مشعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر، بدأ الكتابة في الصحف السعودية المحلية، ثم في صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، تتميز كتاباته بالسخرية اللاذعة، ويكتب عموداً ثابتاً في «الشرق الأوسط».
TT

الحلف الثلاثي غير المقدس

الدولة السعودية الأولى عندما قامت، وتوسعت في الجزيرة العربية، وامتدت إلى أجزاء من العراق والشام، أصاب السلطنة العثمانية ما يشبه الرعب، خصوصاً وهي الحاكمة بأمرها في ذلك الوقت، فعقدت حلفاً غير مقدس مع كل من بريطانيا وإيران للتصدي لذلك الخطر الداهم، والذي يهم بريطانيا هو المحافظة على الخليج الذي أصبح في قبضة السعوديين المتحالفين مع القواسم ما يقطع الطريق على شركة الهند الشرقية، وما كان يخيف إيران هو أنه قد يمتد ذلك النفوذ إلى الساحل الشرقي من الخليج الذي تسيطر عليه وتستوطنه القبائل العربية، وبما أن الاحتلال العثماني يسيطر على مناطق عربية في آسيا وأفريقيا لهذا جلبت أكبر عدد من المرتزقة من تلك الأقطار لتجنيدهم إلى جانب مرتزقة آخرين من الأتراك والفرس والأوروبيين وسلّموا القيادة لمحمد علي باشا، وأخذت بريطانيا تمدهم بالمدافع والبنادق والذخائر، في الوقت الذي لم يكن أهل الجزيرة العربية قد عرفوا المدافع والبنادق، ولا سلاح لديهم سوى السيوف والرماح والنبال، لهذا سخر منهم مقاتل وشاعر بدوي عندما قال:
رمي البنادق ما بها نوماس- رمية (شرود) من بعيد – الشرود هو الجبان.
وقد استمرت الحرب ستة أعوام بعد أن دمروا (الدرعية)، ولكي يحافظ الإمام عبد الله بن سعود على الأهالي سلم نفسه، وذهبوا به إلى إسطنبول وأعدموه هناك، وما هي إلاّ أربعة أعوام فقط، حتى تسلم زمام الكفاح تركي بن عبد الله وقامت الدولة السعودية الثانية.
وتقديراً من تركيا لمحمد علي أهدته ملكة بريطانيا صورة لها مرصعة بالألماس، وتقديراً من بريطانيا لدور إيران في ذلك الحلف قبضوا على الشيخ خزعل أمير (عربستان) مع آبار النفط المكتشفة وسلموه لهم، ولتعرفوا مقدار فرحة شاه العجم (عباس مرزا) باحتلال الدرعية، بعث لمحمد علي بهذه الرسالة:
إلى الأمير الكبير، وذي المجد الأثيل، والجاه الخطير، شمس المجد والنجد، والغازي في سبيل الدين والفاتح لحصون المفسدين، أيد الله لذيذ عيشه، وأيده بعزيز جيشه، إنه قد بلغ إلينا، مجاري أمرك، وأنباء ظفرك ونصرك، ما ينشد أبهج عنه، وتحار العقول لديه، وتطير القلوب إليه، فاطلعنا على ما صنعت في قتال العرب، وصبرت في احتمال التعب، واجتهدت في تجهيز الكتايب، حتى وطئت أرجاء التهامة، بأقدام الشهامة، وفتحت باب الأمنية، بفتح الدرعية، وبالغت في دفع البدع، وقطع دابر المفسدين، حتى شرحت الصدر بعد حرجه، واستقام الأمر بعد عوجه – انتهى.
والآن ها هي الدولة السعودية الثالثة، ترفع أعلامها طوال أكثر من قرن كامل، رغم أنوف الأعاجم.