مبدياً الإعجاب بنجاح غير عادي حققه لؤي البسيوني، خاطب جون سنو، نجم القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني، المهندس الغزاوي الشاب، قائلاً له، فيما تعلو وجهه ابتسامة، ما مضمونه؛ لديك مخ مدهش، بلا شك، كيف أمكنك تحقيق ذلك الإنجاز؟ بسلاسة تُدهش حقاً، وبطلاقة إنجليزية ذات لكنة أميركية، مازح لؤي محاورَه قائلاً إنه يؤمن بالمهمات المستحيلة، ثم انطلق يشرح علمياً آليات إطلاق المروحية «Ingenuity»، وتمكينها من التحليق في فضاء كوكب المريخ، يوم الاثنين قبل الماضي (19/4/2021). استعاد سنو قول البسيوني إن الوصول إلى المريخ صار يبدو له أسهل من الذهاب إلى قطاع غزة، ثم سأله عما إذا كان ينوي المحاولة بعد آخر مرة زار فيها بلده. أكد الشاب أنه يتمنى ذلك، وكرر القول إن زيارته الأخيرة تمت عام 2000، ثم أوضح أن منطق العلم هو الذي أنجح جهود فريق كامل، وليس هو وحده، في إنجاز تحليق الهيلوكوبتر «إنجينوتي» في فضاء المريخ، بينما يختلف الأمر كلياً عندما يتعلق بما يجري سياسياً. ضمن هذا السياق، يمكن القول إن العلم مكن الشاب الغزاوي أن «يغزو» الكوكب الأحمر، من مقر عمله في وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، بينما، في المقابل، ربما تعجز كل علوم السياسة، بمختلف مدارسها، عن إقناع ساسة إسرائيل بمبدأ في منتهى الوضوح، خلاصته هي أن يُسلِموا بحق الفلسطينيين المشروع، والمُقَر دولياً، في إقامة دولتهم فوق أرضهم، مقابل أن يحصلوا على سلام قابل للحياة فعلاً.
القناة البريطانية عرضت لقاءها مع لؤي البسيوني بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق العشرين للشهر الحالي (أبريل/ نيسان) ضمن نشرتها الإخبارية الرئيسية. من جهتي، طالعت الخبر، وشاهدت اللقاء بعد ظهر السبت الموالي لذلك اليوم، بعدما أمكنني ذلك عبر رابط وصلني من الصديق هشام بن غلبون، الذي بدوره اطلع عليه من خلال صديق له هو طارق شعبان. سارعت أبحث عن مزيد من تفاصيل ذلك الحدث المميز، وأتطلع للتعرف أكثر على قصة الشاب الغزاوي المدهشة بالفعل. زرت معظم المواقع الفلسطينية ذات الانتشار الواسع، فلم أعثر على شيء يُذكر. أدهشني الأمر، ولم يفاجئني. هل هو جهل لأن الخبر لم يصل القائمين على تلك المواقع؟ احتمال. أم تُرى هو تجاهل متعمد؟ محتمل أيضاً. في الحالتين، الأمر مؤلم. بالتأكيد، يثير الألم أن يغيب هكذا خبر فلسطيني مفرح، فيما تنشغل منابر إعلام فلسطيني ذات حضور عربي، وربما دولي، مؤثر، في كل المعارك السياسية الدائرة بين أطراف عربية، وأن تهتم، مثلاً، بتبييض وجه تركيا، والرئيس إردوغان شخصياً، فتنهض للدفاع عنه إزاء موقف الرئيس الأميركي جو بايدن مما تعرض له الأرمن. أو أن تعطي أكثر مما يجب من الاهتمام لكل ما يصدر عن حكام إيران، إرضاء لحلفاء طهران في الفضاء الفلسطيني.
مررت بالحالة ذاتها عندما علمت بقصة سها القيشاوي، الشابة الغزاوية، التي تعمل هي أيضاً، وبتفوق، في وكالة «ناسا» من خلال صديقات لها على موقع «فيسبوك»، وأشرت إلى ذلك في مقال لي بجريدة «الشرق الأوسط» في العاشر من مارس (آذار) الماضي. نعم، حصل اهتمام لاحق، وبشكل مِهني لائق، من قِبل أكثر من موقع فلسطيني بقصة الشاب لؤي البسيوني، ومن جانب مواقع عربية كذلك. لكن يبقى من الجائز التساؤل عن مبرر غياب الاهتمام في حينه، ولماذا تسبق قناة بريطانية المواقع الفلسطينية في إبراز خبر فلسطيني، خصوصاً حين يتعلق بإنجاز علمي، أو إنساني، أو إبداعي؟ حصل هذا مرات عدة، ويمكن إيراد أمثلة من أمس قريب وآخر بعيد. ثمة تفسير سمعته يتردد أكثر من مرة، وفي غير مجلس، جوهر مضمونه أن عامل الغيرة هو الأساس. عندما تتساءل؛ ولكن هل يمكن أن تصل الغيرة حد أن يجحد المرء نجاح غيره حتى لو أنه إنجاز مفرح لشعب بأكمله؟ إذ ذاك، سوف يأتيك جواب قد يبدو أبعد من كل صواب، فيقال لك إن سوس الغيرة إذا بدأ ينخر نفس أحد، ولم يبادر الفرد ذاته إلى السيطرة عليه، فقد يتغلغل وينتشر حتى يضرب المخ، وساعتئذ لن يكون أي دماغ غيور في وضع يمكنه من الحكم على أي أمر بالعقل وحده. هل من عجب، إذنْ، إذا جرى، عن سابق قصد، تجاهل أن التاريخ سجل لابن غزة، الشاب لؤي البسيوني، أنه بالعلم «غزا» كوكب المريخ؟
TT
للتاريخ: غزاوي «غزا» المريخ
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة