جيمس ستافريديس
- أميرال بحري متقاعد بالبحرية الأميركية وقائد عسكري سابق لحلف الناتو وعميد كلية فليتشر للحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس < بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
TT

الذكاء الصناعي كعب أخيل أميركا في مواجهة الصين

مع صدور تقرير لجنة الأمن الوطني المعنية بالذكاء الصناعي الذي طال انتظاره، أصبح حتماً على الولايات المتحدة مواجهة حقيقة غير مريحة: أن أميركا، حسبما قال رئيسا اللجنة إريك شميدت وبوب وورك: «غير مستعدة للدفاع عن نفسها أو المنافسة في حقبة الذكاء الصناعي». ويعتبر شميدت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة «غوغل»، وورك النائب السابق لوزير الدفاع، من الشخصيات الخبيرة والمتمرسة بعمقٍ في هذا المجال. وعليه، فإنَّه يتعيَّن على الأميركيين النظر إلى هذا التهديد باعتباره وشيكاً. والآن، ما حدود الوضع الحالي وما الوجهة التي ينبغي أن تنطلق صوبها الولايات المتحدة من النقطة الراهنة؟
أولاً، دعونا نمعن النظر في أبرز المنافسين على صعيد الذكاء الصناعي وأكثر إثارة للقلق: الصين. الملاحظ أن الصينيين ركزوا اهتمامهم بدأب على امتداد عقد على مجال الذكاء الصناعي، ونجحوا في بناء «توجه حكومي كامل» من الألف إلى الياء، إزاء كيفية التحول إلى القوة المهيمنة عالمياً بمجال الذكاء الصناعي. ويتضمَّن ذلك التركيز على نحو هائل على مجالات تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات على جميع المستويات، والسعي إلى تعزيز أفضل العناصر بهذا المجال، وزيادة مستويات جهود البحث والتطوير، بما في ذلك العمليات العسكرية، والسيطرة على كميات هائلة من البيانات من شبكات التواصل الاجتماعي (أصبحت البيانات اليوم بمثابة النفط الجديد)، والتجسس الصناعي لجمع حلول من جهات صناعية منافسة ودمج الذكاء الصناعي في جميع المجالات الحكومية ومجالات القطاع الخاص. وتبدو هذه استراتيجية ذكية يجري تطبيقها بدأب للهيمنة على هذا المجال الحيوي.
في تلك الأثناء، اتبعت واشنطن بصورة أساسية توجهاً سوقياً، على أمل أن يتولى «سيليكون فالي» والمراكز التكنولوجية الأخرى تمويل الكثير من جهود البحث الأساسية وإبقاء الولايات المتحدة داخل اللعبة. واللافت أن الولايات المتحدة تأخرت بمجال تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في وقت تحول قواعد الخصوصية من دون جهود جمع كميات ضخمة من البيانات لخدمة التجارب.
وفي الوقت الذي تشارك بعض المعامل الحكومية وأخرى تتبع جامعات في أبحاث بمجال الذكاء الصناعي (أنا زميل رفيع بمعمل الفيزياء التطبيقية التابع لجامعة جونز هوبكنز، من الجهات الرائدة بالمجال)، وتتولى المؤسسة العسكرية الاضطلاع ببعض الجهود هي الأخرى، يظل التوجه العام مفككاً وحراً على نحو مفرط.
في الواقع، هناك بعض الأمور ـ مثل الصعود بإنسان إلى سطح القمر مثلما حدث في ستينات القرن الماضي ـ لن يقدم القطاع الخاص على أخذ زمام المبادرة فيها من تلقاء نفسه. وينتمي الذكاء الصناعي إلى هذه الفئة.
الأهم من ذلك، أنَّ الذكاء الصناعي يتميَّز بالأهمية في الكثير من الجوانب الأخرى، من التصنيع إلى الإعلان إلى العلاج الطبي إلى الزراعة. ومع هذا، فإنَّ المجال الذي يحمل فيه التأخر عن المنافس الرئيسي الخطر الأكبر يبدو واضحاً تماماً: العمليات العسكرية.
