أمل عبد العزيز الهزاني
أستاذة في جامعة الملك سعود في السعودية. باحثة في علوم الوراثة الجزيئية. خبيرة في الإدارة الأكاديمية. كاتبة سياسية منذ عام 2009. كاتبة مقال أسبوعي في «الشرق الأوسط».
TT

الأمن الغذائي السعودي والاستثمار في الخارج

السعودية بلد صحراوي، مواردها المائية محدودة؛ إما مياه البحر الأحمر والخليج العربي، أو المياه الجوفية التي تجدد نفسها عبر مياه الأمطار الشحيحة كذلك. وزارة البيئة والمياه والزراعة أعطت تقييماً لمعدل هطول الأمطار في المملكة، وذكرت أنها تبلغ 103 ملم سنوياً، والحجم السنوي للأمطار 166 مليار متر مكعب في السنة، يأتي منها 8 مليارات متر مكعب سيولاً. وحتى في مواسم الأمطار الغزيرة، وهي متقطعة، تحاول السعودية حفظ مياه السدود من خلال 521 سداً سطحياً أو قائماً، لكن ظلت هذه القضية بحاجة إلى أفكار أكثر شمولية. فكيف تصرفت الحكومة السعودية؟
في هكذا مساحة شاسعة، وكثافة سكانية حوالي 35 مليون نسمة، يحتاج صانع القرار إلى استراتيجية فاعلة ذات استدامة، لضمان توفير الإمدادات الزراعية، خصوصاً القمح والشعير. وللسعودية تجارب سابقة في زراعة المحصولين، لكنها عادت بالضرر عليها أكثر من الفائدة، لأنها استنزفت المياه الجوفية عبر حفر الآبار. أخفقت التجربة لكنها كانت ضرورية لفهم أهمية التعاطي مع ملف الأمن الغذائي بواقعية. فمن يتخيل أن السعودية كانت تصدر القمح لدولة مثل مصر، أو الورود لهولندا! أمر مستغرب. على كل حال استفدنا من التجربة، وأهم الدروس المستفادة أن تنفيذ الطموحات له عدة أوجه، وتحقيق الأهداف يجب أن يكون بالحد الأدنى من الأضرار.
كانت الفكرة الجديدة أن تختار الحكومة دولاً نشطة زراعياً وتستورد منها احتياجاتها من المواد الأساسية، التي يأتي على رأسها القمح، مع مراعاة جودة الحبوب. و«المؤسسة العامة للحبوب» هي ممثلة الحكومة كمشترٍ، ورغم تكلفة الشراء والنقل لكنها أقل ضرراً من زراعة القمح محلياً. الاستراتيجية الجديدة مبتكرة، نقلت النشاط الزراعي إلى دول أخرى واستوردت محاصيلها. كما وتأسست شركة للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني، بحيث إن الأراضي الزراعية في الدول الموردة مثل أوكرانيا وأستراليا والاتحاد الأوروبي والأميركيتين، تكون مملوكة لمستثمرين سعوديين، وهذا المستثمر السعودي يزرع المحصول المطلوب ويرسله للمملكة بمواصفات وكميات تحددها مؤسسة الحبوب. بمعنى آخر، أن المورد هو الحكومة السعودية والمصدر القطاع الخاص السعودي. هذه الاستراتيجية ذكية، وعالية الأهمية، كانت على رأس أهداف تأمين الإمدادات الغذائية وضمان عدم شحها في الأسواق أو انقطاعها لأي سبب كان بيئياً أو سياسياً. لذلك تنوعت الدول المختارة في أكثر من قارة، ودخل القطاع الخاص بقوة في هذه الصناعة، وتستقبل الموانئ السعودية في جدة وينبع والدمام وجازان شحنات من أستراليا وأوروبا وأميركا وغيرها خلال جدول زمن مُعد.
الاستثمار الزراعي والحيواني في الخارج كان أهم استراتيجية اتخذت لتحقيق الأمن الغذائي في المملكة، لكن أيضاً هذا لا يعني أن النشاط الزراعي وتربية الحيوانات متوقفة، إنما محاصيل كالقمح والشعير ينظر لها كمواد أساسية، تحتاج إلى توسع في زراعتها، وإتاحة الفرصة للمستثمرين السعوديين في الخارج كشركاء للحكومة لتلبية هذا الاحتياج يأتي بمنفعة عامة تطال الجميع.