فاي فلام
TT

التجلطات ليست العرَض الجانبي الوحيد للقاحات

يصعب على المرء أن يلوم الناس على ما يبدونه من قلق إزاء اللقاحات الجديدة ضد فيروس «كوفيد - 19» في ظل تواتر الشهادات الشفهية الكثير للغاية حول ظهور آثار جانبية غريبة -منها تعرُّض السيدات لتغييرات مقلقة في دورة الحيض.
وأصبحت التقارير التي تشير إلى تعرض سيدات لحدوث الدورة الشهرية قبل موعدها أو زيادة إفراز الجسم للدماء على نحو غير معتاد في أثنائها، شائعة للغاية في وقت مبكر من الربيع الحالي لدرجة دفعت عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة إلينوي كيت كلانسي، إلى الشروع في تجميع هذه التقارير.
وربما يتساءل الناس، وعن حق، عن السبب وراء عدم دراسة مثل هذه الآثار الجانبية على نحو ممنهج بدرجة أكبر.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن التجارب السريرية الأصلية جرى ترتيبها على نحو يرمي إلى الحصول على الحد الأدنى من المعلومات الأساسية المطلوبة للفوز بالموافقة على الاستخدام الطارئ للقاح، بينما كانت دراسة المتابعة أقل منهجية.
في الواقع نجد أن الاستيعاب والتعامل مع مثل هذه الأعراض الجانبية المقلقة ليس بالأمر الصعب. وقد أخبرني عدد من الأطباء الذين تحدثت إليهم حول أن ثمة نظاماً للإبلاغ عن الأعراض الجانبية يدعى «في - سيف»، لكنهم في انتظار ظهور أعراض أكبر وأكثر تنظيماً. ويتيح هذا النظام للأفراد متابعة مختلف أنماط التغييرات الجسدية في وقت حدوثها، بما في ذلك مثل هذه الاضطرابات الغريبة في دورة الحيض.
وثمة أدلة وفيرة حول اضطلاع الفوارق بين الجنسين بدور مهم في تحديد الاستجابة للقاح، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة أكبر. ومن الواضح أن النساء أكثر احتمالاً لأن يتعرضن لمعاينة أعراض بسيطة أو معتدلة، علاوة على أنهن أكثر احتمالاً لمعاينة الأعراض الجانبية الشديدة.
وتشير الإحصاءات إلى أن 22 من بين 28 شخصاً عانوا من تجلطات دموية، ربما تكون على صِلة بلقاح «جونسون آند جونسون» كانوا من السيدات. كما أن النساء يشكلن قرابة جميع أفراد العدد الصغير الذي عانى من رد فعل تحسسي شديد -صدمة الحساسية- في أعقاب تناول جرعات من لقاحات أخرى.
كما أن النساء أكثر احتمالاً بكثير لأن يعانين من طفح جلدي شديد وعلى نطاق واسع، بعد الحصول على لقاح ضد فيروس «كوفيد - 19»، ما يمثل عرضاً جانبياً آخر غير شائع، لكنه مزعج.
وحسبما علمت من الأبحاث التي أجريتها قبل كتابة هذا المقال بخصوص لقاحات «كوفيد - 19» والحمل، فإنَّ النساء والرجال غالباً ما تأتي ردود أفعالهم مختلفة تجاه العوامل المعدية واللقاحات، لأنَّ أنظمة المناعة داخل السيدات معدلة بحيث تتمكن من حماية جنين من العدوى، وكذلك عدم مهاجمة الخلايا الأجنبية المكوِّنة للجنين.
في هذا الصدد، أعربت الاختصاصية بمجال المناعة بجامعة «جونز هوبكنز»، سابرا كلين، عن اعتقادها أنه من غير المثير للدهشة أن تؤثر الهرمونات الجنسية وأجهزة المناعة في استجابة النوعين للقاح. وقالت إنها تقدمت بمقترح إلى معاهد الصحة الوطنية لدراسة مشكلات الحيض التي تتعرض لها السيدات. وسألتها حول ما إذا كان هناك أي تفهم لمسألة ما إذا كانت الآثار الجانبية الأخرى أكثر شيوعاً فقط بين أوساط السيدات في الفئة العمرية القادرة على الإنجاب، أم عبر جميع الفئات العمرية؟ وأجابت بأن هذا الأمر لم يخضع للدراسة بعد، لكن من الواجب دراسته.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن جميع السيدات اللائي أصبن بتجلطات دموية في أعقاب تلقي لقاح «جونسون آند جونسون» تراوحت أعمارهن بين 18 و48. ولا يزال الأطباء يتناقشون فيما بينهم حول ما إذا كان ينبغي نصح السيدات في الفئة العمرية التي تسمح بالإنجاب بتجنب الحصول على هذا اللقاح تحديداً واختيار آخر بديل، لكن كلين أوضحت أنه ما من أحد يُجري دراسة حول هذه المسألة.
