التخلص من شحوم البطن أولوية صحية

عقار لعلاج السكري ولخفض الوزن قد يساعد في ذلك

التخلص من شحوم البطن أولوية صحية
TT

التخلص من شحوم البطن أولوية صحية

التخلص من شحوم البطن أولوية صحية

قدّم باحثون من الولايات المتحدة نتائج ناجحة لدراسة إكلينيكية مقارنة، عن دور تلقي عقار شائع الاستخدام لخفض الوزن ولعلاج السكري، في إزالة تراكم النوعيات الضارة من الشحوم في الجسم، وخاصة بمنطقة البطن.

- شحوم حشوية ومنتبذة
أفاد الباحثون في خلفية الدراسة، بأن زيادة تراكم نوعية «الشحوم الحشوية» Visceral Fat و«الشحوم المُنتبذة» Ectopic Fat في البطن، تُعتبر من العوامل الرئيسية ذات التأثيرات القلبية السلبية في حالات السمنة. ووفق ما نُشر ضمن عدد الأول من سبتمبر (أيلول) الحالي من مجلة «لانسيت للسكري والغدد الصماء» The Lancet Diabetes & Endocrinology، شمل فريق الدراسة باحثين من جامعة تكساس والكليات الجامعية في كليفلاند. وقالوا «البالغون غير المُصابين بمرض السكري، ولكن لديهم إما سمنة Obesity أو زيادة وزن Overweight، هم معرضون لاحتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ولقد هدفنا إلى تقييم تلقي حُقن عقار ليراغلوتايد Liraglutide تحت الجلد بمقدار 3 ميلغرامات (ملغم) يومياً، على توزيع شحوم الجسم لديهم. وذلك مقارنة مع تلقي حُقن من عقار وهمي Placebo». وللتوضيح، يتم بشكل «غير طبيعي» تخزين الفائض من الشحوم في الجسم على هيئة «الشحوم الحشوية» فيما «حول» الأعضاء في تجويف البطن والصدر، مثل الكبد والبنكرياس والكلى والأمعاء والقلب. وكذلك على هيئة «الشحوم المُنتبذة» لتُخزن في الأنسجة «داخل» الأعضاء التي بالأصل لا يجب أن تتراكم فيها الدهون، مثل الكبد والعضلات والقلب والبنكرياس والكلى. وتعتبر زيادة تراكم «الشحوم الحشوية» و«الشحوم المُنتبذة» إحدى الآليات الرئيسية في تطور الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري، وكذلك الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

- عقار واعد
والفكرة في هذه الدراسة كانت بسيطة، وملخصها مبني على تسلسل المقدمات التالية:
> عقار ليراغلوتايد، أحد الأدوية الشائعة الاستخدام كحُقن لإنقاص الوزن. وهو في الوقت نفسه أحد أدوية علاج مرض السكري. ويتم تلقيه لعلاج السمنة مع ممارسة الرياضة البدنية وحمية غذائية منخفضة كالوري السعرات الحرارية.
> البالغون الذين يُعانون من السمنة أو زيادة الوزن، مع زيادة محيط البطن بالذات، هم أعلى عُرضة لارتفاع مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، نتيجة ارتفاع كميات الدهون المتراكمة في «الشحوم الحشوية» و«الشحوم المُنتبذة».
> إذا أمكن إعطاء دواء يعمل على خفض الوزن و«خفض» كميات هذه «الشحوم الحشوية» و«الشحوم المُنتبذة» المتراكمة (وفق نتيجة التقييم بتصوير الرنين المغنطيسي MRI)، فإن ذلك تطور «إيجابي» لخفض التأثيرات الضارة لتلك الشحوم بالذات على صحة القلب والأوعية الدموية.
وأوضح الدكتور باراغ جوشي، أستاذ مساعد في طب القلب الوقائي بالكليات الجامعية في كليفلاند والباحث الرئيسي في الدراسة، قائلاً ما مفاده «كان الاكتشاف الرئيسي هو انخفاض كبير في كمية الشحوم الحشوية والمُنتبذة لدى مرضى السمنة وزيادة الوزن غير المصابين بمرض السكري، عند تلقي هذا العقار، مقارنة بتلقي عقار وهمي».
وأضاف الباحثون ما ملخصه «بالمقارنة مع استخدام عقار وهمي، فإن اقتران تلقي عقار ليراغلوتايد بشكل يومي لمدة 40 أسبوعاً، مع التبني المتواصل لسلوكيات نمط الحياة الصحية (الحمية الغذائية والتمارين الرياضية)، أدى إلى تقليل كمية الشحوم الحشوية فيما حول أعضاء البطن بمقدار مرتين، وأيضاً الشحوم المُنتبذة في داخل الكبد بمقدار 6 مرات. وهو ما تم تأكيد حصوله بنتائج تصوير الرنين المغناطيسي لتقييم مكونات الدهون في مختلف مناطق الجسم».
وتحديداً، أظهرت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي لقياس كميات الشحوم حول وداخل أعضاء البطن، أن مُتلقيي عقار ليراغلوتايد قلّت لديهم الشحوم الحشوية بنسبة تصل إلى 11 في المائة، وقلّت كميات الشحوم المنتبذة داخل الكبد بنسبة وصلت إلى 33 في المائة.