وتتميَّز استخدامات الذكاء الصناعي في النشاطات العسكرية بالاتساع والعمق. وباعتباري كنت قائداً في القوات البحرية وحلف «الناتو»، واجهت ضرورة اتخاذ قرارات صعبة داخل ميدان القتالي ـ أثناء عمليتي «درع الصحراء» و«عاصفة الصحراء» والحروب التي دارت في أفغانستان والعراق وليبيا ـ كان يجب تنفيذها من دون توافر سوى قدر محدود من المعرفة، ولم يكن أمامي سبيل لمقارنة اختياري بما كانت ستتمخض عنه الخيارات الأخرى.
إلا أنَّ وجود مستشار لي من إبداعات الذكاء الصناعي كان باستطاعته تغيير هذا الوضع. ومثلما الحال مع شخص سبق له ممارسة تريليون لعبة من اللعبة الاستراتيجية الصينية «غو»، فإنَّ مستشار الذكاء الصناعي للقائد العسكري يملك القوة الحاسوبية التي تمكنه من تجميع المعلومات والاستخبارات، وترتيبها وترتيب أولويات عرضها على صانع القرار، وفي النهاية تقديم المشورة بخصوص الخطوة التالية.
وينطبق هذا الأمر على العمليات العسكرية من مستوى ضابط بفريق القوات الخاصة التابعة للبحرية الأميركية يتولى مهمة تطهير أحد المخابئ الإرهابية، إلى مستوى القرارات التي اتخذتها عندما كنت أدميرالاً يحمل على كتفه أربع نجوم في أفغانستان. المؤكد أنَّ تطبيقات الذكاء الصناعي قوية، وسترفع بدرجة بالغة من مستوى أداء الجيش الذي يحصل عليها أولاً.
وعليه، فإنَّ الولايات المتحدة بحاجة إلى استراتيجية حكومية متناغمة وشاملة تتماشى مع القطاع الخاص. وينبغي أن تتضمن الاستراتيجية بعض العناصر الرئيسية التي ورد ذكرها في تقرير الذكاء الصناعي سالف الذكر، بما في ذلك الاستثمار بمجال البحث والتطوير.
ويوصي التقرير بتوفير 40 مليار دولار للجهود بمجال الذكاء الصناعي كدفعة أولى، بجانب تحديد مصادر المهارات والمواهب وتوفير حوافز، من أجل اجتذاب العناصر الأفضل نحو الخدمة الحكومية، وتدشين أكاديمية وطنية للفضاء السيبراني، وبناء قوة سيبرانية تابعة لوزارة الدفاع تتميز عناصرها بخبرة عميقة في مجال الذكاء الصناعي، بالتناغم مع قوة الفضاء الجديدة، وتوفير مشورات رفيعة المستوى للرئيس ومجلس الأمن الوطني فيما يخص الذكاء الصناعي، وبذل جهود أكبر لاجتذاب المهارات الدولية الكبرى من خلال الهجرة.
ومن بين الأمثلة على دور القطاع الخاص في مثل هذه الاستراتيجية الحقيقة الجيوسياسية الصادمة، المتمثلة في أنَّ الكثير للغاية من الرقائق الدقيقة عالية الجودة يجري تصنيعها في تايوان، التي تخضع لضغوط مستمرة من جانب الصين. اليوم، بات لزاماً على الولايات المتحدة إمعان النظر في سلاسل الإمداد العالمية، بدءاً من الرقائق الدقيقة.
الملاحظ اليوم أن الريادة الأميركية بمجال الذكاء الصناعي أصبحت ضعيفة وآخذة في التقلص، بل ويعتقد بعض المراقبين أنها ولت بالفعل. الواضح أن الذكاء الصناعي يرتبط ارتباطاً وثياً بالقدرات السيبرانية، الهجومية والدفاعية، خاصة مع ظهور الحوسبة الكمومية (بنية أكثر تعقيداً إلى حد كبير، تتقدم من وحدات ثنائية بسيطة إلى نقل المعلومات من خلال وضع مجموعة واسعة من الجسيمات بمواضع مختلفة)، ومجموعة الأسس التي اعتمدنا عليها في مجالي التشفير وأمن الكومبيوتر، في وقت أصبحت شبكات القيادة والسيطرة قديمة على نحو متزايد.
وأخيراً، يجب أن يكون المشغلون العسكريون من مختلف الأفرع العسكرية، خاصة الاستخبارات، جزءاً من ثورة الذكاء الصناعي. وللأسف، فإنَّ هذه المعركة تبدو الولايات المتحدة في أدنى مستويات استعدادها لخوضها.
*بالاتفاق مع «بلومبرغ»