إميل أمين
كاتب مصري
TT

سكاكا... طريق السعودية للطاقة الشمسية

بخطوات واثقة وثّابة، تقفز المملكة العربية السعودية إلى الآفاق عبر مشروعات محورية، ورؤى مركزية، تضعها في المكان والمكانة التي تليق بها إقليمياً وعالمياً.
بعد بضعة أسابيع من الانطلاقة في طريق «السعودية الخضراء»، ذلك المشروع الرائد للتشجير، وتلك المبادرة الخلاقة في الداخل والخارج، يأتي الحديث عن علاقة المملكة الناهضة بالطاقة المتجددة، وفي المقدمة منها الطاقة الشمسية.
جاء إعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، راعي التجديد والنهضة، وصاحب الرؤى الاستشرافية للمملكة 2030، عن تدشين محطة «سكاكا» للطاقة الشمسية، خطوة في طريق طويل للتحول إلى ذلك النوع من أنواع الطاقة، الذي بات العالم برمته يتطلع إليه؛ الطاقة النظيفة التي لا تنفد، كما أنها تتساوق مع مشروعات «السعودية الخضراء»، وكلتاهما تخدمان البيئة، وتحدان من التغيرات المناخية، التي أضحت إشكالية الخليقة الكبرى في حاضرات أيامنا.
وقّعت المملكة 7 مشروعات جديدة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، في مناطق مختلفة من البلاد، بالإضافة إلى سكاكا ودومة جندل، الأمر الذي يستدعي علامة استفهام؛ ما معنى ومبنى ذلك؟
بحسب تصريحات ولي العهد، فإن النتيجة الأولية هي الحصول على أكثر من 3600 ميغاواط من الكهرباء، بالإضافة إلى أن هذه المشروعات توفر أكثر من 600 ألف وحدة سكنية، كما أنها ستخفض أكثر من 7 ملايين طن من الانبعاثات التي تؤدي للاحتباس الحراري، ناهيك عن أن بعض تلك المشروعات قد حققت أرقاماً قياسية جديدة، تمثلت في تسجيل أقل تكلفة لشراء الكهرباء المنتجة من الطاقة الشمسية في العالم؛ حيث بلغت تكلفة شراء الكهرباء من مشروع الشعبية 1.04 سنت أميركي لكل كيلوواط/ ساعة، وستتبع هذه المشروعات مشروعات أخرى للطاقة المتجددة في أنحاء العالم، سيتم الإعلان عنها في حينها.
تبدو رؤية الأمير محمد بن سلمان 2030 التي تمضي المملكة في طريقها واثقة، خيرة ومغيرة، وقد سبق له في عام 2018 أن قام بالتمهيد لإنشاء أكبر مشروع للطاقة الشمسية في المملكة، بتوقيع مذكرة تفاهم مع صندوق رؤية سوفت، وذلك لإنتاج 200 غيغاواط في السعودية.
الخير الكبير الذي تولّده الطاقة الشمسية يتمثل في مقاربة بعض الأرقام التقليدية لإنتاج الكهرباء، مع تكلفة إنتاجها من الطاقة الشمسية، فبحسابات الدولارات، فإن برميل النفط يباع لشركات الكهرباء في غالبية الدول العربية بسعر أقل من 5 دولارات أميركية، في الوقت الذي وصل فيه سعره إلى 20 ضعفاً في زمن ارتفاع أسعار النفط، و10 أضعاف في زمن انخفاضها.
يمكن للمرء كذلك أن يقيس أسعار الغاز والديزل اللذين يباعان بنفس الطريقة، وعليه فإنه في حال توفير نسبة 5 في المائة من الطاقة المستهلكة عربياً من النفط ومشتقاته لمقبل الأيام، سوف تتحصل المملكة على احتياطيات تصل إلى مليارات الدولارات، حكماً سيغير كثيراً من أوجه الحياة، بل يسهم في مدارات الاقتصاد الابتكاري، الذي تقوم عليه رؤية المملكة في العقود المقبلة.
ترتبط فكرة إحياء الطاقة الشمسية المتجددة مصدراً من مصادر الكهرباء في المملكة خاصة، وفي منطقة الخليج بشكل عام، بحالة المناخ الصعب الذي تعيشه المنطقة والعالم، ولا سيما أن هناك تقارير بيئية تتحدث عن ارتفاع درجات الحرارة في منطقة الخليج العربي، الأمر الذي يخلق تحديات جذرية في مواجهة الحياة البشرية ما لم يتم استنقاذ البشر والحجر من خلال مشروعات ذات رؤى متقدمة كالتشجير والتوقف عن استخدام مصادر الطاقة التي تخلّف وراءها غازات الدفيئة الضارة.
تبدو المملكة بالفعل الأقدر والأكفأ والأرخص لأن تكون وطناً للطاقة، وفي هذا الإطار تتجلى منافع تبدو خافية على غير الاختصاصيين في علوم الاقتصاد والأسواق، ذلك أن مثل تلك المشروعات العملاقة تفتح أبواباً واسعة لشراكة مع القطاع الخاص السعودي، الذي بات يسهم بدور استراتيجي في تطوير مشروعات الطاقة المتجددة؛ حيث تم تطوير مشروع محطة سكاكا من قبل شركة «أكوا باور»، إلى جانب كثير من الشركات السعودية، ما يعني توفير الآلاف من فرص العمل للأيدي العاملة السعودية، وربما ما لا يقل أهمية هو اكتساب الخبرات من التلاحم مع أصحاب الخبرة من الشركات العالمية، لتضحى الاستفادة ثلاثية وليست ثنائية فحسب.
ينظر الأمير محمد بن سلمان إلى المستقبل نظرة المدرك لمتغيرات الحياة، التي لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتجاوزها من غير أن تتفاعل معها بشكل عميق ومفيد، وعنده أن مشروعات مثل سكاكا ودومة الجندل وما سيتم إنشاؤه في المستقبل القريب من محطات طاقة شمسية، تمثل جميعها عناصر جوهرية في الخطط الرامية للوصول إلى مزيج الطاقة الأمثل لإنتاج الكهرباء، والتي تستهدف أن تصبح حصة كل من الغاز ومصادر الطاقة المتجددة في هذا المزيج نحو 50 في المائة بحلول عام 2030.
السعودية تبعث برسالة للمنطقة، مفادها أنه حان الوقت لتغيير الألواح اللاقطة للفضائيات بأخرى مولدة للطاقة الشمسية.