- أنسجة شحمية
ووفق ما أظهرته النتائج المستخلصة من الدراسات الوبائية العالمية السابقة على مدى الثلاثين عاماً الماضية، تتبنى النظرة الطبية المتقدمة لموضوع الشحوم في الجسم النقاط الخمسة التالية:
> الأنسجة الشحمية في أرجاء الجسم تتوزع على هيئة: «شحوم تحت الجلد»، و«شحوم حشوية»، و«شحوم مُنتبذة».
> كتلة الأنسجة الشحمية في الجسم ككل، هي «عضو» ضمن منظومة الغدد الصماء في الجسم، ولا يعمل «العضو الشحمي» فقط كمخزن للطاقة على هيئة دهون، بل يقوم بعدد من الوظائف البيولوجية.
> ليست كل الشحوم المتراكمة في الجسم «متشابهة التأثير» في احتمالات رفع الإصابات بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري.
> ثمة اختلاف في مدى احتمالات الإصابة بأمراض القلب، فيما بين تأثير تراكم الشحوم في مناطق جذع الجسم (البطن والصدر والظهر) مقارنة مع تراكم الشحوم في الأرداف والأطراف السفلية.
> «الشحوم الحشوية» و«الشحوم المُنتبذة»، التي يتم قياسها إكلينيكياً بدقة بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي MRI، هي علامة خطر مستقلة لاحتمالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ومرض السكري والوفيات بسببهم.
والسبب هو أن الوظائف البيولوجية للأنسجة الشحمية المتوزعة في الجسم، تختلف حسب أماكن تراكمها في أجزاء الجسم المختلفة. وهذا الاختلاف الوظيفي هو نتيجة لاختلاف «الخصائص التشريحية» لمكونات شحوم المناطق المختلفة بالجسم، من نواحي نوعية الخلايا الدهنية والمكونات الأخرى للنسيج الشحمي. وعليه، فإن الاعتماد فقط على مقدار عدد كيلوغرامات الجسم، أو «مؤشر كتلة الجسم» BMI، لا يأخذ في الاعتبار كيفية توزيع الشحوم في أجزاء الجسم. ولذا؛ أفادت دراسات طبية عدة بأن زيادة «محيط الخصر» Waist Circumflex هي عامل خطورة للإصابة بأمراض القلب، حتى لو كان مؤشر كتلة الجسم ومقدار وزن الجسم ضمن المعدلات الطبيعية.
وفي نتائج إحدى الدراسات السابقة لباحثين من كلية ألبرت آينشتاين للطب بولاية نيويورك (نشرت في سبتمبر 2019 من مجلة القلب الأوروبية)، قال الباحثون «إن نوعية الوظائف البيولوجية للأنسجة الدهنية تعتمد على الموقع الذي تتراكم فيه تلك الشحوم، حيث تُظهر الشحوم في الجزء العلوي من الجسم والشحوم في الجزء السفلي من الجسم، آثاراً معاكسة (أي ضارة مقابل مفيدة). وهناك اليوم أدلة علمية متزايدة على أن زيادة كتلة دهون جذع الجسم (البطن والصدر والظهر) تتسبب في اضطراب عمليات التمثيل الغذائي، مثل ارتفاع مقاومة أنسجة الجسم لمفعول هرمون الأنسولين Insulin Resistance. وكلما زادت، تلك الدهون، زاد خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وبالمقابل، فإن زيادة الدهون في الأرداف والفخذ والساق يترافق مع انخفاض خطر الاضطرابات عمليات التمثيل الغذائي الأيضية Metabolic Disturbances، وانخفاض خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. وتؤكد هذه الأدلة العلمية على أهمية تبعات اختلاف توزيع دهون الجسم في تطور الإصابات بأمراض القلب».

