جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

بايدن وأوروبا ومواجهة الصين؟

انطلق الرئيس الأميركي جوزيف بايدن في أولى رحلاته الخارجية منذ توليه مهام منصبه الرئاسي الجديد، إلى زيارة أوروبا، تماماً كما هو متوقع من الناحية المنطقية. وأتت هذه الزيارة ضمن مساعي الرئيس بايدن لتسهيل العلاقات الأميركية - الأوروبية المشتركة، التي مرّت بفترة عصيبة للغاية في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب، لا سيما مع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وبطبيعة الحال، يرغب الرئيس الأميركي في الحديث حول جائحة فيروس «كورونا المستجد»، وعن التغيرات المناخية العالمية، وعن الطموحات النووية الإيرانية، وعن انسحاب قوات حلف الناتو من أفغانستان.
بيد أن البند الأول على قائمة جدول أعمال رئيس الولايات المتحدة في أوروبا دار حول كيفية إدارة العمل المشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا من أجل مواجهة الصين، التي تبعد مسافة كبيرة ومعتبرة عن أوروبا، ولكنها تحتل مركزاً متصدراً في صميم الأجندة السياسية العالمية.
ومع مواصلة الحكومة الصينية التوسع في مشروع مبادرة الحزام والطريق على المسرح العالمي، من شأن اقتصاد البلاد، وقدراتها العسكرية الخارجية، ونفوذها الدبلوماسي الدولي أن تتسع مجالاته سواء بسواء، حتى تتصادم مع المصالح الأميركية المتعددة عند نقاط تماس والتقاء محددة.
ومع النظر إلى الحجم الهائل المنتظر والتقدم التقني الصيني الكبير على مدار السنوات العشر المقبلة، سوف تحتاج الولايات المتحدة إلى بناء شبكة قوية للغاية من الحلفاء، والشركاء، والأصدقاء؛ من أجل توفير المساعدة في إرساء أسس التوازن في مواجهة الصعود المستمر للصين. من الواضح للجميع أن الحكومة الصينية تواصل العمل من دون توقف على إعادة صياغة النظام العالمي بصورة تُلحق المزيد من الأضرار بالمصالح الأميركية والأوروبية على حد سواء.
تمتلك القارة الأوروبية – بصفة منفردة – الإمكانات السكانية، والجغرافية، والقيمية، فضلاً على الثقل الاقتصادي الكبير قبل كل شيء، والتي تعزز احتياجات الولايات المتحدة في الوصول إلى حالة التوازن المنشودة والموثوق منها في هذه الحرب الباردة الناشئة. ومن الجدير بالذكر، أن الحكومة الصينية تمارس التودد السياسي مع كل من روسيا وإيران في بناء شبكة الحلفاء والأصدقاء الخاصة بها على الطيف الآخر من الصراع نفسه.
فما هي الرسائل الرئيسية للرئيس الأميركي فيما يتصل بمواجهة الصين على الصعيد العالمي، وكيف ينبغي عليه التعامل معها؟
دعونا نبدأ بقيادة الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية بروكسل. عندما كنت أشغل منصب القائد العسكري الأعلى لقوات حلف الناتو، ثم لسنوات عديدة بعد ذلك، واصلت عملي مع السيدة أورسولا فون دير لاين، التي كانت تشغل منصب وزيرة الدفاع الألمانية وقتذاك. وهي الآن تشغل منصب رئيسة المفوضية الأوروبية، وأعني بذلك السلطة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي. وهي طبيبة بحكم المهنة والخبرة، وكانت قد عاشت في الولايات المتحدة لفترة معتبرة من الزمن عندما كان زوجها يباشر دراسته الجامعية في جامعة ستانفورد. وهي امرأة تملك وجهة نظر ورؤية جيو - استراتيجية فائقة للغاية في تعاملها مع الأمور السياسية ذات الأهمية.
كنت قد حضرت عدداً من مآدب العشاء الصغيرة وغير الرسمية رفقة السيدة أورسولا خلال فترى شغلها منصب وزيرة الدفاع الألمانية، بما في ذلك تلك الحفلة التي ضمت أحد أبرز القادة المؤثرين في القطاع التقني الأميركي، رفقة رئيس وزراء إحدى البلدان الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، في حضور عدد من الرؤساء التنفيذيين لاثنتين من كبريات الشركات العاملة في ألمانيا.
