مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

تجديد الشيخ الطيب وفتوى ابن عثيمين

الإصلاح الديني موضوع قديم متجدد، بل إن التجديد نفسه مفهوم ديني محمود، فقد روى أبوداود وغيره هذا الحديث النبوي: «يبعث الله على رأس كل مائة مَن يجدد لهذه الأمة أمر دينها». حتى إن هذا المفهوم تحول لتيار تاريخي كبير لدى مسلمي القارة الهندية (التيار المجددي)، وتلقب به رجال وأسر حتى اليوم.
كل هذا معلوم، وله كلامه في مواضعه المعروفة، غير أن الحاجة للتجديد اليوم أعظم من كل وقت، وإعادة تعبئة هذا المفهوم بحمولة جديدة تستجيب لتحديات وتحولات اليوم أولى.
إذا كان، وهذا مثل مشهور لدى الدارسين، الإمام الشافعي حين تحول من العراق لمصر غير كثيراً في اجتهاداته، فما بالنا اليوم مع ثورات متعاقبة منذ القرنين الماضيين حتى راهننا، صناعية وسياسية وفلسفية ومواصلات، والآن نعيش في ظل الثورة الرقمية الجبارة.
وعلى ذكر مصر، فإن شيخ الأزهر، أحمد الطيب، أعلن عن جملة من المواقف الدينية التجديدية، بعضهم يفضل وصفها بالفتاوى الفقهية الميسرة، تتعلق بالمرأة، منها أنه:
يجوز للمرأة تولي الوظائف العليا والقضاء والإفتاء، والسفر من دون محرم متى كان آمناً، والطلاق التعسفي بغير سبب حرام وجريمة أخلاقية، ولا وجود لبيت الطاعة في الإسلام، ولا يحق للولي منع تزويج المرأة بكفء ترضاه من دون سبب مقبول، وللمرأة أن تحدد لها نصيباً من ثروة زوجها إذا أسهمت في تنميتها.
والمثير أنه رغم مكانة شيخ الأزهر، بحكم منصبه وعراقة الأزهر، وبحكم مكانة الشيخ الطيب نفسه الدينية، خاصة في الصعيد، فإنه وجد من يعترض عليه دينياً؛ «بي بي سي» عربي نقلت عمن وصفته بالمحامي، أحمد مهران، رفضه لتلك الفكرة، مشيراً إلى أن تصريحات الطيب تفتح الباب للبنات أن يخرجن ويسافرن من بيوت أهلهن من دون محاسبة أو إذن.
لكن الشيخ الطيب أشار إلى أنه مع تغير نظام السفر في العصر الحديث إلى سبل أكثر أمناً، فإن الاجتهاد الشرعي «لا مفر منه»، من إقرار جواز السفر بشرط الرفقة الآمنة، قياساً على إقرار المذهب المالكي لذلك بالنسبة لسفر المرأة للحج منذ زمن طويل.
المراد قوله أن تيار الرفض والممانعة لن يتلاشى، حتى لأسهل التغييرات الطفيفة، ناهيك من التغييرات الثورية، حتى لو صدر التغيير من رؤوس الفقهاء والعلماء.
أتذكر طرفة حصلت منذ زمن: كاتب سعودي يصفه محبوه بالوطني، وهو جاهل تماماً بالفتاوى وتاريخ الفقه عامة، بل جاهل بفتاوى أعلام فقهاء السعودية، ومنهم المرحوم الشيخ محمد بن عثيمين الذي كان يفتي، وهي فتوى مسجلة، بأنه يجب غلق مكبرات الصوت الخارجية للمساجد، وعدم رفع الصلاة فيها، وذلك منعاً لأذية المساجد القريبة والتشويش عليها، وأيضاً منعاً لأذية أهالي البيوت القريبة من المسجد. هذه فتوى الشيخ الفقيه ابن عثيمين، بينما صديقنا الكاتب الغيور يهاجم من يطالب بذلك من المنحلين الليبراليين... وما درى، وما كان له أن يدري، عن فتوى ابن عثيمين!
تعالوا، فانظروا بمن ابتلاني...