طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

غزة ومجلس حقوق الإنسان!

اليوم، وبعد حرب الـ11 يوماً في غزة بين «حماس» وإسرائيل، صوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخميس الماضي لصالح فتح تحقيق دولي في الجرائم التي ارتكبت في الحرب فصمت نصف الغرب، وعبرت واشنطن عن «الأسف الشديد» على القرار!
دعنا نعد للوراء ليس بعيداً حتى على من له ذاكرة قطط... على أثر مقتل جمال خاشقجي، رحمه الله، وهي عملية إجرامية بشعة، قامت الدنيا ولم تقعد غربياً ليس لتحقيق العدالة التي سارعت الدولة السعودية لتحقيقها، وإنما للنيل من السعودية كلها.
وبالنسبة للتحقيق في حرب غزة، وصف بيان البعثة الأميركية لدى الأمم المتحدة قرار التصويت بمجلس حقوق الإنسان بأنه يهدد بـ«عرقلة التقدم الذي تحقق». والسؤال هنا: هل تحقيق العدالة يهدد الاستقرار، أم يضمن عدم تكرار الجرائم؟
هل من نفاق أكثر من هذا النفاق الغربي الصارخ، فمقتل فرد يقيم الدنيا ولا يقعدها، بينما مقتل المئات، وفي الحرب الرابعة، سيان بسبب مغامرات «حماس»، أو عربدة إسرائيل، يرفض فيه تقصي الحقائق!
وهذا ليس كل شيء، فماذا عن جرائم الحوثيين باليمن، ومنها إحراق اللاجئين أحياء، والحوثيون مدعومون إيرانياً بشكل مثبت وواضح؟ وماذا عما يشكله الحوثيون من خطر على اليمن كله، والأمن القومي السعودي، وبأسلحة إيرانية؟
ماذا عن المقاتلين الذين أرسلتهم إيران من العراق إلى لبنان، بحسب ما نشرته وكالة رويترز، ليتلقوا التدريب على يد «حزب الله» هناك؟ ماذا عن جرائم الميليشيات الإيرانية بحق النشطاء العراقيين، وآخرها محاولة اغتيال صحافي في قناة «الحرة» الأميركية بالعراق؟
وماذا عن جرائم إيران في سوريا، ومهزلة انتخابات الأسد؟
واللوم هنا لا يقع على الغرب، والولايات المتحدة فقط، بل وعلى الأمم المتحدة نفسها، التي تستحق لقب «الأمم المستفزة»، وكذلك بعض المتحدثين فيها عن حقوق الإنسان.
نعم مقتل صحافي جريمة، كمقتل أي إنسان، لكن السعودية حققت وأقامت العدالة، وهي جريمة واحدة بهذا الشكل في تاريخ السعودية كله. ونعم جرائم إسرائيل توجب التحقيق فيها بالأمس، واليوم، وغداً، لكن ماذا عن جرائم إيران؟ ولماذا يتعامل الغرب مع منطقتنا بمسطرة قيم معوجة؟
في واشنطن يقال «إذا قتلت شخصاً فابحث عن محامٍ، لكن إذا قتلت عشرة أشخاص فعليك أن تبحث عن لوبي»، وهذا ما يحدث فعلاً، بالنسبة لإسرائيل، ولإيران، بواشنطن والغرب عموماً، حيث انتقائية اللوبيات التي تصيب عقلاء المنطقة بالغضب.
والقصة ليست الغضب وحده، فمسطرة القيم الغربية المعوجة هذه تضرب في صميم مصداقية المؤسسات الدولية، والدول الغربية، وتئد صوت العقل بالمنطقة لأن اعوجاج القيم هذا لا يمكن تبريره والدفاع عنه بمجرد القول إن السياسة هي فن الممكن.
من الصعب الدفاع عن هذه المسطرة المعوجة وواشنطن تقول إن على حلفائها أن يشاركوها قيمها، ثم تنتقد التحقيق الأممي، أو تتغافل عن جرائم إيران في المنطقة. كما من الصعب الدفاع عن الغرب كله، وموقفه من القيم بمنطقتنا انتقائي وانتهازي.
لا أحد يدافع عن الجرائم، أياً كانت، ولا عن الحروب، ولا أحد يدافع عن تهديد الاستقرار، وانتهاك الحقوق الإنسانية، لكن ليس بوسع أي إنسان الدفاع عن النفاق بفرز القيم، وتطبيق القوانين الدولية.