مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

مقامات القرار التركي والجواب المصري

لجم السلطات التركية للقنوات الإخوانية المصرية، المعادية لبلادها، التي تبثّ من تركيا، خبرٌ جيّدٌ، لكنَّه ليس جوهر المشكلة بين القاهرة وأنقرة.
تسليط الدعايات السوداء، وبثّ الأراجيف ضد الأمن والاستقرار المصري، من طرف مذيعين «إخوان»، في الأقل، ومطايا لـ«الإخوان»، في الأغلب، كان سلاحاً تركياً إردوغانياً للضغط على الدولة المصرية، من أجل جني مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية... ليس أكثر.
صحيح أن إردوغان والقيادات التركية الحزبية العاملة معها، ينتمون للمعسكر الفكري والسياسي نفسه الذي ينتمي له أمثال محمود حسين، الأمين العام لجماعة الإخوان الهارب لتركيا، وبقية نشطاء «الإخوان» المصريين هناك، لكن النسب الفكري الجامع غير كافٍ في بازار السياسة، كما أنَّه لا يضع الإخواني المصري أو السوري أو السعودي أو الكويتي أو الليبي، أو اليمني، في درجة مساوية للحزبي التركي الإردوغاني... شتان بين التابع والمتبوع، السيد والمسود، الآخذ والمعطي، فاليد العليا خير من اليد السفلى بكل حال!
العنفوان التركي الأصولي، مشوب بعنجهية قومية جامحة، ومن هنا نفهم التحالف الراسخ بين الحركة القومية التركية، بقيادة دولت بهشتلي، مع إردوغان وحزبه، لأنَّ الإسلام الصحيح والعظيم والباعث على الفخر والمراد تثويره من جديد، لدى العقل الإردوغاني، هو الإسلام «القومي» التاريخي العثماني «الفاتح»، وما العرب وبقية الأقوام إلا «رعايا» في هذا المنظور وتلك المقاربة.
بالمناسبة، تجد لدى اللاجئين من العرب الشيعة، إلى الحضن الإيراني «الإسلامي» تبرّماً، خيفة من القول جهراً، من العنجهية الإيرانية القومية، ضد الشيعة العرب، ونظرة فوقية تورث الهوان لدى الأتباع العرب، من عراقيين ويمنيين وأفغان وباكستانيين، وربما الأقل شعوراً بالهوان هم أتباع {حزب الله} اللبناني، فمبارك لهم هذه الميزة.
بالعودة للخطوة التركية بجعل الإعلام المصري الإخواني، وشبه الإخواني، المقيم لديه «مؤدباً» أو بتعبير الهاربين المصريين هناك يعتمد «تعديل الخطّ التحريري وترشيده»! فهذه الخطوة مجرد «عربون» سياسي للقاهرة.
جلب هؤلاء الشاتمين لبلادهم لتركيا ومحاولة إزعاج مصر بصراخهم، نتيجة لسبب لا سبباً لنتيجة، السبب الفعلي هو الاشتباك التركي المصري في شرق المتوسط، كما في ليبيا، وقبل ذلك في منطقة الشرق الأوسط كاملة، التي وجّه الغازي - والغازي من ألقاب سلاطين بني عثمان بالمناسبة - سراياه لها، من العملاء العرب، نتذكر التسلل التركي للسودان في عهد البشير، وحالياً في القاعدة التركية في الصومال.
بل حتى بعيد الغزل التركي لمصر بإسكات الشاتمين المصريين لديها، نجد أنَّ غزوات تركيا على ليبيا لم تهدأ، فقد أفادت مصادر المرصد السوري من منطقة عفرين، بأن المكّنى بأبي عمشة قائد فصيل السلطان سليمان شاه، يقوم بتجهيز دفعة من مقاتليه لإرسالهم إلى ليبيا.
إردوغان ورجاله منذ أشهر يسعون لتبريد النار مع القاهرة والرياض، لكن الرماد، وإن بات الليل كله، يخفي في جوفه أجنّة الجمر... والفكر والخرافات التاريخية، علّمتنا أنَّها لا تموت، كما عوّدتنا السياسة على المدّ والجزر... دواليك... دواليك.