- 3 أنواع من الشحوم في منطقة البطن
هناك ثلاث مناطق تتراكم فيها الشحوم في منطقة البطن، وكل منها لها تأثيرات سلبية مختلفة. وهي:
> الشحوم البيضاء التي تتراكم تحت جلد جدار البطن.
> الشحوم الحشوية التي تتراكم فيما بين الأعضاء داخل تجويف البطن.
> الشحوم المُنتبذة التي تتراكم داخل أعضاء البطن، كالكبد والبنكرياس والكلى والعضلات، وكذلك القلب في الصدر.
وكتلة الشحوم التي تحت الجلد في جدار البطن، ليست مرتبطة بشكل «قوي» بزيادة مخاطر الإصابة بالأمراض، كما هو الحال مع الشحوم الحشوية والمُنتبذة في داخل تجويف البطن. والسبب هو أن «الشحوم الحشوية» أكثر نشاطاً في العمليات الكيميائية الحيوية السلبية للتمثيل الغذائي؛ لأنها تحتوي على خلايا وأوعية دموية وأعصاب أكثر من الشحوم البيضاء الموجودة تحت الجلد. وبالتالي قادرة على إنتاج هرمونات وبروتينات التهابية ومواد كيميائية أخرى، والتي تضر بصحة المرء عن طريق زيادة مقاومة الأنسولين (الذي ينظم مستويات السكر في الدم)، وتنشيط عمليات الالتهابات. ما يزيد من خطر الإصابة بالأمراض، وخاصة: أمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض السكري من النوع الثاني، وارتفاع ضغط الدم، واضطرابات الكوليسترول، وانقطاع التنفس أثناء النوم، وغيره.
و«الشحوم المُنتبذة» تمثل اليوم «همّاً صحياً» آخر. وعلى اسمها، تعني حرفياً Ectopic أنها تتواجد «في مكان غير طبيعي»، أي داخل خلايا أنسجة الأعضاء غير الدهنية بالأصل، والتي لا تحتوي في الحالات الطبيعية على تلك الكميات من الدهون، مثل أعضاء الكبد والقلب والبنكرياس والكلى والعضلات. وتواجدها غير الطبيعي هذا داخل هذه الأعضاء غير الدهنية بالأصل، له تأثيرات «موضعية» سلبية في داخل العضو التي تتواجد فيه، وتأثيرات «عامة» سلبية على الجسم كله.
ومن ناحية التأثيرات «العامة»، فإن الشحوم المُنتبذة هي تماماً مثل الشحوم الحشوية، ويمكن لها أن تتداخل مع الوظائف الخلوية والتمثيل الغذائي وتزيد من مخاطر حدوث مشكلات صحية مزمنة، مثل مرض السكري، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية.
ومن ناحية التأثيرات «الموضعية»، فإن من أوضح الأمثلة، والتي تمت دراستها بشكل أوسع من غيرها، تراكم الشحوم في خلايا الكبد، أو ما يُعرف بـ«الكبد الدهني” Fatty Liver، وتسببها بارتفاع احتمالات التهاب الكبد الدهني Steatohepatitis، وصولاً إلى حالة تليّف الكبد Liver Fibrosis ونمو ندبات ليفية داخل الكبد Liver Scarring.