كانت السيدة أورسولا صاحبة الشخصية المهيمنة على طاولة الاجتماع، وتمكنت من بلوغ حالة التوازن الذكي ما بين بعض قرارات الحكومة الألمانية بعدم إسناد حلف الناتو (مثالاً برفض إرسال القوات الألمانية للمشاركة في الحملة العسكرية الأوروبية في ليبيا) وبين خيارها بتولي زمام القيادة بين مختلف القوى الدولية في شمال أفغانستان. وحتى ذلك الحين، أي قبل خمس سنوات من الآن، كانت السيدة أورسولا تتحدث عن التحديات التي تشكلها الصين والحرب السيبرانية، وكيف يتحتم على حلف شمال الأطلسي الارتقاء بالقدرات والإمكانات لمواكبة ومواجهة تلك التحديات المستمرة. ومن اللازم بالنسبة للرئيس بايدن أن يطور العلاقة الشخصية القوية مع السيدة أورسولا.
ومن شأن الرئيس الأميركي الاستفادة أيضاً من تطوير العلاقة الشخصية الوثيقة مع السيد يانس ستولتنبيرغ، رئيس الوزراء النرويجي الأسبق والأمين العام الحالي لحلف شمال الأطلسي. عندما أجريت مقابلة مع ستولتنبيرغ خلال فعالية مجلس العلاقات الخارجية قبل أسابيع عدة، كان من الواضح أن الصين تأتي على رأس اهتماماته (جنباً إلى جنب مع روسيا، والحرب السيبرانية، والتغيرات المناخية). ومن حسن الحظ، كانت القضايا والشؤون الخارجية في صميم مسيرة الرئيس بايدن الطويلة في الحكومة الأميركية، تلك السمة المميزة التي تشتد الحاجة إليها عندما يتعلق الأمر بالتعامل المباشر مع كبار القادة والزعماء الوطنيين في البلدان الأخرى.
ومن الناحية العملية الخالصة، فإن استمالة جانب أوروبا صوب المدار الأميركي فيما يخص التعامل المباشر مع الصين سوف يكون له أبلغ الأثر على الصعيدين العسكري والدبلوماسي، فضلاً على الصعيد الاقتصادي سواء بسواء.
من الناحية العسكرية والدبلوماسية، فإن من أفضل المواضع لزيادة التعاون سوف يكون في مواجهة المزاعم الصينية الواهية بشأن الحقوق الإقليمية المتصورة في بحر الصين الجنوبي. وبالفعل، شرعت الحكومتان الفرنسية والألمانية في تسيير دوريات حرية الملاحة البحرية في تلك المنطقة، بالتعاون مع الولايات المتحدة اعتباراً من الشهر الماضي. وقامت حاملة الطائرات البريطانية رفقة المجموعة الضاربة بالتحرك صوب شرق آسيا عبر المحيط الهندي.
يعد البناء على هذه التطورات والمستجدات، مع جذب القارة الأوروبية صوب المجموعة الرباعية للبلدان الديمقراطية في المحيط الهادي (أستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة) من الأمور المنطقية. ومن شأن أوروبا أن تمد يد المساعدة بصورة خاصة من خلال العمل المباشر مع الهند، لا سيما المملكة المتحدة، التي كانت أسرع ما تكون في تحسين العلاقات الجديدة مع المستعمرات السابقة.
ومن الناحية الاقتصادية، من البنود الرئيسية في تضافر الجهود لمواجهة التحديات الصينية، المستوى الذي يمكن للولايات المتحدة وأوروبا التنسيق من خلاله للمواقف المشتركة المتخذة على صعيد التجارة والتكنولوجيا. تسعى بعض البلدان في أوروبا إلى تقييد الأعمال المشتركة وفرض القيود على القدرات والإمكانات التكنولوجية لبعض كبريات الشركات العاملة في الولايات المتحدة تحت ذريعة قوانين الأسواق الرقمية. ووفقاً للتحليل الميكانيكي الديناميكي، الذي يبدو أنه يقصد شركات وادي السيليكون الأميركية، فمن شأن الكيانات التقنية الأميركية العملاقة أن تخضع للتحقيقات، والتدخل الحكومي في الممارسات التجارية، فضلاً على مستويات بالغة الشدة من التدقيق والتنظيم الرقابي.
ومن بين الطرق التي يمكن للرئيس الأميركي تناول هذه الخلافات والتعامل معها أن يوافق على الفكرة التي طرحها الجانب الأوروبي بالفعل والتي تتمثل في إنشاء مجلس التجارة والتكنولوجيا الأميركي الأوروبي. فمن شأن هذا المجلس أن تتركز جهوده واهتماماته على صياغة المواقف التكميلية في الوقوف على مدى وحقيقة الطموح الصيني ومواجهته.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»