طارق الحميد
صحافي سعودي، عمل مراسلاً في واشنطن. تدرَّج في مناصب الصحيفة إلى أن أصبحَ رئيس تحرير «الشرق الأوسط» من 2004-2013، ورئيس تحرير مجلة «الرجل» سابقاً. محاضر دورات تدريبية في الإعلام، ومقدم برنامج تلفزيوني حواري، وكاتب سياسي في الصحيفة.
TT

استهداف العقل الشيعي

لا أتفق مع من يقول «عودة الاغتيالات» إلى لبنان. هي لم تنقطع أصلاً حتى تعود، واغتيال المثقف اللبناني لقمان سليم ما هو إلا استمرار لعمليات الاغتيالات تلك في لبنان، التي لها أشكال مختلفة؛ من الاغتيال المعنوي إلى التصفية الجسدية.
واقع الحال يقول لنا إن «حزب الله» يعتبر سياسة الاغتيالات والتصفية نوعاً من أنواع العمل السياسي في لبنان، مثله مثل كل العصابات الإجرامية، وتلك الاغتيالات ليست رهناً على «حزب الله» وحده، بل هي نهج المنظومة التي ينتمي لها «حزب الله» الإرهابي.
وعليه فإن قراءة عملية اغتيال لقمان سليم، ابن الطائفة الشيعية، والمنتقد الأبرز لـ«حزب الله»، لا يمكن حصرها على لبنان فقط، بل هي امتداد لاغتيالات أخرى وقعت مؤخراً في العراق، وكان أبرزها اغتيال الباحث العراقي هشام الهاشمي.
هذه الاغتيالات الهدف الواضح منها هو استهداف العقل الشيعي المطالب بدولة مدنية، والنابذ للعنف، والرافض للتبعية لإيران الإرهاب، والطائفية، والإقصاء، وإيران تدمير الأوطان، وتدمير هيبة الدولة العربية.
اغتيال لقمان سليم هو امتداد لاغتيال هشام الهاشمي، والهدف منه إسكات صوت العقل الشيعي، الذي كنت أنتقد صمته إبان اندلاع الثورة السورية فيما عرف بـ«الربيع العربي»، وهي الثورة الحقيقية، قبل أن تختطف وتدمر، وبفعل رئيسي من قبل إيران، وأتباعها.
اليوم، ومنذ فترة ليست بالهينة، وقف عقلاء الشيعة، وقالوا كلمتهم، وباتوا يدفعون أثماناً قاسية كلفتها الدم، والتنكيل، خصوصاً في العراق، والآن لبنان، وهو ما جعل إيران وأتباعها يخشون ذلك، خصوصاً أن النقمة الآن هي من أبناء الطائفة الشيعية.
يقوم «حزب الله» بالاغتيالات الآن في لبنان، وكذلك من هم على شاكلته في العراق، لأنهم يستشعرون خطورة ثورة أبناء الشيعة عليهم، خصوصاً أن المشروع الإيراني الآن في لحظة مفترق طرق بالمنطقة بعد تحرك عقلاء الشيعة، ولذلك باتوا يستهدفون صوت العقل الشيعي.
يفعل «حزب الله» ذلك، ومن هم على شاكلته بالعراق، ليس لأنهم أقوياء، بل لأنهم يستشعرون الضعف وسط صحوة العقل الشيعي، وينسب للعلامة هاني فحص، رحمه الله، قوله: «لا تخافوا من (حزب الله) وهو في صعود، وإنما خافوا منه وهو في لحظة السقوط».
ولذا فعندما يصيب الغضب الشارع الشيعي بالعراق، ولبنان، فإن «حزب الله»، ومن على شاكلته، يستشعرون الخطر، ويقومون باستهداف شرفاء الشيعة، وعقلائهم.
الحقيقة أن المنظومة الإيرانية، وبعد أن استهدفت دولنا، ومكوناتها، تقوم الآن باستهداف عقلاء الشيعة ومثقفيهم، وذلك ليتسنى لإيران تحقيق مشروعها الظلامي، والمتخلف، بالمنطقة.
سألت صديقاً شيعياً مثقفاً، أقدره وأحترمه، إن كان يوافق على قراءتي لاستهداف إيران، و«حزب الله» للعقل الشيعي الآن، فقال: «نعم هم يستهدفون العقل الشيعي لأنهم بلا عقل... هم آيديولوجيا عمياء».
وهذه الآيديولوجيا العمياء تريد تحقيق أهدافها، ولو بالدم والدمار، مثلها مثل عقلية «داعش»، وتنظيم «القاعدة»، ولذا فلا غرابة عندما تصبح إيران قاعدة «القاعدة» الجديدة الآن.
رحم الله لقمان سليم، وحمى الله العقلاء من كل طائفة، فما أحوج منطقتنا للعقلاء اليوم، وأكثر من أي وقت مضى.