- عقار {ليراغلوتايد}... كيف ومتى يُستخدم لإنقاص الوزن؟
عقار ليراغلوتايد Liraglutide هو أحد الأدوية المُستخدمة طبياً لإنقاص الوزن، وهو بالأصل نوع من أدوية علاج مرض السكري. وهذا العقار يتوفر على هيئة دواء فيكتوزا Victosa ودواء ساكسندا Saxenda. وكلاهما يحتوي على عقار ليراغلوتايد، ولكن لكل منهما استخدامات محددة.
ويُستخدم دواء فيكتوزا لعلاج مرض السكري من النوع الثاني لدى البالغين (وليس لخفض الوزن)، لتحسين السيطرة على نسبة السكر في الدم، وأيضا لتقليل مخاطر الأحداث القلبية العكسية (جلطة النوبة القلبية أو السكتة الدماغية).
أما دواء ساكسندا فيُستخدم في علاج حالات السمنة وزيادة الوزن (وليس لمعالجة مرض السكري)، كمُكمّل للحمية الغذائية وممارسة النشاط البدني.
وللبالغين، تمت الموافقة على ساكسندا من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA منذ ديسمبر (كانون الأول) 2014 لمعالجة ارتفاع الوزن المزمن في حالات الأشخاص الذين:
- لديهم سمنة Obesity، (مؤشر كتلة الجسم BMI لديهم 30 كلغم - متر مربع أو أعلى).
- لديهم زيادة الوزن Overweight (مؤشر كتلة الجسم لديهم 27 كلغم-متر مربع أو أكثر) ولديهم في الوقت نفسه أحد الأمراض المزمنة (ارتفاع ضغط الدم، اضطرابات الدهون والكولسترول، مرض السكري).
وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية على استخدام دواء ساكسندا للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 عاماً وما فوق، والذين يعانون من السمنة المفرطة، والذين لديهم مؤشر كتلة الجسم 30 كلغم - متر مربع أو أعلى، ويزيد وزنهم على 60 كلغم.
ويتم تحت «الإشراف الطبي» تقييم الحالة الصحية العامة للشخص الذي تنطبق عليه الشروط الطبية لتلقي علاج ساكسندا، التي ذكرتها إدارة الغذاء والدواء الأميركية في موافقتها.
وعلى سبيل المثال، فإن شخصاً بالغاً بطول 175 سنتيمتراً ووزن 93 كيلوغراماً، يُمكن له تلقي هذا الدواء «من حيث المبدأ»، كوسيلة علاجية للسمنة لديه، لأن مؤشر كتلة الجسم عنده هو 30.4، وعليه مراجعة الطبيب، الذي سيُجري التقييم الطبي لمدى ملائمة تلقيه هذا العلاج.
ويشمل التقييم: مدى تلقي أي من مشتقات الأنسولين لعلاج السكري إن وُجد لدى الشخص مرض السكري، وحالة وظائف الكلى، وحالة وظائف الكبد. إضافة إلى مراجعة أي أدوية يتلقاها الشخص أو أي حالات مرضية مزمنة لديه. وإذا كانت الحالة الصحية ملائمة، يتم بالإشراف الطبي ومع الالتزام الدقيق بالحمية الغذائية وبممارسة الرياضة اليومية، يتم تلقي حُقن دواء ساكسندا بطريقة متدرجة، أي زيادة كمية الجرعة، ومتابعة التأثيرات، وصولاً إلى الجرعة المطلوب الاستمرار عليها. والمهم هو المتابعة المستمرة تحت الإشراف الطبي طوال فترة تلقي هذا العلاج وإجراء الفحوص التي يطلبها الطبيب.


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور
TT

22 عالماً وباحثاً يحصدون جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي «الثالثة»

جانب من الحضور
جانب من الحضور

تُختتم في العاصمة الإماراتية، أبوظبي، مساء الخميس 12 ديسمبر (كانون الأول)، أعمال مؤتمر جائزة الشيخ زايد العالمية بعنوان «المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي ودوره في مستقبل الرعاية الصحية»، بالإعلان عن الفائزين بالجائزة في دورتها الثالثة، وذلك بعد 3 أيام حافلة بالمناقشات العلمية العميقة وعروض الدراسات المبتكرة، التي تركزت جميعها على دور الطب التقليدي والتكميلي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة والمستدامة.

جائزة الشيخ زايد العالمية

في حفل بهيج ومتميز وبمشاركة نخبة من العلماء والباحثين والخبراء من مختلف أنحاء العالم، تم توزيع جائزة الشيخ زايد العالمية للطب التقليدي والتكميلي (TCAM)، التي جاءت كإشادة بالجهود العالمية المتميزة في هذا المجال، مسلطة الضوء على إنجازات الأفراد والمؤسسات التي ساهمت في تطوير الطب التقليدي والتكميلي ودمجه مع الممارسات الصحية الحديثة.

