حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

حروب المستقبل!

عندما صرح وزير الدفاع الأميركي مؤخراً بأن الحروب المستقبلية ستكون مختلفة تماماً وغير تقليدية، ترك الكثير لخيال المتلقي أن يسبح في آفاق ما يمكن أن يحصل وكيفية تحقيقه.
أفلام الخيال العلمي قد تتيح لنا فرصة النظر من ثقب باب المستقبل لتوقع ما هو آتٍ على الرغم من «شطحاتها» التي قد يصعب الاقتناع بها في معظم الأحيان. ومنذ نهاية الخمسينات الميلادية من القرن الماضي، والحروب العسكرية وأدواتها تشهد تطورات أقل ما يمكن أن توصف به أنها ثورية. فالبحرية الأميركية أقدمت على تطوير وسائل التواصل والاتصالات وأنشأت الشبكة الداخلية للتواصل عام 1956، والتي كانت البذرة الأولى والنواة التأسيسية لما سوف يعرف لاحقاً بالشبكة العنكبوتية العالمية أو كما أصبحت تعرف بالإنترنت اختصاراً. ثم طور الاتحاد السوفياتي ترسانة مهمة من الأسلحة الكيماوية المعقدة. ثم جاءت مرحلة الصواريخ الباليستية متعددة الرؤوس العابرة للقارات، التي أحدثت نقلة نوعية ضخمة في قدرات كل فريق، وأضافت من أدوات التهديد وقدرات التدمير لكل منهما. وكان هناك كثير من التطورات الكبرى التي لحقت بمنظومة السلاح التقليدية، التي شملت السفن وحاملات الطائرات والطائرات النفاثة المقاتلة والغواصات والدبابات والعربات المدرعة والمصفحة والرادارات وأنظمة مراقبة الحدود، وكذلك زاد الاعتماد وبشكل كبير وأساسي على أجهزة الأقمار الصناعية المنتشرة وبشكل هائل في أنحاء العالم للمعلومات والمراقبة والتحليل والتجسس، وساعد في هذا الأمر التطور المذهل الذي كان يصل في مجالات الحاسوب الآلى وتطور قدرات الذكاء الصناعي فيه إلى ازدياد إمكانات التحليل والتقييم والفرز لكل المعلومات التي تقدم إليه.
أيضاً في حقبة الثمانينات الميلادية قدمت أميركا للعالم الطائرة الشبح التي لا تستطيع أجهزة الرادار المتطورة تقفي أثرها أو مراقبتها، واعتبر هذا الأمر بمثابة ثورة عسكرية كبرى في وقتها. وبالنسبة للإنتاج الأميركي المتجدد من العتاد العسكري، فتقع مسؤولية القيام بأفكاره على عاتق وكالة «داربا» أحد أجنحة وزارة الدفاع الأميركية المعروفة باسم «البنتاغون»، وهي وكالة سرية للغاية أسست عام 1958، كرد أميركي بعد أن أطلق الاتحاد السوفياتي مركبته «سبوتنيك» إلى الفضاء بضربة استباقية قبل الولايات المتحدة. وكانت المهمة التي كلفت بها «داربا» هي إيجاد أسلحة المستقبل التي لا يمكن تخيلها، وفي العقود التي تلت تأسيسها أصبحت «داربا» المسؤولة عن كثير من الاختراعات التي اعتمدت لتطوير الأسلحة في الترسانة الأميركية العريضة. وقد تعرضت لهذا الموضوع المهم بشكل معمق ودقيق الكاتبة الأميركية شارو واينبرغر في كتابها المهم «متخيلو الحرب: القصة التي لم تُروَ عن (داربا) وكالة البنتاغون التي غيرت العالم».
في هذا الكتاب تخلص الكاتبة إلى أن حروب المستقبل ستكون آلية إلى حد كبير يعتمد فيها على تحليل وقرار الذكاء الصناعي بحدود دنيا من التدخل البشري. ولكن هناك شيئاً ما يحدث وهو يثير القلق الأميركي لأن الاستخبارات الأميركية بقيت حتى الآن عاجزة عن فهم أو تفسير ما يحصل. إنها ظاهرة «متلازمة هافانا» أو أحداث الاعتداءات البيولوجية باستخدام الطاقة الموجهة، وأصيب بها أفراد من السفارة الأميركية بالعاصمة الكوبية هافانا، ثم تكررت الحوادث نفسها ضد موظفين أميركيين في روسيا والصين، أخيراً في العاصمة الأميركية واشنطن نفسها بالقرب من البيت الأبيض، ليصبح عدد المصابين بهذه النوعية من الحوادث منذ عام 2016 أكثر من خمسين شخصاً، ما يدل على أن العمليات موجهة وممنهجة بدقة واحترافية عالية، مع عدم إغفال عمليات مطابقة تماماً لما ذكر، أصابت الجنود الأميركيين في سوريا أيضاً. وقد يكون العالم دخل في مرحلة حرب جديدة ومفتوحة من الحروب المعتمدة على الأسلحة البيولوجية.
توجيه الطاقة ليس بالفكرة الجديدة، إذ عمل عليها الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يقدر لهم إتمام ما كانوا يقومون به وذلك لهزيمتهم. وتشير الأدلة المبدئية إلى أن العالم على موعد مع سلاح فتاك جديد قاتل شبح لا تدركه العيون، يمتلك القدرات على إنزال أكبر الخسائر لدى الخصوم وسيوفر الأموال والعتاد الذي كانت عليه الجيوش التقليدية، وربما ينهي جدوى وتكاليف الأسلحة النووية إلى الأبد، لأنه باختصار ذو فاعلية أكبر وأكثر تأثيراً، ويبقى السؤال كيف سيكون الرد الأميركي عليه.
نعيش اليوم الحلقة الأولى من مسلسل حروب المستقبل.