صالح القلاب
كاتب اردني وزير اعلام ووزير ثقافة ووزير دولة سابق وعضو مجلس امناء المجموعة السّعوديّة للأبحاث والتّسويق
TT

كلمة حق: الإعلام السعودي في الطليعة عربياً!

قبل أن يسطع نجم الإعلام السعودي، المرئي والمسموع والمقروء، كان «صوت العرب» المصري يعتبر الطليعي عربياً، أما «ورقياً» فقد كانت الهيمنة للبنان ممثلة بصحيفة «النهار» وذلك في حين أنه كانت هناك «الأهرام» المصرية وقبل ذلك كانت هناك صحف البدايات الأولى العراقية والسورية وهذا قبل أن يُبتلى العالم العربي بموجة الانقلابات العسكرية التي تتحكم بالعديد من الدول العربية الآسيوية والأفريقية!!
وحقيقة فإن سطوع نجم الإعلام السعودي كان قد بدأ بصحيفة «الشرق الأوسط» ومجلة «المجلة» اللتين كانتا تصدران من لندن وكان عثمان العمير صاحب «إيلاف» الحالية أول من أصبح رئيس تحرير سعودي لمجلة «المجلة» ثم لصحيفة «الشرق الأوسط» وقد تبعه في هذا المجال عبد الرحمن الراشد الذي كان له ولا يزال باع طويل في هذا المجال والذي لم يتوقف عن كتابة مقاله «المشوّق» في «الشرق الأوسط» التي قد تجاوزت حدود العالم العربي وأصبحت دولية حيث بقيت تواصل الصدور من العاصمة البريطانية لندن حتى الآن.
وهنا وحتى نقول الحقائق كما هي فإن الشيخ وليد الإبراهيم قد كان طليعياًّ في هذا المجال أيضاً، فهو المؤسس الأول للفضائية العربية ـ«M.B.C» (مركز تلفزيون الشرق الأوسط) الإخبارية، وحيث إنه قد ظهر في السنوات الأخيرة في هذا المجال وفي هذه المجالات كلها جيل الشباب الصاعدين الذين أصبح الإعلام السعودي كله (المرئي والمقروء والمسموع) في عهدهم على ما هو عليه الآن من طليعية بالنسبة للإعلام العربي وأيضاً بالنسبة لإعلام حتى بعض الدول الأوروبية التي كانت قد قطعت مشواراً طويلاً في هذا المجال.
لا شك في أنه قد طرأت على الإعلام العربي بصورة عامة تطورات مهمة لا يمكن إنكارها، وهذا بالنسبة للورقي منه وأيضاً المرئي والمسموع. وهنا فإن ما يدعو للأسف الشديد هو أن لبنان فقد ما كان عليه في هذا المجال وأن صحيفة «النهار» التي كانت بمثابة نبراس ليس لبنانياً وفقط وإنما عربي أيضاً قد خفتت أضواؤها وإلى حد التلاشي، ثم إن صحيفة «الأهرام» المصرية التي كانت بمثابة مدفعية الرئيس جمال عبد الناصر الإعلامية في مرحلة صراع المعسكرات قد تراجعت كثيراً وبالطبع فإن هذا ينطبق على «صوت العرب» أيضاً وعلى غيرها، إضافة إلى أن إعلام دول الانقلابات العسكرية تحول إلى مجرد أبواق «ردح وقدح ومديح» للذين ورثوا هذه الانقلابات وباتوا يحكمون بالحديد والنار وبالمعتقلات والسجون.
والآن وفي حين أن لبنان كان في فترة سابقة بمثابة صوت العرب الإعلامي وفي الاتجاهات كافة، وكان المدفعية الإعلامية لمن يعتبرون أنفسهم تقدميين وأيضاً من يُعْتبرون «رجعيين»، فإن هذا كله قد تلاشى نهائياً وأنه لم يعد في هذا البلد، الذي كان رئيسياً في هذا المجال ومجالات أخرى، أي صوت إلا صوت ضاحية بيروت الجنوبية الذي هو صوت حسن نصر الله وأيضاً الذي هو صوت الولي الفقيه في طهران وبالطبع صوت إيران التي كانت خمينية وأصبحت خامنئية، والتي غدت تسيطر إعلامياً وكل شيء حتى على دول عربية من بينها دولتان بقيت إحداهما ترفع شعار: «أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة»!!
ثم إن ما بات مؤكداً ومعروفاً هو أن الإعلام السعودي، إعلام المملكة العربية السعودية، المتمثل في فضائيتي «العربية» و«الحدث» ومعهما صحيفة «الشرق الأوسط» والعديد من وسائل الإعلام الداخلية هو الإعلام العربي الفاعل والمؤثر ليس في منطقة الخليج العربي وفقط لا بل في العالم العربي كله وأيضاً في بعض دول العالم، وهذه مسألة باتت ثابتة ومؤكدة ويعترف بها حتى الإيرانيون ومعهم تحالفهم الذي يضم دولاً تقول إنها عربية وهي في حقيقة الأمر تعتبر مرجعيتها السياسية و«المذهبية» وكل شيء في «قم» وطهران، وأنه بالنسبة إليها «لا صوت يعلو فوق صوت الولي الفقيه علي خامنئي» وهذا كما كان عليه الوضع في عهد المرشد الأعلى «آية الله الخميني»!!
