إميل أمين
كاتب مصري
TT

جائحة لا تنتهي... ثم ماذا؟

هل البشرية أمام ملامح ومعالم جائحة لا تكاد تنتهي؟ التساؤل المتقدم لا علاقة له بالتشاؤم أو التفاؤل، بل بالموضوعية، التي تميط اللثام عن الماورائيات، وتكشف الغطاء عن الصراعات البينية الحادثة في عالمنا المخيف.
لا يحتاج المرء إلى الكثير من البراهين والإثباتات ليدرك أن فيروس «كوفيد - 19» الشائه، لن يرحل بسهولة عمّا قريب، وعلى غير المصدق أن يولّي وجهه إلى غالبية بقاع وأصقاع العالم، ليتيقن شأن الهول الأكبر.
بدءاً من عند الولايات المتحدة، حيث زيادة حالات الإصابة بالمتحور «دلتا»، أضحت رعباً قائماً وقادماً، ما جعل بعض كبار الأطباء، مثل الدكتور ستيت ميتي، الرئيس التنفيذي للمركز الطبي الجامعي في مدينة ليتل روك بولاية أركانسو، يصرح بأن الموجة الرابعة من «كورونا» على الأبواب، وحال حدوث ذلك ستتجاوز أرقام الضحايا والمصابين ما جرى في الشتاء الماضي. يتساءل المرء: وماذا عن اللقاحات التي تم توزيعها وبالملايين على الأميركيين؟
يبدو أن هناك إخفاقين جوهريين في المشهد الداخلي الأميركي؛ الأول موصول بالكم، بمعنى أنه حتى الساعة لم تتجاوز نسبة الملقحين 50% من تعداد السكان، ما يعني أن هناك قصوراً في الإنتاج، فيما الآخر يتمثل في مطالبة مَن تلقوا اللقاحات بالعودة إلى ارتداء الكمامات خوفاً من الإصابة مجدداً، ما يفيد بأن الكيف هنا بدوره مشكوك فيه، ولهذا ارتفعت بعض الأصوات مطالبةً بجرعات ثالثة.
لا يقتصر الحديث على أميركا، فحسب، بل يمتد إلى روسيا الاتحادية، التي شهدت نهار الأربعاء الماضي أرقاماً قياسية بلغت 22420 إصابة، وسجلت الوفيات 798 خلال 24 ساعة.
بريطانيا بدورها، ورغم تراجع أعداد الإصابات بالفيروس، أظهرت بياناتها الرسمية، أن البلاد سجلت أعلى حصيلة وفيات منذ مارس الماضي.
ولعل حال العالم العربي ليس أفضل بكثير، فنظرة سريعة إلى الأوضاع من تونس إلى العراق، تُخيف المتابع، فيما دول أخرى تكاد تكون قريبة الشبه بمن ينتظر وقوع البلاء.
لخّصت البروفسورة روشيل والنسكي، مديرة مراكز الوقاية من الأمراض ومكافحتها في الولايات المتحدة، حقيقة المشهد الكوروني العالمي بقولها: «لا يزال هذا الوباء يشكّل تهديداً خطيراً على صحة جميع الأميركيين، وعلى العالم برمّته، واليوم لدينا حقائق جديدة متعلقة بمتحور دلتا»... ربما تعد من أسرار الأمن القومي الأميركي، وهي كذلك بالفعل.
وما يزيد مستقبل «كورونا» غموضاً، الموقف الصيني المبهم، فقد رفضت الصين مؤخراً اقتراح منظمة الصحة العالمية إجراء مرحلة ثانية من التحقيق في أصل جائحة الفيروس الذي أوقع ملايين الضحايا، ولا يعرف أحد على وجه التحديد إلى أين سيقود البشرية.
الموقف الصيني يستدعي استهجاناً عالمياً، لا سيما كلما تغيّرت أشكال الفيروس، وتحورت معالمه، فليس هذا وقت المماطلة ولا التسويف، ومن غير أدنى شك سوف ينعكس هذا التصرف الصيني، إن لم يكن انعكس بالفعل، على حضورها وسمعتها، وعلى مشروعاتها التوسعية التي تتساوق والبحث عن قطبية أممية جديدة تنافس بها الولايات المتحدة.
ما يزعج الباحثين اليوم هو التساؤل عن موعد الجائحة التالية، والفيروس الشائه بأكثر قوة من «كوفيد»... أين سيظهر، وما مدى خطورته، وكيف يمكنه أن يُسقط الملايين، وهل سيكون تجلياً من تجليات الحرب الكونية البيولوجية؟التساؤلات أهم من الإجابات، وما تقدم ليس محاولة للتنبؤ بالمستقبل، بل صناعته، بمعنى اليقظة اللازمة لقطع الطريق على جائحات مستقبلية، لا نعرف اليوم طبيعتها، لكن في الغد ستنتشر من غير مقدرة على التصدي لها.يكتب إيلي دولجين، المحرر العلمي لمجلة «ساينتفيك أميركان» يقول: «على الرغم من تحذيرات سابقة، لم تتمكن جهات تصنيع الأدوية من إعداد مخزون كافٍ من المركّبات لمكافحة الجوائح، فهل يمكنها أخيراً أن تهتدي إلى طريق يكفل الاستعداد لما هو قادم؟».
الجواب ولا شك معقود بناصية العلم المجرد عن الهوى والبعيد عن التفسير التآمري.. الجواب مربوط بأصحاب الضمائر الصالحة والقلوب النقية،علماء السردية العلمية، القادرين على استنقاذ البشرية من خلال إيجاد مثبطات فعالة ضد عائلة «كورونا».
يوماً ما حلم أفلاطون في جمهوريته بحكم الفلاسفة للعالم، اليوم يطالب عالم الأنثروبولوجيا الأميركي ديفيد غرايبر، بائتمان العلماء على حياة الإنسانية، إن أرادت أن تستيقظ من كابوس «كوفيد - 19»... من له أذنان سامعتان فليسمع.