جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

نجاحات الجيش الأميركي في أفغانستان

رغم الأخطاء، أحرز القادة على أرض الواقع تقدماً في محو الأمية، والتعاون العسكري، وأهداف أخرى.
وسط الغضب وتوجيه أصابع الاتهام مع نهاية المهمة العسكرية الأميركية في أفغانستان التي استغرقت 20 عاماً، من السهل الاستنتاج بأن كل ذلك كان فشلاً من البداية للنهاية. وبينما أوافق بدرجة كبيرة على فشل الجهود بشكل عام - بسبب الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في تدريب الجيش الأفغاني، وأداء «طالبان» البارع في النهاية، ودعم باكستان لطالبان، وإخفاقات القيادة الأفغانية - إلا أن هناك نتائج إيجابية تستحق الذكر.
من الواضح أننا منعنا طوال 20 سنة هجوماً مدمراً آخر على الولايات المتحدة من براري أفغانستان المفتقدة للسيطرة. وبعد مطاردة دامت 10 سنوات، قتلنا أسامة بن لادن. ولكن كانت هناك أيضاً نجاحات أخرى أكثر براعة، أهمها هي القراءة والكتابة. عندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان، لم يكن أغلب السكان يعرفون القراءة، خاصةً الفتيات والنساء اللواتي حرمن من فوائد التعليم حتى في المدارس الابتدائية. وقد ناضل حلف الناتو في تدريب الجيش الأفغاني لأن الجنود لم يستطيعوا قراءة كتيبات الصيانة، أو فهم مفاتيح الخرائط، أو التواصل كتابياً على شبكات القيادة والسيطرة. في عام 2009، بصفتي القائد الأعلى لقوات الحلف، وجدت نفسي أتذمر كثيراً في جلسات التخطيط حول الصعوبة التي فرضتها الأمية على أعمالنا هناك.
وفي أحد الاجتماعات، فقد السفير ريتشارد هولبروك، المبعوث الرئاسي آنذاك لكل من أفغانستان وباكستان، صبره من شكواي، وقال: «أيها الأدميرال، هلا توقفت عن الشكوى، وتعلمهم القراءة».
وهذا ما فعلناه. وأصبح برنامج محو الأمية الأساسي الذي أنشأناه، الذي يعمل مع مختلف المنظمات الإنسانية، هو الأساس لمهمة حلف الناتو التدريبية. كما كانت المنظمات غير الحكومية تقوم بتدريس القراءة تحت حمايتنا في القرى والبلدات والمحافظات بجميع أنحاء البلاد. وفي نهاية المطاف، قمنا بتعليم مئات الآلاف من المجندين الأفغان أساسيات القراءة، وساهمت جهودنا في تحقيق تحسن كبير في محو الأمية في البلاد. وقد يكون هذا هو الشيء الأكثر دواماً الذي فعلناه لمساعدة أفغانستان.
كما ساعد الجيش الأميركي على تعزيز حقوق الفتيات والنساء. وأتيحت خدمات التعليم والرعاية الطبية والقدرة على العمل خارج المنزل، وغيرها من الفرص، لأجيال عديدة من الأفغانيات، مما أدى لتحولات جوهرية في الثقافة الأفغانية، لا سيما في المراكز السكانية الأكبر. فهل ستنجو هذه التغييرات من عودة طالبان؟ لم يدرك العالم بعد التوجهات السياسية الحقيقية للنسخة الجديدة من طالبان. لكني أراهن على وجود تحسينات على الأقل بالمقارنة بعام 2001. وإذا كان زعماء طالبان اليوم جادين في دخول النظام الدولي، والوصول للشبكات المالية العالمية، وحيازة الاعتراف الدبلوماسي من أغلب البلدان، فسوف يتعين عليهم إظهار بعض التقدم في ذلك المجال الرئيسي.
النجاح الثالث في أفغانستان هو تعلم الجيش الأفغاني تجاوز الإحباط الناجم عن حرب التحالف والعمل بالتعاون اللازم مع البلدان الأخرى. في الوقت الذي كنت أقود فيه عمليات الناتو في أفغانستان، كان هناك أكثر من 50 دولة لديها قوات على الأرض، تتراوح أعدادها بين الوجود الأميركي الهائل إلى مفرزة محدودة من لوكسمبورغ الصغيرة. وقاتلت قوات من أميركا الوسطى ومنغوليا ونيوزيلندا بشجاعة وبصورة جيدة.
كان الموقف أبعد ما يكون عن الكمال، وبادر العديد من البلدان لتقييد الكيفية التي يستطيع بها حلف الناتو استخدام قواته. لكن أغلب الجيوش كانت تشارك في عمليات قتالية حقيقية، وقاتل جنودها وماتوا إلى جانب جنودنا. بعض البلدان كانت لديها وفيات قتالية للفرد الواحد أكثر من الولايات المتحدة. ومن بين 2000 خطاب تعزية وقعتها على مدى أربع سنوات لأسر جنود قوات حلف الناتو الذين سقطوا في العمليات، ذهب نحو 700 منها إلى رجال ونساء غير أميركيين. وكانت للعمليات الخاصة وحدها جهود متعددة الجنسيات، وكذلك جمع المعلومات الاستخبارية. إنَّ الدروس المستفادة من أفغانستان حول عمليات التحالف ستكون جزءاً من العقيدة العسكرية الأميركية لعقود مقبلة.
وبالمقارنة مع كل أخطاء الولايات المتحدة، ربما توفر هذه الإنجازات درجة طفيفة من الارتياح. وبالنظر إلى الوراء، من الواضح أننا بنينا النوع الخاطئ من الجيش الأفغاني، وقللنا من شأن طالبان، وبالغنا في تقدير الزعامة الأفغانية. لقد تجاوزنا الهدف في محاولة بناء دولة أفغانية جديدة، وفشلنا في منع الملاذات عبر الحدود لأعداء هذه الجهود، ونظمنا خروجاً نهائياً فوضوياً ومهيناً. ورغم ذلك، تعلم الجيش الأميركي بعض الأمور التي سوف تعده لمواجهة الأزمة الخارجية المقبلة.