تُعد هذه الجائزة منصة عالمية تهدف إلى تعزيز أهمية الطب التقليدي والتكميلي ودوره المستقبلي في النظم الصحية. تم توزيع الجوائز على الفائزين في 5 فئات رئيسية، وهي:

- الباحثون: تكريم للأبحاث التي أحدثت فرقاً ملموساً في تطوير العلاجات التقليدية والتكميلية.

- الأكاديميون: الذين ساهموا في تعليم وتطوير الطب التقليدي والتكميلي عبر برامج تدريبية مبتكرة.

- الممارسون المرخصون: تقديراً لجهودهم في تقديم رعاية طبية آمنة وفعّالة.

- الشركات المصنعة: التي ساهمت في تطوير منتجات عشبية ومكملات غذائية مستدامة وآمنة.

- الهيئات الإعلامية: التي ساهمت في نشر الوعي الصحي بأسلوب فعال ملهم ومؤثر.

أكدت الجائزة على أهمية الابتكار والبحث العلمي في تعزيز التكامل بين الطب التقليدي والحديث، مما يعكس رؤية القيادة في تحقيق مستقبل صحي أكثر استدامة.

جانب من الحضور

أبرز الدراسات في المؤتمر

في إطار التطور العالمي المتسارع في الطب التقليدي والتكميلي، تبرز الدراسات العلمية كأداة رئيسية لفهم أثر هذا المجال في تحسين الرعاية الصحية. يعكس هذا الاهتمام الدولي أهمية الطب التقليدي والتكميلي كجزء من النظم الصحية المتكاملة.

فيما يلي، نستعرض مجموعة من الدراسات العلمية المتنوعة التي نوقشت في المؤتمر والتي تقدم رؤى عميقة حول التطبيقات السريرية والفوائد الصحية للطب التقليدي والتكميلي:

* تقنية النانو في تحسين الأدوية الطبيعية. استعرض الأستاذ الدكتور شاكر موسى، وهو زميل الكلية الأميركية لأمراض القلب والكيمياء الحيوية وزميل الأكاديمية الوطنية للمخترعين، في دراسته التي قدمها في المؤتمر، الدور الرائد لتقنية النانو في تحسين فاعلية الأدوية الطبيعية وتطوير المستحضرات الصيدلانية. أوضح أن خصائص تقنية النانو في الطب تتمثل في تصميم جزيئات دقيقة جداً (تتراوح بين 1-100 نانومتر)، مما يمنحها خصائص فريدة، مثل:

- القدرة على استهداف المناطق المصابة بدقة: بفضل صغر حجم الجسيمات النانوية، يمكنها التغلغل بسهولة في الخلايا والأوعية الدقيقة.

- التفاعل الحيوي العالي: تمتاز الجسيمات النانوية بقدرتها على تحسين امتصاص الأدوية الطبيعية في الجسم، مما يزيد من فاعليتها.

- التخصيص الدقيق: تتيح هذه التقنية تصميم مستحضرات طبية يمكنها التفاعل مع مستقبلات محددة على سطح الخلايا المريضة فقط.

أوضح الدكتور موسى كيف يمكن لتقنية النانو تعزيز كفاءة الأدوية الطبيعية من خلال:

- زيادة الامتصاص الحيوي: تعمل الجسيمات النانوية على تحسين امتصاص المركبات الطبيعية مثل الكركمين والبوليفينول، والتي عادةً ما يتم امتصاصها بصعوبة في الجهاز الهضمي.

- تقليل الجرعات العلاجية: من خلال إيصال الدواء مباشرة إلى الأنسجة المستهدفة، يمكن تقليل الجرعات المستخدمة، وبالتالي تقليل السمية والآثار الجانبية.

- تعزيز فاعلية الأدوية المضادة للأمراض المزمنة: أظهرت الدراسة أن تقنية النانو قادرة على تحسين العلاجات الطبيعية المستخدمة لمكافحة السرطان وأمراض القلب، مما يتيح تأثيراً أكبر بجرعات أقل.

وأشارت الدراسة إلى أن أحد أهم فوائد تقنية النانو، الحد من الأضرار التي تلحق بالخلايا السليمة أثناء العلاج. على سبيل المثال:

- في العلاج الكيميائي التقليدي، يعاني المرضى عادة من تأثير الأدوية على الخلايا السليمة.

