مع عودة الأطفال إلى المدارس، سوف يتعين على المملكة المتحدة التريّث حتى 21 يونيو (حزيران) المقبل لأجل رفع حالة الإغلاق العام بالكامل. وبات كثير من الشركات، لا سيما في مجالات الضيافة ومبيعات التجزئة، تعاني من نفاد السيولة النقدية وصار استمرارها محل شكوك كبيرة.
وطرح السيد سوناك وزير الخزانة البريطاني مبلغ 44 مليار جنيه إسترليني (61 مليار دولار) إضافةً إلى دعم الاقتصاد على المدى القريب، في ميزانية المملكة المتحدة المقدمة مؤخراً، وبفضل نجاح برنامج التطعيم في البلاد، يمكن سوناك، البدء في التخطيط لمرحلة ما بعد زوال الوباء. وتبدو مرحلة المدى القصير، على أقل تقدير، أكثر تفاؤلاً بالنسبة إلى المملكة المتحدة.
قرر السيد سوناك، بصورة صحيحة، أنه من السابق لأوانه التركيز على الإصلاحات المالية العامة على حساب الإغاثة والتخفيف من آثار الوباء.
ويقول مكتب مسؤولية الميزانية في المملكة المتحدة إن الطرح السريع لجرعات اللقاح يعني أن الإنتاج سوف يرجع إلى مستوياته المسجلة لما قبل انتشار الوباء، وذلك بحلول منتصف عام 2022، أي قبل 6 أشهر مما كان متوقعاً قبلاً في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.
التزام السيد سوناك تعهدات حزب المحافظين الانتخابية بعدم زيادة الضرائب على الدخل، أو قيمة التأمين الوطني (ضريبة الضمان الاجتماعي في المملكة المتحدة)، أو زيادة ضريبة القيمة المضافة... ليس هذا هو الوقت المناسب لفرض التخفيف على الإنفاق العام، ولا تستطيع الحكومة البريطانية فرض المزيد من الضرائب على طريقها صوب النمو الاقتصادي. باستثناء القفزة في ضرائب الشركات من 19% إلى 25% التي تُطبّق فقط على الشركات التي تزيد أرباحها السنوية على 250 ألف جنيه إسترليني، ولن يجري فرض تلك الزيادة الضريبية حتى حلول عام 2023. ومع ذلك، لن تتناسب تلك الزيادة الضريبية بصورة جيدة مع قاعدة السوق الحرة التقليدية لدى حزب المحافظين الحاكم.
يقول السيد سوناك إن المملكة المتحدة لا يزال لديها معدل ضرائبي منخفض نسبياً على الأعمال والشركات. ومع ذلك، كما أشار مكتب مسؤولية الميزانية، إنه بحلول عام 2025 سوف يكون إجمالي الأعباء الضريبية في المملكة المتحدة هو الأعلى منذ تولي روي جينكنز، من حزب العمال، وزارة المالية في ستينات القرن الماضي. قام السيد سوناك بتعويض فرض الضرائب في المستقبل على الشركات بخصومات جديدة لمدة عامين، الأمر الذي يسمح للشركات بتخفيض فواتير الضرائب لديها بما يصل إلى 25 بنساً عن كل جنيه إسترليني تقوم باستثماره.
وقال السيد أندي هالدين، كبير خبراء الاقتصاد في البنك المركزي البريطاني، واصفاً اقتصاد المملكة المتحدة مؤخراً، إنه يشبه الزنبرك المضغوط. ولقد ارتفعت مدخرات الأسر في بريطانيا كنسبة من الدخل التصرفي بصورة كبيرة، وصولاً إلى 26.5% خلال الربع الفصلي الثاني من العام الماضي، وهي أعلى نسبة مسجلة. ولا تزال تلك النسبة مرتفعة مع أغلب هذه المدخرات المحفوظة في حسابات الودائع المصرفية.
وهذا مما يبشّر بالخير لأولئك الذين يتوقعون انطلاق المستهلكين بعد زوال الإغلاق العام في ربيع وصيف العام الجاري. ولكن ماذا بعد ذلك، لا سيما مع تحرر الزنبرك من ضغوطه الثقيلة، وانطلاق المواطنين إلى المقاهي والمطاعم والمتاجر لشراء كل ما هو جديد من المأكل والمشرب والملبس، وقضاء أمتع العطلات؟ إن تحويل اندفاع الصيف إلى حالة مستدامة من الانتعاش الاقتصادي سوف يستلزم أكثر من مجرد علاجات الإغاثة والتخفيف الراهنة من حكومة السيد سوناك – لا سيما مع زوال الآثار التجارية الناجمة عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
ومن المتوقع لوباء «كورونا» المستجد أن يترك اقتصاد المملكة المتحدة أقل حجماً بنسبة 3 نقاط مئوية كاملة في غضون خمس سنوات مقبلة، مما كان يمكن أن يصل إليه الاقتصاد البريطاني في عدم وجود الوباء. ومن شأن «بريكست» أن يقتطع نسبة 4 نقاط مئوية من اقتصاد المملكة المتحدة أيضاً، مقارنةً بما كان يمكن أن تشهده الأوضاع على فترة زمنية أطول. إن بلوغ حد الازدهار الاقتصادي مجدداً يتطلب حلاً سحرياً معجزاً على سيناريو المدى المتوسط الراهن، وهذا بالضبط هو التحدي القائم أمام السيد ريشي سوناك ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
ولن يكون من السهل إيقاف الإنفاق الحكومي العام، لا سيما مع تعهد بوريس جونسون برفع مستوى المناطق الأكثر فقراً في المملكة المتحدة، واستهداف وصول الانبعاثات الكربونية في البلاد إلى الحد الصفري بحلول عام 2050. ويكمن الأمل في أن تؤدي مثل هذه المشاريع الوطنية الكبرى إلى تحفيز الاقتصاد، ولكن أي قرارات بالإنفاق الحكومي السخيّ لن تسفر عن ارتياح الكثيرين من أنصار حزب المحافظين الحاكم.
وفي حين أن السيد سوناك قد أعلن عن إنشاء مصرف جديد للبنية التحتية في البلاد، يتخذ مقره الجديد في مدينة ليدز، ويُعنى بالمساعدة في جهود إعادة التوازن الاقتصادي، فإن مجرد العثور على مشاريع البنية التحتية الجديدة ليس بالأمر الهين. كما أعلن السيد سوناك أيضاً عن إنشاء 8 مناطق حرة جديدة –أي مناطق اقتصادية خاصة يقوم فيها المصنعون بالاستيراد المُعفى من الرسوم الجمركية. وتوفر الموانئ البريطانية، في حد ذاتها، المحفزات الاقتصادية المتواضعة، ولكن السيد سوناك يأمل أن تؤدي الإعفاءات الضريبية والإعفاءات التنظيمية، لأن تجعل منها محطات جذب للاستثمارات الخارجية، وبالتالي ضخ الدماء الجديدة في المناطق المحرومة.
* بالاتفاق مع «بلومبرغ»