من ناحية أخرى، حاول البعض التقليل من أهمية مشكلة التجلطات الدموية، مشيرين إلى أن حبوب منع الحمل مرتبطة هي الآخر بمخاطرة التعرض لتجلطات دموية. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل أيٍّ من المشكلتين. ومن الضروري بذل مزيد من الجهود لحماية النساء من التعرض لتجلطات دموية بسبب حبوب منع الحمل أيضاً.
جدير بالذكر أنه في الوقت الحالي يتمثل المصدر الأساسي للمعلومات العامة بخصوص الآثار الجانبية للقاح في موقع إلكتروني يدعى «منظومة الإبلاغ عن آثار سلبية للقاح» (فاكسين أدفيرس إفنتس ريبورتينغ سيستم)، لكنّ المعلومات المنشورة هناك تتسم بالتضليل أحياناً. وبالنظر إلى أن نصف سكان الولايات المتحدة يتلقون اللقاح في الوقت الراهن، فإنه من الحتمي أن البعض منهم سيصابون بأمراض شديدة، بل ويُتوفون لأسباب لا علاقة لها بحملة التطعيم.
على الجانب الآخر، لا يذكر الموقع بطبيعة الحال أي أعراض لا يعبأ الناس بتسجيلها عليه، خصوصاً أن غالبية الأشخاص ليس لديهم الوقت أو المعرفة أو الاهتمام الذي يؤهلهم لذلك.
أما السبب الصائب الذي يستدعي الثقة باللقاحات فهو أنها توفر حماية مبهرة في مواجهة فيروس فتّاك، وأن المواد التي تدفع بها إلى داخل الجسم سرعان ما تتحلل أو يدمرها الجهاز المناعي. وعلى خلاف الفيروس ذاته، ليس بمقدور هذه المواد نسخ نفسها، ومن المفترض أن كثيراً من الأعراض الجانبية للقاحات تتلاشى سريعاً.
أما السبب الخاطئ للثقة في اللقاحات فهو أن تكون نابعة من الثقة العمياء بمسؤولي الصحة العامة أو شركات الأدوية الكبرى.
في الواقع إن الفشل في دراسة الآثار الجانبية للقاحات على نحو ممنهج يمكن أن يسهم في تأجيج الشكوك تجاه اللقاحات -وبينما كانت النساء أسرع نحو المبادرة للحصول على اللقاح، فإنهن أكثر احتمالاً لأن يعربن عن قلقهن إزاء الآثار الجانبية للقاحات. والملاحَظ أن التردد إزاء الحصول على اللقاحات بدأ يسبب مشكلات بالفعل داخل دور الرعاية، تبعاً لتحقيق نشرته «بوسطن غلوب» في وقت قريب. وكشف التقرير أن عدداً من العاملين داخل دور الرعاية يرفضون تلقي اللقاح، إلى جانب أن بعض المقيمين الأحدث في هذه الدور لم يحصلوا عليه.
من ناحيتهم، يساور القلق الجماهير بخصوص اللقاحات لأنها جديدة، لكن الأشياء الجديدة لا ينبغي أن يساء فهمها بالضرورة. ونظراً لأن هذه الجرعات يجري توزيعها على ملايين كثيرة للغاية من الأفراد، من الممكن جمع كميات هائلة من البيانات حول السلامة والآثار الجانبية، إلى جانب بيانات حول متى ولماذا تصاب نسبة ضئيلة بالفيروس حتى بعد الحصول على اللقاح؟
والمؤكد أن هذه البيانات ستكون مفيدة في ظل احتمالات استمرار العالم في تحديث اللقاحات، ومن المحتمل أن تشكل الجزء الأهم من جهود مكافحة هذه الجائحة على مدار وقت طويل في المستقبل. وفي هذا الإطار، تتميز الثقة العامة بأهمية محورية، في وقت لا يزال باستطاعة مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها والأطباء والخبراء في مجال الصحة العامة بذل مزيد من الجهود لاكتساب هذه الثقة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»