علي المزيد
كاتب وصحفي سعودي في المجال الاقتصادي لأكثر من 35 عاما تنوعت خبراته في الصحافة الاقتصادية وأسواق المال. ساهم في تأسيس وإدارة صحف محلية واسعة الانتشار والمشاركة في تقديم برامج اقتصادية في الإذاعة السعودية، ومدير التحرير السابق لصحيفة الشرق الأوسط في السعودية وهو خريج جامعة الملك سعود.
TT

المعضلة والحل

اليوم سأتحدث لكم عن حدث حصل لي في مستشفى حكومي، وكنت لا أريد أن أنشر القصة وأفضل كتابتها لوزير الصحة مباشرة، ولكن لأن القصة لم تعد شخصية بل أصبحت عامة فإنني قررت كتابتها لكم، فلنبدأ الحكاية.
في الرياض مركز أسنان طبي تابع لمدينة الملك سعود الطبية كان يقدم خدمة جيدة وكان معظم طواقمه من غير السعوديين، بدأت السعودة في المركز وكنت من أوائل المستفيدين من هذا المركز. بعد هذه السعودة أول ما حدث لي هو إضاعة ملفي الطبي فاضطررت لفتح ملف جديد، ومع تدني خدمات المركز اضطررت إلى أن أذهب لمستشفيات القطاع الخاص، ولا أعرف ما السبب الذي أعادني للعلاج في المركز بعد انقطاع عنه، يبدو أنني كنت أظن أنه تحسن، لكن للأسف لم يظهر على هذا المركز أي تحسن.
ففي أواخر شهر فبراير (شباط) الماضي كان لي موعد مع أحد أطباء المركز، فذهبت على الموعد فوجدت الطبيب متغيباً، هذا طبيعي ويحدث، ولكن من غير الطبيعي ألا يتم إشعار المرضى بتغيب الطبيب عبر رسائل إلكترونية حتى لا يتجشموا عناء الذهاب. المهم حُدد لي موعد آخر وتفاجأت بإلغائه بحجة نقص بعض المواد المستخدمة في الأسنان، ولك أن تتخيل أن مركزاً يكلف مئات الملايين من الريالات، سواء عبر رواتب الأطباء أو الطواقم الفنية أو الطواقم الإدارية أو الأجهزة الطبية يتوقف عن أداء الخدمة بسبب ألف أو حتى خمسة آلاف ريال، المهم حادثت نائب رئيس المركز، وذكرت له أنني على استعداد لشراء هذه المواد على حسابي الخاص حتى تقدم لي هذه الخدمة، لكني لم أتلق جواباً بعد. مثل هذا النقص في المواد حصل في فترة ماضية، وكنا كمرضى نشتري هذه المواد للمركز.
حينما ذكرت أن فشل المركز جاء بعد السعودة فليس القصد سوء إدارة السعوديين، إذ إن هناك مستشفيات خاصة ناجحة في السعودية تدار بكفاءات سعودية، وأيضاً للحق هناك بعض الأطباء الرائعين في المركز ذاته، لكني قصدت إيضاح فشل الإدارة الحكومية في إدارة مثل هذه المشاريع، لقد اختصرت عليكم القصة لإيضاح المضمون لا التفاصيل وإلا فالقصة تطول. فلك أخي القارئ الكريم أن تتخيل الهدر الاقتصادي الهائل عبر خسارة مئات الملايين من الريالات وتوقفها على مادة لا تتجاوز قيمتها الألف أو الألفي ريال. فلو تخيلت أن هذا المركز تابع للقطاع الخاص وحصل مثل هذا النقص، فاعلم أن مديره التنفيذي سيبات عند باب الشركة المصنعة لهذه المواد، وينتظر أن تفتح أبوابها صباحاً ليُحضرها إلى مركزه بعكس بعض الأطباء الحكوميين الذين لا يهمهم سوى رواتبهم والبحث عن امتيازاتهم.
مثل هذا الوضع ليس في السعودية فقط، بل يشمل مستشفيات كثراً في العالم العربي. فقد رأينا مدير مستشفى عربي يموت لديه ستة مرضى بسبب نقص الأكسجين وهو يقزقز لباً أثناء حديثه لوسائل الإعلام، والأمثلة في عالمنا العربي أكثر من أن تحصى.
طرحت المشكلة في أول المقال ولكن ما الحل؟ الحل لم يأت من عندي بل أتى من الحكومة السعودية - وهو ما شجعني لكتابة ما حدث لي كنموذج - فقد أعلنت السعودية أنها بصدد تخصيص عدد من الأنشطة التي كانت تديرها ومنها الصحة. ورغم التساؤلات المطروحة في السعودية عن الكيفية التي سيتم بها التخصيص؟ إلا أنني مع التخصيص، ولو كان مركز الأسنان في مدينة الملك سعود الطبية يدار بطريقة ربحية فهل تعتقدون أنه يتعطل عن أداء الخدمة بسبب مادة لا تتجاوز الألف ريال؟!!
وطرح المستشفيات للتخصيص لا يعني عدم علاج الفقراء وغير القادرين، إذ إن مشاريع التخصيص تنظر إلى تقديم الخدمة العلاجية لهذه الفئة مجاناً مثل ما يحدث في القطاع التعليمي، فهناك منح تقدم للطلبة الفقراء، وأيضاً الطلبة المميزين. ودمتم.