- باستخدام تقنية النانو، يمكن تصميم جزيئات تستهدف فقط الخلايا السرطانية، مما يقلل من الآثار الجانبية ويزيد من راحة المرضى.

واختتم الدكتور موسى محاضرته بتوصيات هامة:

- زيادة الاستثمار: دعا إلى تعزيز الاستثمار في أبحاث تقنية النانو وتطوير مختبرات متخصصة.

- التعاون الدولي: أشار إلى أهمية تعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز الأبحاث لتسريع تطوير العلاجات الطبيعية المعتمدة على تقنية النانو.

- التنظيم والتشريعات: شدد على ضرورة وضع لوائح تنظيمية واضحة لضمان سلامة وفاعلية الأدوية المعتمدة على تقنية النانو.

علاج الغرغرينا السكرية بالأعشاب

* علاج الغرغرينا السكرية بالأدوية العشبية وباستخدام العلق الطبي. استعرض البروفيسور س. م. عارف زيدي تجربة سريرية مبتكرة لعلاج الغرغرينا السكرية، وهي حالة شائعة لدى مرضى السكري تتطلب في كثير من الأحيان بتر الأطراف. ركزت الدراسة على استخدام مستخلصات عشبية مثل النيم، المعروفة بخصائصها المضادة للميكروبات، مع العلاج بالعلق الطبي، وهو أسلوب يستخدم العلق لتحسين الدورة الدموية بفضل اللعاب الخاص الذي يحتوي على مضادات تخثر وإنزيمات تساعد في تنظيف الجروح وتحفيز الشفاء. أظهرت النتائج شفاءً كاملاً لمريضة خلال 3 أشهر، مع تحسن ملحوظ في الحالة الصحية العامة وتقليل الألم والالتهابات. وخلصت الدراسة إلى أن هذا النهج يمكن أن يكون بديلاً فعالاً للعمليات الجراحية، ويوفر حلاً منخفض التكلفة مقارنة بالإجراءات التقليدية.

الرياضة والتدليك

* تمارين رياضية لتقوية عضلات قاع الحوض لعلاج سلس البول. استعرضت الدكتورة عائشة بروين فاعلية تمارين تقوية عضلات قاع الحوض كعلاج طبيعي لسلس البول لدى النساء. ركزت الدراسة على مجموعة من التمارين المستهدفة التي تهدف إلى تحسين مرونة وقوة العضلات الداعمة للمثانة. أظهرت الدراسة أن النساء اللواتي التزمن بالتمارين سجلن تحسناً ملحوظاً في تقليل تسرُّب البول وتحسين جودة حياتهن. كما أكدت أن هذه التمارين تعد خياراً آمناً وغير جراحي، يناسب النساء من مختلف الأعمار. وأوصت الدراسة بتطوير برامج تدريبية على مستوى المراكز الصحية لتوعية النساء بفاعلية هذه التمارين، مع توفير الإرشادات اللازمة لضمان تطبيقها بطريقة صحيحة.

* تقنيات العلاج التدبيري للاضطرابات العضلية الهيكلية. قدم الدكتور محمد أنور دراسة حول استخدام الحجامة والتدليك في علاج الاضطرابات العضلية الهيكلية، مثل التهاب المفاصل وآلام أسفل الظهر. تضمنت الدراسة تحليلاً لنتائج المرضى الذين تلقوا العلاج بالحجامة والتدليك إلى جانب العلاج الطبيعي الحديث. أظهرت النتائج انخفاضاً كبيراً في مستويات الألم وتحسناً في حركة المفاصل، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الأدوية المسكنة التي قد تسبب آثاراً جانبية طويلة الأمد. وأوصى الدكتور أنور بدمج هذه العلاجات التقليدية مع الأساليب الحديثة، مشيراً إلى أن مثل هذا التكامل يمكن أن يحقق فوائد علاجية أكبر ويعزز من راحة المرضى ويقلل من تكلفة الرعاية الصحية.

