علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

نصيحة بلا ترخيص

أخبرتكم الأسبوع الماضي عن قصة رجل الأعمال الذي اشترى أسهماً في السوق الأميركية، وبعد نحو ستة أشهر ربح 50 في المائة، وحينما ذهب إلى البنك وأراد أن يبيع حاول موظف البنك أن يثنيه ظناً من الموظف أن السوق سترتفع، ولكن رجل الأعمال باع ما لديه وهبطت السوق.
وذكرت لكم أن تصرف موظف البنك تصرف خاطئ، إذ لا يحق له أن يسدي النصائح، بل عليه تنفيذ أوامر أصحاب المحافظ فقط سواء كانت بيعاً أم شراءً.
وقد ذكرت لكم أن مثل هذا الإجراء لو علمه عنه البنك لعاقب الموظف، وهنا يجب أن نفرق بين أمرين، فهناك وسيط البيع والشراء وهو موظف مرخص لأداء هذه المهمة فقط ولا يحق له أن يسدي النصائح بالبيع أو الشراء للزبائن، إذ إنه لا يملك الخبرة أو الشهادات اللازمة لإعطاء النصائح، وهناك موظف الاستثمار الذي يعمل في إدارة الاستثمار في البنك أو في الشركة المالية، وهو موظف مؤهل ويملك الشهادات اللازمة لإعطاء النصائح، بالإضافة إلى حصوله على الشهادات الدراسية، فهو يملك ترخيصاً من هيئة سوق المال لأداء مثل هذه المهمة، ومثل هؤلاء الموظفين محترفون ويقومون بتحليل الشركة مالياً وعلى ضوء نتائج التحليل يعطون النصائح.
ومثل هؤلاء الموظفين المحترفين غالباً لا تكون توصياتهم مجانية، بل هي بمقابل مادي، وقد يكون هذا المقابل المادي مباشراً، أي استشارة مقابل المال، أو أن يكون بطريق غير مباشر، كأن يكون الذي يحصل على الاستشارة عميلاً دائماً للبنك أو للشركة المالية، فالبنك يحصل منه على عمولات بشكل مستمر فتكون هي المقابل للاستشارة.
وفي هذا السياق، سأذكر لكم قصة قصيرة، فقد حدثتني فتاة تطلب الاستشارة وتذكر لي أنها اشترت وحدات في صندوق أسهم محلية سعودية، وكان سعر الوحدة 8 ريالات (2.2 دولار أميركي) وتضيف أن سعر الوحدة الآن أصبح ريالات أي ما يزيد قليلا على الدولار الأميركي الواحد وتضيف ماذا أفعل؟
بعد أن استوعبت الأمر، سألتها هل لديكِ سيولة؟ فأجابتني بنعم... فقلت اشتري وحدات ذات الصندوق، وذكرت لها أنها حينما تذهب إلى البنك لشراء الوحدات فإنها قد تواجه نصائح من موظفة البنك بعدم الشراء، وكنت أتوقع ذلك لأن السوق السعودية كانت في تراجع، وكان الكل خائفاً مع العلم أن أفضل حالات الشراء حينما تشتري والسوق متراجعة - المهم - أنني أعطيت النصيحة للفتاة فذهبت إلى البنك، بعد عودة الفتاة من البنك أخبرتني أن موظفة البنك حاولت أن تسدي لها النصائح بعدم الشراء ولكن الفتاة أصرت على شراء الوحدات، ما الذي حدث بعد ذلك؟ ارتفعت وحدات هذا الصندوق لتصل الوحدة إلى 7 ريالات أي 2 دولار أميركي، فما كان من الفتاة إلا أن باعت جميع الوحدات وربحت وخرجت من الصندوق.
ببساطة شديدة، كل ما عملته الفتاة هي أنها خفّضت معدلات سعر الوحدة فبدلاً من ريالات أصبح سعر الوحدة 5 ريالات، وهذا مكنها من البيع حينما ارتفعت وحدات الصندوق. في أمور الحياة العادية ينصح باستشارة العقلاء أو الحكماء ولا أبلغ من قول الشاعر زهير بن أبي سلمة «وإن باب أمرٍ عليك التوى... فشاور لبيباً ولا تعصه»، ونحن في سوق المال نقول شاور مرخصاً ولا تعصه. ودمتم.