حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

ما بعد عاصفة شربل وهبة

لا تستحق التصريحات الاستفزازية الغبية لوزير خارجية لبنان السابق شربل وهبة الوقوف عندها كثيراً، فقد طُويت صفحته باعتذاره، ثم استهجان رئيسه سعد الحريري وأخيراً استقالة وهبة، ونالت أقواله من (البدو والحضر) في عالمنا العربي كمية مهولة من النقد والتبكيت والتقريع، لكن ما يستحق التوقف عنده هو أسلوب التعامل مع الاستفزاز ومعه عشرات غيره من الاستفزازات العربية «البينية» التي تطفو على السطح العربي بين الفينة والأخرى، ثم تتلوها ردود أفعال بعضها معقول ومقبول والبعض الآخر «مسرف» متجاوز، يفتقر إلى أدنى درجات الحكمة والاتزان والتروي، ويجرح أكثر مما يداوي.
فليس من اللائق أدباً وذوقاً وسياسة وكياسة أن يتجاوز الهجوم على المستفز إلى بلده وشعبه وعاداته وفقره ولهجته، فما شأن لبنان وأزمته السياسية والاقتصادية ومشكلة قمامته في تصريح أهوج أعوج؟ وكأن الوزير البائس رئيس لبلدية بيروت لا وزير للخارجية، أو كأنه الذي أمسك بالمؤشر الاقتصادي ليخسف به إلى أسفل القاع، وأشدها جرحاً وإيلاماً حين يحس أفراد الشعوب التي أخطأ بعض أشخاصها أنهم أُهينوا في كرامتهم أو استهزأ أحد بوضعهم الاقتصادي أو عاداتهم الاجتماعية، بسبب سقطات مسؤول أو إعلامي ليسوا هم الذين دفعوه إليها. لماذا، مثلاً، يستهزئ بعض العرب بالبداوة أو الصحراء أو ركوب الجمل، مع أن هؤلاء الإعلاميين يوجد في دولهم شرائح مختلفة، ومنهم بدو كرماء يعيشون كما يعيش غيرهم في دول أخرى.
أليس من الإجحاف أن يستهزئ بعض الإعلاميين العرب بشعب فلسطين كله، ويعلنون على الملأ تخليهم عن قضية فلسطين المركزية الاستراتيجية، ويستهزئون حتى بمفرداتها مثل «الكظية»!! بسبب استفزازات مسؤول فلسطيني أو موقف شائن من فصيل فلسطيني، أو أهازيج رديئة رددها أناس لا يزنون الأمور، ولماذا السخرية بجغرافية بلد وشعبه فقط لأن بعض مسؤوليه أمسوا خصوماً؟ هذا ناهيك أن يوجد في الحلفاء والأصدقاء من دولهم صغيرة وسكانها قليلون، أليس من الخطأ الغمز في شأنهم وهم لا ناقة لهم في هذه الخصومات ولا جمل؟
الإسراف مذموم في المدح والقدح، ومرفوض حتى في الإعدام والقتل (ومن قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يُسرف في القتل)، والتعميم إحدى آفات الإسراف في النقد، فهو يوتر العلاقات بين الشعوب، ويغرس الأحقاد وينثر بذور الشتائم المتبادلة، والمؤلم أن نيران الخلافات بين الشعوب لا تنطفئ بسهولة، على خلاف نيران الخلافات بين السياسيين فإنها سريعة الاشتعال سريعة الخمود.