روس دوثات
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

عندما يتحول الوعي بالمشكلات الاجتماعية نقطة ضعف

في وقت قريب، أثار جيمس كارفيل، أحد أبرز أنصار كلينتون بين أنصار الحزب الديمقراطي، موجة جدال متوقعة بعدما اشتكى بخصوص «الوعي بالمشكلات الاجتماعية» خلال مقابلة أجراها معه شون إيلينغ من «فوكس».
الحقيقة أن لكل شخص تعريفاً مختلفاً لما يعنيه «الوعي بالمشكلات الاجتماعية»، لكن التعريف الذي طرحه كارفيل يتردد كثيراً على ألسنة الديمقراطيين أصحاب التفكير الاستراتيجي. ويدور هذا التعريف حول أن «الوعي بالمشكلات الاجتماعية» يعني استخدام لغة أهل النخبة من أصحاب الفكر التقدمي والمستوى التعليمي الرفيع للغاية. ومع دخول هذه اللغة لعالم السياسة، نفر الكثير من الأشخاص العاديين منها.
ونظراً لصياغة إطار القضية على هذا النحو، نجد أن الجدالات التي تدور داخل جدران الحزب الديمقراطي حول التوجهات التقدمية الجديدة غالباً ما تختزل في اختيار الكلمات. مثلاً: هل يبدو خطابك أكثر شمولاً أم غير متوافق مع الذوق العام إذا ما استخدمت لفظ «لاتيني» بدلاً عن «إسباني»؟ هل تحصد مزيداً من الدعم لسياسات مكافحة الفقر التي تقترحها إذا تحدثت عن الإنصاف العنصري أن إعادة التوزيع على أساسا عرقي؟ هل يشعر الناخبون حقاً بالقلق حيال «ثقافة الإلغاء»، أم أن شخصيات مثل كارفيل تخطئ بالنظر إلى الفقاعات التي تروج لها «فوكس نيوز» باعتبارها حقائق؟
إلا أنه في الوقت ذاته، أعتقد أن المشكلة التي يصفها كارفيل ما يزال باستطاعة الديمقراطيين التعامل معها، وذلك لأن الناخبين الأساسيين للحزب تمكنوا من ابتكار سبيل للتعامل معها. على سبيل المثال، أنجز ناخبو الحزب ذلك من خلال عدم ترشيح إليزابيث وارين، وترشيح جو بايدن بدلاً عنها، أو إذا أردنا نزع الصبغة الشخصية عن هذه الاستراتيجية، يمكننا القول ببساطة إن الناخبين قرروا عدم اختيار مرشح يتحدث وكأنه عضو في جامعة هارفارد، واختاروا بدلاً عنه مرشحاً يتحدث مثل عضو في الحزب الديمقراطي يتبع النهج القديم للحزب.
ومع أن هذا النهج لا يطرح حلاً كاملاً لمشكلة النظر إلى الحزب باعتباره «حزباً حضرياً ساحلياً متغطرساً»، حسب الصيغة التي طرحها كارفيل، فإنه يسهم على الأقل في التخفيف من حدتها. وعبر هذا السبيل، تمكن الديمقراطيون من الفوز بكل من الكونغرس والبيت الأبيض عام 2020 رغم أن المؤسسات النخبوية كان يجري جذبها نحو اليسار نتيجة صعود توجه «الوعي بالمشكلات الاجتماعية».
أما إذا تحولت التوجهات التقدمية الجديدة إلى كارثة سياسية بحق للديمقراطيين، فإن هذا من المحتمل أن يكون نتيجة ليس مجرد اتباع خطاب نخبوي فحسب، وإنما كذلك انتهاج سياسة إخفاق كبرى فيما يخص بالعدالة الاجتماعية.
أما أكبر قطاعين يبدو من المحتمل حدوث هذا الأمر بهما فهما الجريمة والتعليم. وتبدو الجريمة القضية الأكثر إلحاحاً في الوقت الراهن، خاصةً أن العام 2020 شهد ارتفاعاً هائلاً في معدلات جرائم القتل، لتعود البلاد لما كان عليه الحال أواخر عقد تسعينات القرن الماضي. وحتى هذه اللحظة يبدو هذا الأمر مستمراً خلال العام 2021. وخلال خطابه أمام الكونغرس، مؤخراً، ربط بايدن على نحو مبهم ما بين «إراقة الدماء» المستمر والنقاش الدائر حول حظر الأسلحة ويحمل نبرة ليبرالية.