والمعروف أن من بين الأكثر متابعة لفضائيتي «العربية» و«الحدث»، ربما أنهم هم الإيرانيون الذين يتقنون اللغة العربية وفي مقدمتهم الولي الفقيه علي خامنئي نفسه وأن هاتين الوسيلتين الإعلاميتين السعوديتين باتتا مع الوقت في طليعة الإعلام المرئي العربي ومن المحيط إلى الخليج، كما يقال، وأنهما «القناتان» العربيتان المتابعتان بالنسبة لعرب ديار الهجرة القريبة والبعيدة ومن الولايات المتحدة في الغرب وحتى الصين في الشرق ومعها روسيا وباكستان وغيرهما.
إن المؤكد أن الإعلام السعودي لن يكتفي بهاتين القناتين، أي «العربية» و«الحدث»، ومعهما وسائل الإعلام المحلية وبالطبع الـ «M.B.C»، فالكرة الأرضية بكل دولها ومؤسساتها وهيئاتها أصبحت كتلة إعلامية واحدة، ويقيناً أن «الفضائيات» الناجحة باتت حتى بالنسبة للدول الكبرى أهم من الصواريخ والمدافع ولذلك فإن دولة مثل الصين الشيوعية صين ماو تسي تونغ باتت تهتم بالسباق الإعلامي كاهتمامها بالتزاحم النووي، وهذا ينطبق على روسيا التي لا تزال تتوكأ على ماضيها الماركسي - اللينيني رغم مغادرتها في هذا العهد، عهد فلاديمير بوتين، كل ما بقي سائداً على مدى كل هذه السنوات الطويلة منذ عام 1917، حيث عهد فلاديمير لينين وعهد الاتحاد السوفياتي والشيوعية العالمية، وحتى الآن!!
وهكذا فإن المملكة العربية السعودية عندما تُولي كل هذه العناية والأهمية بالنسبة لهذا الإعلام الناجح والمؤثر وتكون لها فضائيتا «العربية» و«الحدث» وغيرهما وكل وسائل الإعلام الورقية وفي طليعتها صحيفة «الشرق الأوسط»، رائدة وقائدة الصحافة العربية، فإنها في حقيقة الأمر أصبحت تمسك بناصية هذه المرحلة الخطيرة وباتت تتماشى مع حركة التاريخ، حيث عالم اليوم غير عالم الأمس، وحيث إن هذا العصر، عصر القرن الحادي والعشرين، هو عصر الفضائيات المتفوقة وعصر الوسائل الإعلامية الناجحة والفاعلة والمؤثرة.
والمؤكد هنا وفي هذا المجال أن الإعلام الفاعل والمؤثر والقوي، الذي يفرض نفسه حتى على بعض الدول التي تعتبر نائية وبعيدة، لا بد أن تكون وراءه دولة لها تأثيرها السياسي والاقتصادي وأيضاً الثقافي، وخصوصاً في المجال الإقليمي، فعصر تمدد الدول بالعنف والقوة العسكرية لم يعد مجدياًّ وأيضاً ولا مقبولاً لا إقليمياً ولا دولياً، والمثل على هذا هو أن إسرائيل، دولة العدو الصهيوني، التي كانت قد هيمنت على جزء من فلسطين في عام 1948 وأيضاً على الجزء الباقي حتى نهر الأردن، أي الضفة الغربية بما فيها «القدس العربية»، لكن ومع ذلك فإن الشعب الفلسطيني لم ير من هذه الدولة، التي تعتبر نفسها وتعتبرها حتى الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى دولة مقتدرة ومتفوقة حضارياً، إلا العنف وإراقة الدماء وهدم منازل الفلسطينيين فوق رؤوسهم وهذا كان قد حصل في جنوب أفريقيا وفي بعض دول ما يسمى العالم الثالث وأيضاً حتى في بعض الدول الأوروبية والآسيوية.
وعليه وفي النهاية فإن المعروف والمؤكد أن المملكة العربية السعودية قد باتت دولة طليعية في هذا المجال الإعلامي وفي مجالات متعددة أخرى وإن المعروف أيضاً هو أن هذه الدولة، التي كان بناها وأرسى قواعدها المتينة القائد الكبير عبد العزيز آل سعود، ماضية وبخطى ثابتة في هذا الاتجاه الصحيح وأنها قد اقتربت من أن تكون على قدم المساواة مع دول متقدمة باتت تعتبر في طليعة المسيرة الحضارية العالمية وهكذا فإنه عندما نقول إن الإعلام السعودي بات في الطليعة عربياًّ فإننا نؤكد حقيقة بات يعترف بها العرب كلهم وذلك باستثناء عرب «الولي الفقيه» وعرب إيران ويعترف بها أيضاً المتابعون من الأوروبيين ومن «إخواننا» في الدول الآسيوية القريبة والبعيدة...