جمعة بوكليب
كاتب ليبي؛ صحافي وقاص وروائي ومترجم. نشر مقالاته وقصصه القصيرة في الصحف الليبية والعربية منذ منتصف السبعينات. صدرت له مؤلفات عدة؛ في القصة القصيرة والمقالة، ورواية واحدة. عمل مستشاراً إعلامياً بالسفارة الليبية في لندن.
TT

بوريس جونسون وحظوظه المفاجئة

التغيّر في مسار حظوظ رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون مؤخراً لافت للانتباه. خلال عام واحد، تحرّك المؤشر، في جهاز قياس الحظ؛ من نقطة قرب درجة الصفر، صاعداً إلى أعلى الدرجات. ضربتان متتاليتان، من حسن الحظ، غيّرتا المسار؛ الأولى من تدبيره وتخطيطه، حين سارع في بداية الأزمة الوبائية بالمراهنة، بمليارات الجنيهات، على احتمال تمكّن الشركات المصنّعة للأدوية من الوصول إلى اكتشاف لقاح واقٍ من الوباء الفيروسي. الأموال البريطانية ذهبت إلى حسابات عدة شركات، على شكل استثمارات، للمساعدة في تمويل الأبحاث والتجارب. وفي الوقت ذاته، ضمنت الحكومة البريطانية توقيع عقود مع تلك الشركات على أولوية تزويدها بشحنات كبيرة من اللقاح، متى تمّ اكتشافه وتصنيعه. وكسب السيد جونسون الرهان، حين نجحت تلك الشركات، في وقت قصير، في تصنيع اللقاح، وشحن كميات كبيرة منه إلى بريطانيا. فبدا كمن أسقط عصفورين بحجر واحد. وأعقب ذلك بدء حملة تطعيم على مستوى البلاد، اتسمت بتحرك سريع، ونجحت في الحدّ من انتشار الوباء. ذلك النجاح أثار غيرة العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وأدى إلى تصاعد وتيرة التوتر والغضب بينها وبين رئاسة المفوضية ممثلة في السيدة أورسولا فان دير لين. والنتيجة، ارتفاع في شعبية السيد جونسون، وعودة الثقة إلى حكومته، وبهجة الملايين من أنصار «بريكست»، على قدرة بريطانيا على النجاح والتفوق، بعيداً عن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي.
الضربة الثانية جاءت بتدبير حسن حظ فجائي، هبَّ قادماً من مدينة إدنبره العاصمة الأسكوتلندية، في نهاية الأسبوع الماضي، وممثلاً في الظهور المفاجئ، للزعيم السابق للحزب القومي الأسكوتلندي، أليكس سالموند، على شاشات التلفاز، معلناً تأسيس حزب سياسي جديد، أطلق عليه اسم «ألْبَا». الحزب الجديد منافس للحزب القومي الأسكوتلندي، ومثله يرفع شعار استقلال أسكوتلندا عن الاتحاد البريطاني. وبظهوره، صار في أسكوتلندا، حالياً، ثلاثة أحزاب انفصالية، وهي على الترتيب: الحزب القومي الأسكوتلندي، وحزب الخضر الأسكوتلندي، وألْبَا. قبل هذا الحدث المفاجئ، والمفرح بلا شك، للملايين من أنصار بقاء أسكوتلندا في الاتحاد البريطاني، كانت استبيانات الرأي العام تؤكد تصاعد شعبية الاستقلاليين في أسكوتلندا، مشيرةً إلى إمكانية فوزهم بالأغلبية في البرلمان الأسكوتلندي، في الانتخابات المقبلة، شهر مايو (أيار). الحصول على الأغلبية في برلمان مؤسس على نظام التمثيل التناسبي أمرٌ ليس سهل التحقيق، ولم يسبق حصوله منذ 22 عاماً إلا مرّة واحدة عام 2011، حينما تمكن الحزب القومي الأسكوتلندي، تحت قيادة السيد سالموند من تحقيقه. لكن في حالة حدوثه، مرّة أخرى، خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة، فهذا يعني أن السيدة نيكولا ستورجن، زعيمة الحزب القومي، سوف تضع طلب إجراء استفتاء ثانٍ، على استقلال أسكوتلندا، على مكتب رئيس الحكومة في «10 داونينغ ستريت». إلا أن الريح انقلبت مؤخراً ضد مسار مراكب الانفصاليين مرّتين، وهزّت ارتفاع شعبيتهم. المرّة الأولى خلال محاكمة الزعيم السابق للحزب سالموند في قضايا تحرش جنسي، نتج عنها براءته، ورفعَ الخصامَ إلى البرلمان ليقاضي السيدة ستورجن بتهمة تضليل البرلمان. وحين انتهت اللجنة البرلمانية من الوصول إلى قرار بعدم إدانة السيدة ستورجن، ومواصلة استمرار واجبات منصبها، كوزير أول للحكومة الأسكوتلندية، ظهر السيد سالموند على شاشات القنوات التلفزيونية ليعلن عن ميلاد حزب قومي استقلالي جديد أطلق عليه اسم ألبا. وموضحاً أن حزبه لن يتقدم بمرشحين برلمانيين للدوائر الانتخابية، لكنه سيقدم قوائم بمرشحيه لقوائم المناطق فقط.
السيد سالموند قضى سبع سنوات خارج الأضواء السياسية، بعد استقالته من رئاسة الحزب عام 2014، لدى فشل الحزب في الاستفتاء على استقلال أسكوتلندا. هذه العودة المفاجئة للخشبة السياسية ليست سوى مقامرة سياسية قام بها لتحقيق أغراض عديدة؛ أولها محاولة تجسير عودته إلى مسرح الأضواء. وثانيها إحداث حالة من الارتباك السياسي في قيادات الحزب القومي الأسكوتلندي، وبالذات غريمته السيدة ستورجن. احتمالات فوز حزب ألبا الجديد في الانتخابات البرلمانية الأسكوتلندية المقبلة، وفقاً لاستبيانات الرأي العام، ضعيفة. لكن الأكيد أن المناورة ستؤدي إلى شق الصف القومي الأسكوتلندي المطالب بالاستقلال. ومن هنا تحديداً، يأتي مبعث الإحساس بالراحة والفرح للسيد جونسون، ولنوابه وأنصاره من الاتحاديين، في ويستمنستر بلندن، وفي أسكوتلندا، لعلمه أن شقّ الصف الاستقلالي سوف يتسبب في كسر ظهر الحركة الانفصالية، وإعاقة تحقيق مطلبها بضرورة إجراء استفتاء ثانٍ.
التقارير الإعلامية البريطانية، في نهاية الأسبوع الماضي، تتحدث عن انشقاقات على مستوى المجموعات والأفراد في الحزب القومي الأسكوتلندي، الذي ترأسه رئيسة الحكومة المحلية السيدة نيكولا ستورجن، وانضمامهم إلى الحزب الجديد. الانتخابات البرلمانية المقبلة في أسكوتلندا، ستكون بمثابة استفتاء على الاستقلال، لكن من باب خلفي. ومن خلال استبيانات الرأي العام، فإن حظوظ السيد سالموند في العودة إلى مقعده البرلماني، الذي خسره في انتخابات عام 2017، لا تختلف عن حظوظ إبليس في دخول الجنة. وهذا يعني ضمنياً أنه من حق السيد جونسون أن يمد رجليه، ويشكر حسن حظه المفاجئ.