جيمس ستارفيديس
TT

أفغانستان... سكك حديدية تحت الأرض

الآن، بعد أن جرى وقف عمليات الإجلاء الجوي الأميركية، بسبب تفجيرات ومواعيد نهائية محددة سلفاً، فإننا بذلك نخلف وراءنا ما يتراوح بين نحو 100000 و300000 أفغاني. ويتنوع هؤلاء الأفغان بين من عملوا على نحو مباشر مع الولايات المتحدة وقوات حلف «الناتو» وأعضاء في الحكومة الأفغانية السابقة ومعلمين بمدارس للفتيات وصحافيين مناهضين لـ«طالبان» على نحو واضح. من ناحيته، صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأن «طالبان» تعهدت بالسماح للناس بمغادرة البلاد، رغم أن ثمة شكوكاً تحيط بالتزام الجماعة بهذا. جدير بالذكر هنا أنه خلال الأيام العشرة الماضية، جرى منع غير الأميركيين من دخول مطار كابول الدولي.
والسؤال الآن؛ ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله لمساعدة مئات الآلاف من الأفغان الذين تقطعت بهم السبل؟ ربما ينبغي علينا التفكير في إنشاء «خط سكة حديد تحت الأرض» جديد لتوفير مسار للهروب.
كانت السكك الحديدية الأميركية تحت الأرض الأصلية، التي جرى الاحتفاء بها بحق في الأدب والتاريخ، في حقيقة الأمر عبارة عن شبكة معقدة من الطرق التي وفرت طريقاً باتجاه الشمال أمام الأرقاء الفارين من الجنوب الأميركي نحو الحرية. وظلت هذه السكك الحديدية قائمة لمدة نصف قرن على الأقل، من أوائل القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب الأهلية، ووفرت الحرية لأكثر من 100000 من الأرقاء السابقين، في وقت كان عدد سكان البلاد بأكملها 23 مليوناً فقط.
وعلى ما يبدو، سيكون إنشاء خط سكة حديد أفغانية تحت الأرض أسهل من بعض النواحي، لأن لدينا اليوم سبلاً أفضل بكثير للاتصال من نقطة إلى نقطة. كما أن كثيراً من المنظمات على اتصال بالفعل مع الهاربين الأفغان المحتملين عبر الهاتف المحمول والبريد الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي. في المقابل، تفتقر «طالبان»، في الوقت الحاضر، إلى الوسائل المتطورة اللازمة لتتبع كل هذه الاتصالات. وعليه، يجب أن تكون الولايات المتحدة قادرة على بناء قاعدة بيانات آمنة بسرعة للأشخاص الذين جرى إجلاؤهم.
أيضاً، خلال الأشهر القليلة المقبلة على الأقل، سيكون هناك ارتباك كبير على الأرض داخل أفغانستان. من جانبي، سبق أن زرت كل جزء من البلاد، التي تعادل حجم ولاية تكساس تقريباً، ورأيت أنه بخلاف المراكز السكانية القليلة، فإنها تتسم بطابع شديد اللامركزية.
والملاحظ أن هناك أجزاء من البلاد، بما في ذلك وادي بانجشير في الجزء الشمالي الأوسط من البلاد، ليست خاضعة لسيطرة «طالبان» بشكل صارم. ويمكن للحكومة الأميركية، تحديداً الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) تطوير شبكة للسفر إلى الحدود. ومثلما كان الحال مع خط السكك الحديدية تحت الأرض الذي أقيم في القرن التاسع عشر، سيشمل «محطات» أو منازل آمنة على طول الطريق، مع «عناصر اتصال» يجري تجنيدها من العناصر المناهضة لـ«طالبان».
ونظراً للارتباك القائم على الحدود، قد يتمكن الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم من العبور باستخدام هوياتهم وأوراقهم الحالية. وإذا لم يتمكنوا من ذلك، يمكن للحكومة الأميركية توفير «وثائق بديلة»، مثلما حدث في القرن التاسع عشر عندما جرى توفير أوراق الحرية المزورة للأرقاء. بجانب ذلك، يمكن للأشخاص الذين جرى إجلاؤهم أن ينضموا إلى تيار الأفغان المشردين داخلياً المتجهين إلى مخيمات اللاجئين في باكستان. وبمجرد الخروج من حدود أفغانستان، يمكن للقوات الأميركية أن تلتقطهم.
علاوة على ذلك، بإمكان الولايات المتحدة المعاونة في تعقب الأشخاص الذين جرى إجلاؤهم وتوجيههم، حتى توفير غطاء عسكري لهم. وسيستفيد خط سكة حديد تحت الأرض في أفغانستان، أي شبكة الطرق والبيوت الآمنة السرية، من الحساسية التي يشعر بها العامة تجاه «طالبان». اليوم، ما يزال معظم الأفغان يتذكرون بوضوح الأيام التي سبقت غزو الولايات المتحدة لبلادهم، عندما نفذت «طالبان» عمليات إعدام في ملاعب كرة القدم ولم تسمح للفتيات بالتعليم. وخلصت دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة آسيا العريقة عن الشعب الأفغاني منذ فترة طويلة أن أقل من 10 في المائة عن السكان يؤيدون عودة «طالبان». وما لم تتغير «طالبان» عن حق، من المحتمل أن يستمر العداء ضدها. ويمكن أن يساعد هذا الشعور، إلى جانب تقاليد الضيافة البشتونية، شبكة سرية من الطرق والبيوت الآمنة سرية داخل أفغانستان على النجاح.
أما الدرس الأخير من السكك الحديدية الأميركية تحت الأرض في القرن التاسع عشر، فيدور حول فكرة أنه ينبغي أن نضع في اعتبارنا أن الجهد المبذول في هذا الإطار سيكون صعباً ومحفوفاً بالمخاطر وخيبات الأمل والإخفاقات، لكن التخطيط يمكن أن يخفف من حدة هذه المخاطر. ورغم هذه المخاطر، تظل حقيقة أن كل أفغاني يمكن إنقاذه مهم.
في الواقع، كان من الأفضل أن تبدأ هذه العملية منذ 6 أو 12 شهراً، أو أن ظلت القوات الأميركية والمتحالفة معها مسيطرة على مطار كابول لفترة أطول، أو احتفظت بقاعدة جوية بديلة أو اثنتين. إلا أنه للأسف ضاعت هذه الفرص. وعلينا أن نلعب الكرة من مكانها الحالي داخل أرض الملعب. وقد يوفر النظر إلى دروس ما يعرف باسم السكك الحديدية الأميركية تحت الأرض بعض الإلهام للمسار المقبل، ويسمح للولايات المتحدة بأن تعلن بصدق أنها لن تخلّف أحداً وراءها.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»