عادل درويش
صحافي معتمد في مجلس العموم البريطاني، وخبرة 55 عاماً في صحف «فليت ستريت». وكمراسل غطى أزمات وحروب الشرق الأوسط وأفريقيا. مؤرخ نشرت له ستة كتب بالإنجليزية، وترجمت للغات أخرى، عن حربي الخليج، و«حروب المياه»؛ أحدثها «الإسكندرية ، وداعاً: 1939-1960».
TT

حول سيطرة «طالبان» على أفغانستان

الجلسة الطارئة لبرلمان وستمنستر لسبع ساعات، بعد استدعائه من العطلة الصيفية، لبحث الزلزال السياسي والإنساني نتيجة استيلاء حركة «طالبان» على أفغانستان، سيكون لها أهمية تاريخية يرجع إليها الباحثون المعاصرون، أو في أجيال قادمة، على السجل البرلماني هانزارد Hansard.
أهمية الجلسة، بجانب البلاغة ووضوح البيان في كلمات فطاحل السياسة البريطانية، تكمن في المعلومات التي قدموها.
وزراء سابقون زاروا أفغانستان قبل وأثناء الوجود البريطاني ضمن مهمة الناتو (كتريزا ماي رئيسة الحكومة بين 2016 و2019)، بعضهم خدم في القوات المسلحة في أفغانستان نفسها، ورؤساء اللجان البرلمانية، خاصة لجنة الدفاع (رئيسها توبياز إيللوود خدم في الجيش وكان وزيراً في الخارجية لشؤون الشرق الأوسط) ولجنة العلاقات الخارجية (رئيسها توم توجنيدهات خدم ضابطاً في أفغانستان ويحمل دكتوراه في التاريخ الإسلامي)، ولجنة الداخلية (رئيستها إيفيت كووبر كانت وزيرة في حكومة العمال السابقة)، ووزراء حكومة الظل (المعارضة العمالية). المناقشات ركزت على ثلاثة اتجاهات. أولها طلب إجراء تحقيق برلماني وقضائي حول التقصير في سير المهمة البريطانية منذ حكومة العمال (في الحكم من 1997 إلى 2010) التي أرسلت القوات البريطانية مع الأميركية في 2001 ثم زاد عددها بعد ثماني سنوات لمكافحة زراعة الأفيون في مقاطعات هيلمان.
ثانيها، تقديم حقائق ومعلومات أغفلتها الصحافة والصحافيون، عن جهل أو تعمد، خاصة شبكات الإذاعة والتلفزيون، ومعظمها مناهض للحكومة وللتعاون الأنغلو - أميركي؛ فاللجان البرلمانية لديها مجموعة كبيرة من الباحثين وتحت يدها تقارير مفصلة، خاصة لجنة الداخلية لإخراج الأفغان العاملين في المؤسسات الدولية الإنسانية والمهام الطبية وتوطينهم في المملكة المتحدة هرباً من البطش.
الاتجاه الثالث من النواب أعضاء اللجان أو في جمعيات صداقة برلمانية أو أهلية بريطانية تشارك بلداناً (خاصة العربية) ستتأثر بسبب علاقة «طالبان» بالجماعات المتشددة.
الاتجاه الثالث، وهو الأهم، طرح احتمالات وآثار قضايا أمنية، خاصة بعد ما اتجهت الصحافة (خاصة الشبكات التلفزيونية اليسارية الاتجاه) إلى تقديم المحللين المعروفين بـapologists أي الذين يحاولون إقناع الراي العام بأن «طالبان» ماركة 2021 هي نسخة متطورة من «طالبان» ما قبل 2001. وسيكونون أكثر إنسانية مع المدنيين، خاصة النساء.
ورغم أن الكثير من النواب، خاصة من مقاعد المعارضة العمالية، اتسمت مشاركتهم بانتقاد الحكومة، والأكثر انتقاد أميركا، فقد اتضح من المعلومات المقدمة من نواب لجنة الدفاع أن بريطانيا حاولت بشتى الوسائل إقناع الأميركيين بجدولة زمنية أفضل للانسحاب، وإبقاء الغطاء الجوي، خاصة حول القاعدة الجوية الكبيرة في باغرام والتي بها إمكانيات هبوط وإقلاع سريع، كان يمكن استخدامها اليوم في إجلاء المستهدفين، لكن مع رفض الإدارة الديمقراطية في واشنطن (تسلمت الحكم في مطلع هذا العام) اضطرت بريطانيا لسحب قواتها. الأمر الآخر أن بقية البلدان الغربية (خاصة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي) في حلف الناتو رفضت مشاركة لبريطانيا بقوات بديلة، كان يمكن إبقاؤها لفترة انتقالية.
راجعت مداخلات النواب التي تناولت تأثير عودة «طالبان» على المنطقة التي تهم قراءنا، لأني تابعت تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، في مصر وبلدان الشمال الأفريقي والمشرق والخليج، مغتبطة باستيلاء «طالبان» على كابل واعتبارها «فتحاً لأفغانستان». أيضاً عدد كبير من تعليقات (من يسمون أنفسهم ليبراليين) المناهضين للإسلاميين اعتبرها «مؤامرة أميركية غربية» (وراءها «الصهيونية»).
دليلهم على المؤامرة الأميركية تدفق المتشددين الإسلاميين على أفغانستان، كما يشيرون إلى انتقال أعداد كبيرة من الإخوان المسلمين إلى البلاد. وبالطبع أن وجود مثل هذه التنظيمات على حدود الصين وروسيا، ستشغل البلدين الخصمين لأميركا وبريطانيا. وظاهر هذه التغيرات الجيوبولتيكية يدعم نظرية المؤامرة الأميركية. من جهة أخرى فإن التعاون «المؤقت» مع «طالبان» لإجلاء الرعايا براغماتية فرضها الواقع، لكن الحذر منهم ضرورة.
«طالبان» ما قبل 2001 لم تشكل تهديدات مباشرة خارج حدودها، أو للبلدان العربية، فثقافتها السياسية ليست توسعية للسيطرة على العالم كآيديولوجية «داعش» مثلاً (الدولة الإسلامية) التي تريد فرض خلافة إسلامية عالمية.
التهديد غير المباشر كان لاحتضانها «القاعدة» والجماعات الإرهابية، ونشاطها في إنتاج الأفيون والهيروين. الذي يزيد من معدلات الجرائم خاصة الجريمة المنظمة بين عصابات توزيع المخدرات وتهريبها.
والسؤال هنا: هل ستكون «طالبان» نسخة جديدة ومختلفة عن السابق؟
الأيام المقبلة ستجيب عن هذا السؤال.