إميل أمين
كاتب مصري
TT

الترفيه... قضية اقتصاد وأمن قومي

في الأيام القليلة المنصرمة، أنعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بوسام «وشاح الملك عبد العزيز من الطبقة الثانية»، على رئيس الهيئة العامة للترفيه في المملكة، الأستاذ تركي آل الشيخ، تقديراً لما قدمه ويقدمه لمؤسسات المملكة، خصوصاً الدور المنوط به ضمن سياق رؤية 2030 التنويرية والتقدمية، التي يقود خطاها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أولى قضية الترفيه أهمية كبرى منذ العام 2016 وحتى الساعة.
ما الذي يمثله الترفيه بالنسبة للمملكة العربية السعودية في الحال والاستقبال، وهل الأمر يتوقف عند حدود الريع الاقتصادي الناجم عن الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية لصناعة الترفيه، أم أن هناك بُعداً موصولاً بالأمن القومي للسعودية بشكل خاص، ولعموم المنطقة بوجه عام؟
الشاهد أنه حين أعلنت المملكة في 7 مايو (أيار) 2016 إنشاء الهيئة العامة للترفيه، التي تُعنى بكل ما يتعلق بنشاط الترفيه في البلاد، كانت القيادة السياسية تضع في تقديرها محورين أساسيين لهذا التوجه الذي يندرج في إطار أفكار الابتكار..
المحور الأول: يدور حول تحقيق حالة التوازن والانضباط النفسي والجسمي، في سياق مواجهة مخاطر الأمن الفكري والسلوكي، لا سيما عند الأجيال الصاعدة في المملكة.
المحور الثاني: تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، وتجاوز عتبة الريع النفطي الخام، ومن غير أي حوامل اقتصادية أخرى تساعد على توفير المزيد من فرص العمل، وزيادة الناتج القومي المحلي.
يدفعنا المحور الأول للحديث عن العلاقة العضوية بين الترفيه البريء، الذي لا يخالف شرعاً ولا يجافي ديناً، وبين القضاء على الإرهاب والتطرف.
يدخل الترفيه البهجة على النفوس، ويذهب عنها عناء الحياة بما فيها من منغصات ومتطلبات، وينتشل الشباب من أيادي المتشددين الذين قد يسوقونهم إلى الغلو والجنوح.
والثابت كذلك أنه في الأوقات المعاصرة، وعلى مستوى العالم، باتت الأحداث تتدافع بشكل غير مسبوق، نتيجة لأزمات الحياة وتعقيداتها ونوازل الأحداث وسرعة جريانها، ناهيك عن الأزمات الاقتصادية التي جعلت تروس عجلة الحياة تطحن كثيرين تحتها، ما ولّد ويولّد ضغوطاً نفسية، حكماً سوف تدفع البعض للمضي بعيداً عن جادة الصواب.
الذين لديهم علم من كتاب علم النفس، يدركون جيداً معنى ومبنى العلاقة بين الكبت والإسقاط، والأمر ببساطة هو أن كل ما سبق، وما تعززه وسائل الإعلام الحديثة من حالات القلق والاكتئاب، حكماً سوف يدفع إلى دائرة الإسقاط، وعادة ما تكون هروباً إلى الأفكار المؤدلجة المغلوطة، لتكسب الفئة الضالة مزيداً من النفوس والعقول التي تزيد اشتعال نيران التطرف والعنف، أو تذهب بالبعض الآخر إلى دائرة الإدمان.
أضحى الإدمان في زمننا الراهن صنوفاً وألواناً، إذ لم يعد إدمان المخدرات هو المهدد الوحيد، فقد أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي أنواعاً أكثر خطورة من إدمان المخدرات، كفيلة بأن تذهب العقول، وتفقد اقتصادات الأمم والشعوب القيمة المضافة للفرص البديلة الضائعة.
يبقى الترفيه إذن مكسباً استراتيجياً موصولاً بحماية الأمن القومي، إذ يعيد بناء التوازن النفسي، ويفتح مسارات لتفريغ شحنات الضغوط النفسية، ويقطع الطريق على أوبئة العصر من نوعية أمراض الإحباط والاكتئاب، الطريق المؤدي إلى الإرهاب بشكل أو بآخر، ولهذا من الطبيعي أن يعتبر المتطرفون أن الترفيه وصناعته عدوهم الأول من غير منازع.
ماذا عن المحور الثاني والخاص بأهمية صناعة الترفيه في عالم الاقتصاد السعودي؟
في مقابلة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع قناة العربية في شهر مايو من عام 2017، أكد أن إنشاء صناعة تسلية وترفيه، يمكن أن يساعد المملكة في سعيها لإنهاء اعتمادها على النفط كمصدر وحيد للدخل.
غداة تدشين الهيئة العامة للترفيه، كان الأمير محمد بن سلمان يؤكد على ضرورة دفع الحكومة إلى تفعيل دور الصناديق الحكومية المختلفة في تأسيس المراكز الترفيهية وتطويرها، وتشجيع المستثمرين من داخل السعودية وخارجها، وعقد الشراكات مع شركات الترفيه العالمية، وتخصيص الأراضي لإقامة المشروعات الثقافية والترفيهية من مكتبات ومتاحف وفنون وغيرها.
يمكن القطع بأن ما تقدم يعبر عن الرؤية، ويبقى الهدف أن تصبح السعودية ضمن أول أربع وجهات ترفيهية في آسيا، وبين أول عشر وجهات ترفيهية بالعالم.
تبدو صناعة الترفيه متجلية بأنفع وأرفع مثال في مشروع «القدية»، أكبر مدينة ترفيهية في العالم على مساحة 334 كيلومتراً مربعاً، هذه المدينة، وبحسب ولي العهد، ستصبح معلماً حضارياً بارزاً ومركزاً مهماً لتلبية رغبات واحتياجات جيل المستقبل الترفيهية والثقافية والاجتماعية في المملكة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، ستضيف نحو 17 مليار ريال سنوياً للاقتصاد السعودي، وتوفر 30 مليار دولار ينفقها السعوديون كل عام على السياحة خارج البلاد، كما سيعمل في المشروع أكثر من سبعة ملايين سعودي، وسوف يستقطب أكثر من 31 مليون زائر.
الخلاصة... الترفيه السعودي يعني صيانة للأمن القومي وتعزيزاً لنجاحات اقتصادية وثّابة.