أنجيلا راسموسن
خدمة «نيويورك تايمز»
TT

قلق حول لقاح!

حصلت قبل نحو أسبوع على لقاح «جونسون آند جونسون» المضاد لفيروس كورونا المستجد؛ وكانت من لحظاتي السعيدة بالفعل بعد مرور أكثر من عام كامل من الخوف الشديد من هذا الفيروس الفتاك. ثم تلقيت جملة من الرسائل النصية، بدءاً من الثلاثاء الماضي، من بعض أفراد الأسرة المهتمين والأصدقاء وزملاء العمل ممن شاهدوا الأخبار مؤخراً. كانت السلطات الصحية قد طلبت تعليق العمل، ووقف توزيع لقاح «جونسون آند جونسون»، حتى التحقق من 6 حالات أصيبت بجلطات في الدم بين النساء اللاتي حصلن على اللقاح من قبل.
إن الأنباء التي أفادت بأن اللقاح الذي جرى توزيعه على أكثر من 7 ملايين مواطن أميركي ربما يتسبب في بعض الآثار الجانبية النادرة، وإنما الخطيرة، من الأمور الباعثة على القلق بصورة مفهومة، لا سيما مع الإشادة التي حازها لقاح «جونسون آند جونسون» أحادي الجرعة، بصفته أحد الطرق السريعة لإغاثة المجتمعات الأكثر تضرراً التي تفتقر إلى الخدمات الصحية المعقولة، والأشخاص المقيمين في منازلهم بصفة دائمة. كما أثار قرار وقف التعامل بذلك اللقاح حالة كبيرة من الجدل، إذ يساور كثير من خبراء الصحة العامة القلق بشأن إعاقة معدلات التطعيم، وتقويض الثقة لدى الأشخاص الذين لم يحكموا أمرهم، أو يشككون في فاعلية اللقاحات المتاحة برمتها، الأمر الذي يسفر في نهاية المطاف عن منع الناس من الإقدام على تلقي اللقاحات، والعصف بالمناعة الجماعية على مستوى سكان البلاد إلى مستويات أبعد ما تكون عن المنشود في المرحلة الراهنة.
بيد أنني أعتقد أن قرار التوقف المشار إليه له ما يبرره. ورغم كوني امرأة يندرج سني ضمن الفئة العمرية للأشخاص الذين عانوا من جلطات الدم، فإنني لا أشعر بقلق خاص بشأن مخاطر الصحة الشخصية عندي. لقد أشار البيان الصحي إلى أن نظام سلامة اللقاحات يعمل على النحو المطلوب فعلاً، ويمكن للأشخاص الذين قد حصلوا بالفعل على لقاح «جونسون آند جونسون» في الفترة الأخيرة، أو يخططون للحصول عليه في المستقبل، أن يشعروا بقدر من الثقة والاطمئنان من خلال هذه العملية.
غير أن الآثار الجانبية التي جرى الوقوف عليها، إن كانت هي بالفعل من الآثار الجانبية للقاح المذكور، نادرة، ولكنها خطيرة. والأمر الذي دفع السلطات الصحية إلى تعليق العمل بذلك اللقاح تحديداً هو أن 6 نساء تتراوح أعمارهن بين 18 عاماً و48 عاماً قد أصبن بحالة غير شائعة من اضطرابات تجلط الدم. وهذه الحالة المحددة، المعروفة طبياً باسم «تجلط الجيب الوريدي الدماغي»، تحدث عندما تتكون الجلطات في وريد رئيسي ينقل الدم من الدماغ، مما يمكن أن يحدث أيضاً مع حالة نقص الصفائح الدموية. وهي بالأساس نوع محدد للغاية، ولكنه غير معتاد، من السكتات الدماغية.
وتعد مثل هذه الآثار الجانبية النادرة للغاية غير شائعة الحدوث على نطاق كبير، لدرجة أنه ربما لا يسهل اكتشافها في التجارب الإكلينيكية من المرحلة الثالثة، حتى مع تسجيل نحو 40 ألف مشارك في مثل هذه التجارب. ويصح الأمر نفسه أيضاً لدى العقاقير واللقاحات الأخرى المعمول بها خارج سياق التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد، وهو أحد الأسباب التي دفعت إدارة الأدوية والأغذية الأميركية، مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، إلى مراقبة سلامة لقاح «جونسون آند جونسون» من كثب حال طرحه على الجمهور. وحتى إن كانت المخاطر الناشئة طفيفة للغاية، فإن الخبراء في حاجة إلى الوقوف على مستوى انخفاضها في الحقيقة.
وتُعنى هذه المراقبة أيضاً بالوقوف على سبل علاج الآثار الجانبية الناشئة حال حدوثها. وفي هذه الحالة، قررت اللجنة الاستشارية في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن جلطات الدم التي خضعت للدراسة يمكن التخلص منها بطريقة معينة، نظراً للنقص الواضح في الصفائح الدموية الملاحظ في هذه الحالات.
يقول أستاذ في علم الأخلاقيات الطبية، رفقة باحثين آخرين، إن اللقاحات المضادة للفيروس لا بد أن تكون ذات صفة إلزامية للعاملين كافة في مجال الرعاية الصحية من ذوي الاحتكاك المباشر مع الناس، وكذلك الطلاب الذين لا يتوقفون عن حضور الفصول الدراسية بصورة شخصية، وغيرهم. ومع بقاء كثير من الناس على المحك، فمن الضروري تعزيز ثقة الجماهير والرأي العام في كيفية تنظيم والرقابة على اللقاحات المتاحة. وإذا ما اتضح بعد مزيد من الدراسات أن تجلط الدماء ناجم بالفعل عن تعاطي اللقاح المذكور، فإنها تظل حالة من الحالات النادرة للغاية. وحتى إن جرى اكتشاف مزيد من حالات التجلط في المستقبل، فإن مخاطر وقوع ذلك تبقى طفيفة غير ممتدة على المجال العام بأسره. وإن كانت هذه المشكلة قد ظهرت بين فئة الشباب فقط دون غيرهم، لكان من غير المرجح أن يجري سحب لقاح «جونسون آند جونسون» من الأسواق على الإطلاق.
وعوضاً عن ذلك، ربما توصي الجهات الرقابية بتوزيع اللقاح المذكور على المجموعات المعرضة للمخاطر العالية فقط. على سبيل المثال، لا يُنصح بمنح اللقاح للأطفال المصابين بالعدوى الفيروسية نظراً لمخاطر إصابتهم بمتلازمة «راي»، وهي حالة مرضية خطيرة ربما تؤدي إلى الوفاة أو الإصابة بتلف دائم في الدماغ.