بيد أنه في واقع الأمر لا يأتي الضرر الأكبر في إطار موجة أعمال القتل الحالية من امتلاك الأسلحة، وإنما على ما يبدو، يمثل تراجع الروح المعنوية لدى أفراد الشرطة وانسحابهم في أعقاب المظاهرات وأعمال الشغب، عاملاً محورياً هنا ـ بجانب إغلاق المدارس خلال جائحة فيروس «كورونا» المستجد وانتشار ارتداء أقنعة الوجه على نطاق واسع وتوقف مظاهر الحياة الطبيعية على نطاق واسع جراء الجائحة.
وربما سنعود إلى المستويات التي سادت قبل عام 2020 مع استعادة مظاهر الحياة الطبيعية المألوفة. أما إذا لم يحدث ذلك، فإن مشكلة الديمقراطيين حينها لن تكون خطابهم المنفر المتعلق بإلغاء الشرطة، وإنما ستصبح واقع تفاقم أعمال القتال وضحاياها في وقت يكافح السياسيون الليبراليون للتفاوض فيما بين نشطاء ومتظاهرين ومدعين أصحاب توجهات تقدمية وضباط شرطة.
ومن الممكن أن يؤدي هذا الإخفاق إلى تفاقم التوجه المحدود، حتى الآن، المتمثل في انجراف بعض أصحاب الأصول الآسيوية والإسبانية والأفريقية من أصحاب التوجهات المحافظة، نحو اليمين، ليتحول هذا التوجه إلى مشكلة وجودية للحزب، مثلما كان الحال عندما هجر أبناء العرق الأبيض الحزب الديمقراطي في ظل إدارتي ريتشارد نيكسون ورونالد ريغان.
في مجال التعليم، لا تبدو المخاطر كبيرة، لكن الديناميكيات العامة ربما تكون مشابهة. في أفضل السيناريوهات الممكنة للديمقراطيين، ستعيد المدارس داخل الولايات الداعمة للحزب الديمقراطي فتح أبوابها هذا الخريف دونما حوادث، بينما تتحول المناهج المناهضة للعنصرية التي يروج لها التقدميون إلى ما يشبه حصة الدين داخل مدرسة يغلب عليها الطابع الدنيوي، بحيث لا تترك هذه المناهج اختلافاً يذكر على عمليات التعليم اليومية.
أما في أسوأ السيناريوهات، تسير عملية إعادة فتح المدارس على نحو سيئ في الوقت الذي يثور سخط الآباء والأمهات الذين اعتادوا التصويت لصالح الحزب الديمقراطي بسبب اختفاء مدارس وبرامج الطلاب الموهوبين وأصحاب المهارات باسم جهود إقرار المساواة ومحاربة العنصرية. في هذه الحالة قد تظهر أزمة مؤسساتية مع تخلي المزيد من الآباء والأمهات عن المدارس العامة، وأزمة سياسية مع اتباع مزيد من الآباء والأمهات المهاجرين حديثاً نهج من سبقوهم من المهاجرين القادمين من إيطاليا ويتحولون نحو اليمين.
في الحقيقة لدي أصدقاء ليبراليون يخالجهم القلق بخصوص هذه الاحتمالات، لكنهم يطمئنون أنفسهم بالتفكير فيها باعتبارها مجرد تحديات محلية وتتركز داخل مناطق لم يعد للجمهوريين وجود فيها.
جدير بالذكر في هذا الصدد أن دونالد ترمب زاد من أعداد الأصوات التي نالها في مناطق غير متوقعة خلال عام 2020، ما يعني أنه ما من سبب يدعو لافتراض أن جمهوريين آخرين سيعجزون عن ذلك. وعليه، فإن التساؤل الأكبر أمام الديمقراطيين اليوم ليس كيف ينفر الخطاب النخبوي الناخبين المتأرجحين اليوم، وإنما كيف يمكن أن تصنع السياسات اليسارية اليوم ناخبين متأرجحين غداً، إذا خرجت المدينة الليبرالية عن نطاق السيطرة من جديد.

- بالاتفاق مع «بلومبرغ»