي حملت اسم «أوكوس»، فيدور حول اتفاق تتشارك بمقتضاه الولايات المتحدة وبريطانيا في التكنولوجيا الخاصة بهما بهدف معاونة أستراليا على نشر غواصات مزوّدة بالطاقة النووية. بيد أن هذا لا يعد - بأي حال - اتفاقاً عادياً يتعلق بالأسلحة، ولا يشبه مطلقاً الاتفاق على تصدير طائرات مقاتلة أو قاذفات، ذلك أن القليل فقط من دول العالم لديه غواصات تعمل بالطاقة النووية، وستكون أستراليا ثاني دولة فقط، بعد بريطانيا، تستفيد من التكنولوجيا الأميركية شديدة السرية بهذا المجال.
والآن، لماذا تستحق أستراليا مثل هذه المعاملة التفضيلية؟ لا يتعلق الأمر فقط بكونها واحدة من أقدم وأقرب حلفاء واشنطن، وإنما من وجهة نظر العديد من المراقبين الأميركيين لسلوك الصين العدواني المتزايد، فإن أستراليا تشكل مؤشراً مبكراً على احتمالات اشتعال التنافس مع الصين على مستوى القوى العظمى.
جدير بالذكر أن أستراليا تعرّضت لقمع اقتصادي من جانب الصين ضد صادراتها، مثل الشعير والفحم. كما تورط قراصنة صينيون في خرق لموقع البرلمان الأسترالي على الإنترنت عام 2019. وكشفت الوكالات الأمنية الأسترالية عن أنشطة تجسس واختراق واسعة النطاق. ولاقى المسؤولون الأستراليون معاملة فاترة من قبل نظرائهم الصينيين. وفي العام الماضي، أصدر دبلوماسي صيني قائمة بـ14 شكوى لبكين ضد أستراليا - وثيقة ظهرت في المداولات أثناء انعقاد قمة مجموعة الدول السبع في يونيو (حزيران).
وتعكس المظالم التي أعلنتها بكين، النهج الصارم الذي تبنته أستراليا ضد الصين، بدءاً من منع شركة الاتصالات الصينية العملاقة «هواوي» من المنافسة على مشروع بناء البنية التحتية لشبكات الجيل الخامس إلى إقرار تشريع واسع النطاق لكبح جماح التدخل الأجنبي في الشؤون السياسية والتخلي عن الاتفاقات المتعلقة بمبادرة «الحزام والطريق» المبرمة مع الصين. اللافت أن أستراليا زادت من إنفاقها الدفاعي على مدار السنوات الخمس الماضية، خاصة المشتريات البحرية. ومن شأن شراكة «أوكوس» نقل هذا التطور إلى مستوى جديد.
ومثلما الحال مع الولايات المتحدة، تابعت الحكومة الأسترالية بقلق متزايد التعزيز السريع وواسع النطاق للقدرات العسكرية الصينية، خاصة القوات البحرية.
جدير بالذكر أنه على امتداد معظم تاريخها، اعتمدت أستراليا على صديق أو حليف للمساعدة في تأمين منطقة المحيط الهادئ. وجاء التهديد الخطير الوحيد لوحدة أراضي أستراليا منذ الاستيطان الأوروبي قبل أكثر من 200 عام خلال الحرب العالمية الثانية. وإذا هيمنت القوة البحرية الصينية - وليس الأميركية - على الممرات المائية الآسيوية، فإن أستراليا ستواجه دونما شك مستقبلاً أكثر غموضاً.
وعليه، فإنه رغم أن مبادرة «أوكوس» جاءت بمثابة مفاجأة للكثيرين حول العالم، يبدو الدافع وراء انضمام الحكومة الأسترالية إليها واضحاً. وبعد أن كانت مثقلة بصفقة غواصات فرنسية متأخرة ومبالغ في تكلفتها، وجدت الحكومة الأسترالية فرصة لتعزيز قوتها البحرية من خلال الحصول على تكنولوجيا الغواصات الرائدة في العالم، بجانب توثيق التحالف مع الولايات المتحدة على نحو أكبر.
من جهته، وافق الفريق المعاون لبايدن على هذا الأمر لاستشعار قلق بالغ إزاء الصين. ومع هذا يبقى ثمة اختلاف بين الموقفين الأميركي والأسترالي، ذلك أن الولايات المتحدة تنخرط في أستراليا بمحض اختيارها، بينما لا تملك أستراليا مثل هذه الرفاهية. وتحمل اللفتة التي قدمتها واشنطن، ومثل هذا المستوى من الالتزام الأميركي عسكرياً وتكنولوجياً، أهمية بالغة. ومع ذلك، ليس هناك ضمان بأن واشنطن على استعداد للتورط في حرب جديدة على غرار الحرب الباردة مع الصين.
ورغم أن الولايات المتحدة تتمتع بمميزات توفرها لها الجغرافيا، وجيرانها الودودون، واقتصادها الضخم، وجيشها منقطع النظير، وترسانة أسلحة نووية تعينها على الحفاظ على أمنها، فإن الصين قوية هي الأخرى، وحجم اقتصادها وحده يجعلها واحدة من أقوى الخصوم الذين واجهتهم الولايات المتحدة منذ أكثر من قرن. لذلك، ستحتاج الولايات المتحدة إلى سبب وجيه للغاية لدخول مواجهة أمام قوة عظمى مثل الصين.
ولا ينبغي النظر إلى حقيقة أن الصين دولة استبدادية وتتنمر على جيرانها على أنه سبب كافٍ لذلك. ولا ينبغي كذلك اعتبار التهديدات ضد حلفاء الولايات المتحدة مثل أستراليا، سبباً كافياً، ولا حقيقة أن واشنطن سوف تتضاءل بطريقة ما إذا حققت الصين الهيمنة العالمية. وإنما الضروري أن تتوافر مؤشرات واضحة على أن الصين تشكّل تهديداً لمصالح الأمن الوطني الجوهرية للولايات المتحدة ولأراضيها ولأسلوب حياتها. وبالنظر إلى أن الصين لم تبلغ هذا المستوى بعد، فلا يوجد سبب عاجل يدفع الولايات المتحدة إلى تحمُّل مخاطر جسيمة لمنع صعودها إلى القيادة الإقليمية.
يجب أن يبقى هذا الشك في أذهان صانعي القرار الأستراليين، ويجب أن يكون في أذهان الأميركيين أيضاً. لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تلزم نفسها بصراع مع الصين في حين أن المخاطر أقل من وجودية؟ ومن دون إجابة واضحة عن هذا السؤال، يجب أن تفترض أستراليا أنها ستحتاج في النهاية إلى ضمان أمنها بالاعتماد على نفسها فقط.
* خدمة «نيويورك تايمز»