عبد الرحمن الراشد
إعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس التحرير الأسبق لصحيفة «الشّرق الأوسط» ومجلة «المجلة» والمدير العام السابق لقناة العربيّة. خريج إعلام الجامعة الأميركية في واشنطن، ومن ضمن الكتاب الدائمين في الصحيفة.
TT

هل دمرت إسرائيل المفاوضات؟

سبقت الخطوة الإسرائيلية الجريئة، بتفجير محطة كهرباء مفاعل نطنز الإيرانية، سلسلة أحداث مترابطة.
ففي يوم السبت الماضي أعلنت إيران، من باب التحدي، أنها شغلت أجهزة الطرد المركزي في نطنز، التي ستمكنها من التخصيب خمسين مرة أسرع من الأجهزة القديمة. أرادت أن تضع المزيد من الضغط على إدارة بايدن والمفاوضين الغربيين في فيينا.
في اليوم نفسه، وصل وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل في زيارة مجدولة مسبقاً، وذلك لطمأنة الإسرائيليين الغاضبين من المفاوضات. وفي اليوم التالي يتم تدمير مركز الطاقة في مفاعل نطنز النووي بعد 24 ساعة من تشغيله. والأرجح أن الإسرائيليين لم يضعوا الجانب الأميركي في الصورة مسبقاً، أو إعلامهم بتفاصيل العملية قبل تنفيذها. ولأن الهجوم جرى في نفس يوم زيارة وزير الدفاع الأميركي أثار التساؤل. أوستن أطبق شفتيه ولم يعلق بكلمة على الهجوم الكبير، لم ينتقد ولم يدافع، هل هو محرج أم سعيد؟
الواضح أن إسرائيل خلطت الأوراق مهما يكن رأي الوزير ورئيسه جو بايدن.
قبل أسبوعين كانت إيران في مركز القوة، تساوم بورقة مفاعل نطنز، ستشغل أجهزة الطرد إن لم تحصل على تنازلات كاملة حول الاتفاق النووي JCPOA قبل العودة للمفاوضات. الآن خسرت إيران ورقتها بسبب الهجوم، وباتت في موقف محرج، تفاوض أم تسحب فريقها من فيينا.
وفي فيينا، المفاوضات خلف الأبواب المغلقة بين إيران والولايات المتحدة، تدار بأسلوب غريب؛ فالوفد الأميركي في فندق والإيراني في فندق آخر. ولأن الإيراني يرفض الجلوس مباشرة، فقد وافق الأميركي على الاستعانة بالبريطاني والفرنسي والألماني كوسطاء لنقل الرسائل إلى الفريق الإيراني في فندقه الذي يجلس مع بقية المشاركين، الروسي والصيني وممثل عن الاتحاد الأوروبي. الهجوم الإسرائيلي سيؤجل الخطر الإيراني لكنه لن يلغيه، ثم ماذا؟ هذا ما يجعل المفاوضات مهمة.
حول نفس الموضوع، شاركتُ في منتدى صحيفة «البلاد» البحرينية، التي كان ضيفها سمو الأمير تركي الفيصل. وأوافق على ما قاله المتحدثون عن المخاطر المحتملة من وراء إعادة تفعيل الاتفاق، وبسببه على دول المنطقة أن تستعد لكل الاحتمالات، والسيئة من بينها.
لكن هناك الكثير من الحقائق المحيطة باتفاق عام 2015 ويفترض أن توضع في الاعتبار:
- الاتفاق وثيقة دولية موقعة بإشراف الأمم المتحدة.
- الاتفاق محل تأييد وتوقيع روسيا والصين، وهو توافق نادر بين القوى الثلاث الكبرى، ويضع الدول الرافضة له في زاوية صعبة بلا حليف.
- الاتفاق محل قبول الإدارة الأميركية الحالية، وأمامها نحو أربع سنوات كافية لتفعيله بالكامل، بخلاف إدارة أوباما السابقة التي لم يسعفها الوقت.
وحتى الدول العربية المعارضة ليست ضد روح الاتفاق، هي ضد أن يقتصر على التخصيب والتسلح النووي ولا يعالج التهديدات الإيرانية الحقيقية ضدها، من صواريخها الباليستية وشن الحروب الخارجية.
قاتل فريق بايدن المفاوض من أجل التوصل إلى اتفاق مستعجل مع الحكومة الإيرانية الحالية، ومكنها من تحصيل ديون قيمتها 15 مليار دولار. لكنه رغم تنازلاته للإيرانيين فشل حتى الآن في التقدم خطوة واحدة. والذي صعب على المفاوضين المهمة سلسلة العقوبات الكثيرة التي زرعها الرئيس السابق، دونالد ترمب، ونجحت في إبطاء التفاوض وعقدت الوضع. ويبدو أن الهجوم الإسرائيلي المهين لإيران، هو الآخر، سيكون ضربة للمفاوضين في فيينا. فقد بقي في عمر حكومة روحاني شهران فقط، تغادر بعد الانتخابات. وتبقى القيادة الحقيقية، المرشد الأعلى و«الحرس الثوري»، اللذان يعطيان الأولوية لإظهار النظام في صورة المنتصر قبل التفاوض.
أتوقع، رغم العقبات الموروثة، والهجوم الإسرائيلي، أن تصر الإدارة الأميركية على السير قدماً في التفاوض، لكنها لا تستطيع بعد اليوم أن تتجاهل إسرائيل ودول المنطقة إن كانت تريد حقاً لمشروعها النجاح.