العجوة غذاء ودواء

* القيمة الغذائية والدوائية لتمر العجوة. قدمت الأستاذة الدكتورة سعاد خليل الجاعوني دراسة متعمقة حول الخصائص الغذائية والطبية لتمر العجوة، أحد أبرز أنواع التمور في العالم الإسلامي. ركزت الدراسة على التحليل الكيميائي لمكونات العجوة التي تشمل نسباً عالية من الفيتامينات مثل B1 وB2، والمعادن كالبوتاسيوم والمغنسيوم، والألياف الغذائية التي تعزز صحة الجهاز الهضمي. أوضحت الدكتورة سعاد الجاعوني أن تمر العجوة يحتوي على مضادات أكسدة قوية مثل البوليفينولات، التي تعمل على مكافحة الجذور الحرة، مما يحمي الخلايا من التلف ويقلل من الالتهابات المرتبطة بالأمراض المزمنة مثل السكري وأمراض القلب. كما سلطت الدراسة الضوء على فاعلية العجوة في تعزيز صحة الكبد؛ حيث أظهرت التجارب المخبرية أن مستخلصات التمر تعمل على تخفيف التهابات الكبد وتقليل تراكم الدهون عليه. وأوصت باستخدام تمر العجوة في الصناعات الغذائية والدوائية لتطوير مكملات غذائية ومستحضرات علاجية طبيعية تهدف إلى تعزيز المناعة وتحسين الصحة العامة.

* دمج المعرفة التقليدية مع الممارسات الحديثة. قدمت الدكتورة آمي ستيل نموذجاً مبتكراً لدمج المعرفة التقليدية مع الطب الحديث. ركزت على تطوير إطار عمل يعتمد على استخدام النصوص والممارسات التقليدية كأساس لتصميم بروتوكولات علاجية حديثة. أظهرت الدراسة أن تكامل الطب التقليدي مع الطب الحديث يمكن أن يعزز فاعلية العلاجات ويقلل من الآثار الجانبية، مع التركيز على أهمية التوثيق العلمي للمعرفة التقليدية لتصبح مقبولةً في الأوساط الطبية العالمية. وأوصت الباحثة بتشجيع التعاون بين ممارسي الطب التقليدي والحديث، وإطلاق مشاريع بحثية مشتركة لاستكشاف الفوائد العلاجية لممارسات الطب التقليدي.

* مخاطر الغش في المنتجات العشبية. حذّر الأستاذ الدكتور محمد كامل من المخاطر الصحية الناجمة عن الغش في المنتجات العشبية؛ حيث يتم أحياناً إضافة مركبات دوائية غير معلن عنها مثل السيلدينافيل، المستخدم في علاج ضعف الانتصاب، والفلوكستين، المستخدم كمضاد للاكتئاب، إلى بعض المنتجات العشبية. سلطت الدراسة الضوء على الآثار الجانبية الخطيرة لهذه الإضافات، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطرابات الجهاز العصبي، خاصة عند تناولها دون وصفة طبية. وأوصى الدكتور كامل بضرورة تعزيز آليات الرقابة على المنتجات العشبية، وإلزام الشركات المصنعة بالإفصاح الكامل عن جميع المكونات لضمان سلامة المستهلكين، مع زيادة الوعي بين الأفراد حول شراء المنتجات من مصادر موثوقة.

تحديات وفرص الطب التقليدي والتكميلي

رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها الطب التقليدي والتكميلي، يواجه هذا المجال تحديات كبيرة، مثل:

نقص الأدلة السريرية: الحاجة إلى مزيد من الأبحاث لتوثيق الفوائد والآثار الجانبية.

التشريعات الموحدة: لضمان سلامة وجودة المنتجات العشبية.

التكامل مع الطب الحديث: تعزيز التعاون بين الممارسين والعلماء من مختلف الأنظمة الطبية.

واختتم المؤتمر الدولي للطب التقليدي والتكميلي أعماله بعد رحلة علمية مميزة أثرت النقاشات العالمية حول هذا المجال الواعد. من خلال الأبحاث والعروض التقديمية. وتم تسليط الضوء على الإمكانيات الكبيرة للطب التقليدي في تعزيز الرعاية الصحية الشاملة.

تُبرز هذه الفعالية أهمية تعزيز التعاون الدولي وتطوير التشريعات والبحوث لضمان استفادة البشرية من هذا التراث الطبي الغني، مما يمهد الطريق لمستقبل صحي أكثر استدامة.