عبدالرحمن الشبيلي
إعلامي وباحث سعودي
TT

الملك السابع: سلمان بن عبد العزيز

أنجب الملك عبد العزيز مؤسس المملكة العربية السعودية 36 ابنا، بقي منهم 13 أميرا هم: بندر ومشعل وعبد الرحمن ومتعب وطلال وتركي ونواف وسلمان وممدوح وعبد الإله وأحمد ومشهور ومقرن، وقد توافق الملك والأسرة المالكة على اختيار سلمان الابن الخامس والعشرين في تسلسل الترتيب العمري من سلالة الملك المؤسس لتولّي الحكم بعد الملك عبد الله، وليكون بذلك الملك السابع للمملكة العربية السعودية، وعلى اختيار الأمير مقرن الابن الخامس والثلاثين وليّا لعهده.
كانت ولادة الملك سلمان في الرياض في مطلع عام 1936 م، وبدأت حياته السياسية والإدارية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي نائبا عن أخيه الأمير الراحل نايف أمير منطقة الرياض آنذاك، وبعد عام تولّى إمارة الرياض بالأصالة مدة تربو على خمس سنوات انتهت باستقالته، ثم عاد بعد عامين في المنصب نفسه حاكما إداريّا لمنطقة الرياض مدة تقارب خمسين عاما، انتهت بتعيينه - بعد وفاة أخيه الأمير سلطان في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 م - وزيرا للدفاع ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء، وبعد رحيل ولي العهد الأمير نايف في يونيو (حزيران) 2012 م اختير وليّا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء.
من هنا، تتجلى حصيلة خبراته الواسعة في شؤون الحكم المحلي، وكان - نتيجة مسؤوليّاته وموقعه الأُسَري وحنكته الذهنية، وبحكم موقعه أميرا للعاصمة والمنطقة المحيطة بها وسط البلاد - من أكثر أمراء المناطق التصاقا بالملوك الستة السابقين الذين تعاقبوا على حكم المملكة العربية السعودية بدءا بوالده الملك المؤسس عبد العزيز (المتوفّى سنة 1953 م) وقد جعلته المدة الطويلة التي أمضاها في هذا المنصب يرتبط في أذهان السعوديين بالخبرات الإدارية والتنموية والسياسية الواسعة التي اكتسبها في تلك الوظيفة، وبالنجاحات التي حققتها العاصمة على يديه، وبقربه من مركز صناعة القرار.
كانت الرياض العاصمة عندما تولّى مسؤولياتها بوصفه الحاكم الإداري لها، لا تتجاوز بضع مئات من الكيلومترات المربّعة، ولما سلمها لخلفه من بعده - أخيه الأمير الراحل سطّام - كانت قد تجاوزت في اتساعها عشرات الأضعاف، وزاد عدد سكانها في خمسين عاما من نحو مائة ألف إلى خمسة ملايين بنسبة نموّ سنوي تجاوز الأربعة في المائة، لكن العبرة لم تكن في نموها الجغرافي والسكاني فحسب، بل في الجوانب العمرانية والتنموية النوعية التي تحققت فيها، وبعدد المؤسسات التعليمية والصحية والاقتصادية والترفيهية والثقافية التي تضمّها، فضلا عن وجود هيئة تطوير تشرف على المشروعات الكبيرة فيها، منذ أن انتقلت الهيئات الدبلوماسية من جدة إلى الرياض قبل ثلاثة عقود.
وبالإضافة إلى الخبرات المتنوّعة التي اكتسبها خلال مسؤولياته الإدارية، يحتفظ الملك الجديد بعلاقات صداقة واسعة مع الكثير من زعماء العالم، كما يُعدّ الخازن الأعمق والمرجع الأوثق للتاريخ الوطني وبخاصة التاريخ السياسي للملك المؤسس عبد العزيز والملوك الخمسة من بعده، وهو ما أهّله لتحمّل أمانة الرئاسة الإشرافية على دارة الملك عبد العزيز، المركز البحثي والمعلوماتي والوثائقي المعتمد في تاريخ المملكة وتراثها وجغرافيّتها.
في المجتمع السعودي، يُنظر إلى سلمان بن عبد العزيز من خلال معرفته الواسعة بأطياف المجتمع وبالقبائل والبوادي، ومن محافظته على التقاليد الموروثة، ومن انهماكه وحبه للعمل وانضباطه الشديد في مواعيده، وفي بكور مباشرته للأمور، وتسخيره كل الأوقات لأداء المسؤوليات والواجبات الرسمية، والمشاركات الاجتماعية في الأفراح والتعازي وزيارة المرضى، ودقة متابعته لشؤون أفراد الأسرة المالكة، ومن خلال ديناميكيته التي تجعل من موظفي مكتبه ومنسوبي المراسم في حال استنفار دائم للّحاق بإيقاع مواظبته ولمواكبة متطلباته والتزاماته، وهو ما أكسبه مؤهّلات وكفايات يندر أن تتوافر مجتمعة فيمن يتولّى شؤون الحكم في منطقة الخليج بخاصة، والعالم العربي بعامة.
على الصعيد الثقافي، يرتبط المثقّفون بصلات وثيقة معه، حيث يجري على ألسنتهم لقب «صديق الإعلاميين» الذين تعوّدوا أن يتلقّوا اتصالات منه - تكون غالبا في ساعات الصباح المبكر بعد أن يكون قد سهر على قراءة كتبهم ليلا أو اطلع على مقالاتهم المنشورة صباحا - فيبدي رأيه بما كتبوا، ثناء أو نقدا أو توضيحا أو تعليقا، غير أن الأمر الذي لا يعلمه إلا القليلون أن لديه مكتبة عامرة بالكتب النفيسة، تذكّر في فكرتها بالمكتبة الرائدة التي أسسها عمّه الأمير مساعد بن عبد الرحمن في الرياض في الأربعينات من القرن الماضي، لكن من المؤكّد أن المكتبة الخاصة بالأمير سلمان تتفوّق عليها حجما ونوعا تبعا لطبيعة العصر، ويقوم عليها عدد من الموظفين الذين يتابعون الجديد مما يصدر، وينتقلون معه حيثما يكون في الداخل والخارج، كي يكون على اتصال مستمرّ بمحتوياتها ويلبّون له قراءاته اليومية المتنوّعة، والمؤمَل أن يسعى لوضعها في متناول الباحثين والقرّاء.
وكانت أتاحت له مشاركته في السنوات الأربع الأخيرة في مجلس الوزراء ورئاسة جلساته ومسؤولياته في وزارة الدفاع، تكامل تأهيله السياسي، وإلمامه التام بنظرة بانوراميّة بخطط التنمية العامة لكل القطاعات والمناطق، وهو ما يجعل البلاد على موعد مع حاكم جديد ذي كفاية نوعيّة عالية، تجمع بين الحذق الإداري والعبق المعرفي والمهارة في القيادة.
* باحث وإعلامي سعودي