سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

فرسان البر وأمراء البحار: المنافس السري

كما أن شاكلتون اعتمد على خبرة سكوت من أجل محاولته الوصول إلى القطب، قرّر سكوت أيضاً أن يدرس بدوره محاولة منافسه ليستفيد من خبرته، خصوصاً أن الخبرة تنحصر بشخصهما كونهما الوحيدين اللذين سافرا على نطاقٍ واسع في أراضي أنتاركتيكا. واستنتج سكوت أنه ما عليه سوى أن يحسب حساب المسافة الأخيرة التي عجز شاكلتون عن اجتيازها، فيزيد إمداداته ويختار فريقاً أقوى. وبالإضافة إلى ذلك، كان سكوت مصمماً على جعل رحلته الاستكشافية الثانية ذات نجاح علمي أكبر من رحلته الأولى، مما دفع به إلى ضم أهم العلماء إلى فريقه. فهدفه كان مزدوجاً: أن يكون سبّاقاً في الوصول إلى القطب، وأن يعزّز الاكتشافات العلميّة.
ولم يكن سكوت يعلم بوجود أي منافسٍ له، لذا، لم يكن ينوي أن يتحرك جنوباً قبل أن تتحسن الظروف المناخية الموسمية. فهو كان يسابق الطقس وليس أي إنسان، وقد وضع مخططه على هذا الأساس. ولكنه لم يكن يعلم أن روال أموندسن النرويجي، صاحب أكبر خبرة في استكشاف القطب الشمالي، كان يخطط في أواخر عام 1909 للوصول قبله إلى القطب الجنوبي. وكان أموندسن ينوي أن يكون الأول في الوصول إلى القطب الشمالي، ولكن بعد أن ادعى روبرت بيري الأميركي تحقيق ذلك قبله، حوّل أموندسن تركيزه بشكلٍ سري إلى القطب الجنوبي، من دون أن يُعلم سكوت بذلك طبعاً، ولم يُخبر بمخططه هذا سوى أخيه. فخدع العالم بأسره، وفريق زملائه أنفسهم. فالجميع كان يخاله ما زال مصمماً على السفر إلى القطب الشمالي.
ومن جهته، كان سكوت غافلاً عمّا كان يحدث، وبقي كذلك حتى حين حاول الاتصال بأموندسن ليطلب منه بعض النصائح. وكان سكوت يخطط للسفر من دون استخدام الآلات ولا حتى الكلاب، التي اتضح لاحقاً أنها كانت ستكون مفيدة له في أثناء السباق. إلا أنه لم يكن يخطط نهائياً على أساس السرعة، بل على أساس الاستمرارية. وفي التحليلات اللاحقة، يعتبر بعض العلماء أن النتيجة لكانت مختلفة لو أن لسكوت فرصة التنافس العادل مع أموندسن.
وكان أموندسن يعرف تفاصيل رحلة سكوت، وأن خطة البريطاني كانت تتضمن برنامجاً علمياً كبيراً وعدداً من العلماء ومجموعة من المعدات المرهقة، وأن فريقه كان مؤلفاً من 65 فرداً. أما أموندسن، فلم يصطحب معه أي علماء، بل اختار مجموعة مقتضبة من أفضل المتزلجين وكان عددهم تسعة عشر، بالإضافة إلى عددٍ كبير من الكلاب التي تجر الزلاجات.
بعد مرور شتاء عام 1910، انطلق إذن فريق سكوت إلى القطب الجنوبي في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني)، فيما كان قد انطلق فريق أموندسن إلى الهدف عينه ولكن قبل اثني عشر يوماً، علماً بأنه اتخذ نقطة لانطلاقه منطقة أقرب إلى القطب من نقطة انطلاق سكوت. وبالإضافة، كان الحظ حليف النرويجي حين اقتاده المسار الذي اختاره إلى الطريق ذي الأرضية الثلجية المسطحة التي تجنبه المرور بالهوّات الثلجية الصعبة، ما لم يكن متاحاً على الإطلاق على مسار سكوت - شاكلتون.
إلى اللقاء...