سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

ما بين رام الله وغزّة

استمع إلى المقالة

تحدث الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة مساء الأحد نحو نصف ساعة إلى قناة «الجديد». وقد عبر بوضوح عن مرارتين: الأولى، المأساة الواقعة، والثانية تصرف «حماس» المنفرد وكأن لا وجود للسلطة أو لسائر القوى الفلسطينية من خلال منظمة التحرير. ووجّه تلميحات لاذعة، ليس من شأننا نقلها وتكرارها، لكنها تدل على عمق الاختلاف بين رام الله وغزة حول وسائل وسبل المواجهة.
مرة أخرى، القضية التي توحد العالم، تقسم الفلسطينيين. ومرة أخرى تتحول القضية من مواجهة مع إسرائيل إلى تجاذبات بين العرب، مضافاً إليهم في المرحلة الأخيرة، إيران. إسرائيل أيضاً في حالة انقسام شديد. نتنياهو يستخدم قصف غزة للنجاة بجلده السياسي، أو حتى البقاء في الحكم، لكن النتيجة واحدة، وهي أن غزة والفلسطينيين وفلسطين، هم من يدفعون الثمن، أولاً وأخيراً.
لا أحد يعرف متى وكيف سينتهي العدوان وتتوقف تسوية غزة بالأرض، لكن الأكيد أن الفريق الأضعف في الصراع هو ما يعرف بـ«المجتمع الدولي» وأداء مجلس الأمن. وسوف يظل كذلك ما دام يعمل بموجب نظام استعماري صبياني سخيف هو الفيتو، سواء هدد به الأميركيون أم الروس.
كل فريق يريد من مأساة غزة شيئاً ما. نتنياهو يريد بقائيته السياسية مهما كان الثمن. وقبله ثبت أن الرئيسين ليندون جونسون وريتشارد نيكسون عملا على تأخير الحسم في حرب فيتنام، لأسباب انتخابية. كان مهماً عدد المقترعين لا أعداد القتلى والضحايا. و«حماس» تريد أن تقول إن القوة العسكرية عندها لا في رام الله. وإيران تريد أن تقول إن العرب اختاروا السلام، بينما هي لا تزال في معركة المفاوضات مع أميركا للخروج من مأزق العقوبات، لكن مهما كانت الرغبات والآثار الجانبية، يظل الشعب الفلسطيني هو المسألة. ولا حلول من دونه ومن دون إرادته. والقضية ليست صفقة، بل قضية وبشر وحقوق لا منّة فيها.
تخوض غزة حرباً غير متكافئة في وجه آلة طاغية، ولا يستطيع الآخرون أن يمدوها بأكثر من المظاهرات، أو البيانات والخطب، لكن الشعب الفلسطيني يدرك الآن أنه مهما كان التقصير العربي، فإن الابتعاد عن العرب كان خياراً متسرعاً. «القرار الفلسطيني المستقل» شيء والخروج من الإطار العربي شيء آخر. لا حياة لفلسطين خارج عروبتها، مهما عانت من الأنظمة في الماضي؛ فالشعوب لا تزال تهب من أجلها عند كل محنة ومنعطف.