د. جبريل العبيدي
كاتب وباحث أكاديمي ليبي. أستاذ مشارك في جامعة بنغازي الليبية. مهتم بالكتابة في القضايا العربية والإسلامية، وكتب في الشأن السياسي الليبي والعربي في صحف عربية ومحلية؛ منها: جريدة «العرب» و«القدس العربي» و«الشرق الأوسط» اللندنية. صدرت له مجموعة كتب؛ منها: «رؤية الثورات العربية» عن «الدار المصرية اللبنانية»، و«الحقيقة المغيبة عن وزارة الثقافة الليبية»، و«ليبيا بين الفشل وأمل النهوض». وله مجموعة قصصية صدرت تحت عنوان «معاناة خديج»، وأخرى باسم «أيام دقيانوس».
TT

خوالف «داعش»

خوالف «داعش» ليسوا فقط من تركهم التنظيم من أطفال ونساء وبضعة رجال جبناء، بل هو الفكر المتطرف الذي لا يزال لم يعالج بفكر مضاد، أو وجود أي خطة بديلة لتحديث المناهج والخطاب الديني في بعض الأماكن، ما يجعل من عودة «داعش» ممكناً إذا وجد مجدداً من يحمل فكره ويقاتل من أجله.
رغم أن خوالف «داعش» البشرية لا تقل أهمية عن فكرها، خاصة أن تنظيم «داعش» مارس استغلال الأطفال كانتحاريين، بعد تجنيدهم في صفوفه، لم يكن مخفياً ولا مستغرباً وبحسب ما خلصت إليه دراسة لجامعة جورجيا الأميركية، فإن 39 في المائة من أطفال «داعش» نفذوا هجمات انتحارية، وكما ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية «فإن أطفال تنظيم (داعش) الأيتام يتعرضون لتهديدات خطيرة، وهؤلاء يتم إخفاؤهم في مخيمات بشمال العراق، ولا يوجد أي برنامج خاص لتأهيلهم».
جماعات الإسلام السياسي ساهمت في تمدد «داعش» وعملت على استغلال وجودها والتمكين لها كجيوب عسكرية حليفة تحقق بها أهدافاً مشتركة في مناطق توتر كثيرة في ليبيا وسوريا والعراق واليمن؛ حيث مدّتها بالسلاح والمال والتغاضي عن وجود عناصرها، بل عملت جماعات الإسلام السياسي على تهريب المقاتلين والمرتزقة لصفوفها، بل حتى تزويدها بجوازات سفر مزورة، فقد قام تنظيم «الإخوان» العالمي بدعم جميع الميليشيات، سواء «القاعدة» أو «داعش» أو «جفش» حتى ميليشيا «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى مثل الحوثي و«عصائب أهل الحق» و«الحشد الشعبي»، ويتبادل معها المعلومات والخبرات، وجميعها مسميات متعددة لحصان طروادة «الإخواني» للوصول إلى السلطة.
فتنظيم «داعش» المسمى «تنظيم الدولة» الذي ابتدعه البغدادي مع رهط من السفهاء وحدثاء الأسنان، دستوره منبعه كتاب إدارة التوحش Management of Savagery الكتاب الذي اتخذه البغدادي منهجاً لإدارة دولة الرعب، فالتنظيم خطط لأن يترك خوالف له بعد أن أدرك نهايته الوشيكة كمشروع «دولة» الرعب والتوحش والجهل.
ولعل محاولات إعادة إنتاج «داعش» في الصحراء الليبية مثال واضح على ما يشكل خطراً على ليبيا، وتهديداً إقليماً ودولياً خطيراً، خاصة مع اتساع رقعة الصحراء الليبية وصعوبة ملاحقة عناصر «داعش» فيها، إذا ما تحصنت بجبال تبستي والعوينات الوعرة، في ظل غياب قدرة فعلية للحكومة الليبية على السيطرة على حدود طويلة، تتشارك فيها مع 6 دول أفريقية، أغلبها تعاني من ضعف حكومات المركز فيها، وتنتشر فيها عصابات التهريب من بشر إلى مخدرات وسلاح، والتي لن تتردد في مساعدة «داعش» من أجل المال الذي تبحث عنه بشتى السبل.
أعتقد أن الأزمة أزمة فكر، وافتقار لمعالجة طرق التفكير، التي تسببت في إنتاج منهج خاطئ، منح القدسية للتفسير والتأويل، وابتعد عن النص المقدس (القرآن)، ما ساهم في انقطاع الاجتهاد، وتغييب علماء الدين وفقهائه، وتسبب في تضليل قوم.
ففي الأثر جاء «سيخرجُ في آخر الزمانِ قومٌ أحداثُ الأسنانِ، سُفهاءُ الأحلامِ، يقولون من خيرِ قولِ البريَّة، يقرأون القرآنَ لا يجاوزُ حناجرَهم، يمرُقون من الدِّينِ كما يمرقُ السَهمُ من الرَّميَّة».
وفي الأثر أيضاً، أنه لم يشفع للخليفة عثمان رضي الله عنه كونه صحابياً وثالث خليفة للمسلمين وزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخليفة انعقدت له البيعة كولي أمر، ليعصم دمه الذي سال على المصحف في آخر الليل، بعد أن هاجمت فئة ضالة بيته فقتلته، ولم يشفع للحسين كونه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل الاثنان في أكثر المشاهد دموية في تاريخ المسلمين.
«داعش» ما هو إلا الوجه الآخر لخوارج الماضي، وبالتالي بقاء الفكر في متون الكتب واستمرار تدريس تلك الأفكار في بعض الأماكن سيجعل «داعش» وأخواته تتكرر من حين لآخر لتكتب صفحات بل مجلدات من الدم ما دام لم تتم معالجة الخوالف، التي تبقى كالخلايا السرطانية تتمدد حيثما سمحت لها الظروف المحيطة للقضاء على الجسد.