هدى الحسيني
صحافية وكاتبة سياسية لبنانية، عملت في صحف ومجلات منها: «الأنوار» في بيروت، و«النهار» العربي والدولي و«الوطن العربي» في باريس ، و«الحوادث» و«الصياد» في لندن . غطت حرب المجاهدين في افغانستان، والثورة الايرانية، والحرب الليبية - التشادية، وعملية الفالاشا في السودان وإثيوبيا، وحرب الخليج الاولى. حاورت الخميني والرئيس الأوغندي عيدي أمين.
TT

اللبنانيون لم يقتلوا سليماني حتى يموتوا من أجله!

ماذا ينفع الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله إذا خسر لبنان وربح إيران؟ هل سيكون له الدور نفسه في إيران، حيث هناك دولة ولو مارقة، كما دوره في لبنان حيث لا دولة؟ وما معنى التحدي الذي واجه به اللبنانيين في ذكرى اغتيال قاسم سليماني؟ وليشرح لنا كيف أن الصواريخ التي أعطته إياها إيران ليحوّل البلاد إلى خط المواجهة الإيرانية الأول لإيران ضد إسرائيل، هي التي تحمي سيادة لبنان؟ هل السيادة تكون بفتح فروع للقرض الحسن وتحويل ما ادّعوا أنها جمعية خيرية إلى مصرف، يأخذون من المحتاجين القروض ذهباً في المقابل؟ هل السيادة تكون بتهريب كل ما هو مدعوم من الحكومة اللبنانية إلى سوريا؟ ولأن لا دولة في لبنان جاءت الغارات الإسرائيلية بعد الثناء والتبجيل الذي أغدقه على عفة وفروسية وشهامة سليماني، لتقصف في بلدة القصر داخل الحدود السورية مستودعات الغاز والنفط التي هرّبها أحد رجاله لتوزيعها في سوريا؟
يعرف نصر الله أنه لا يمون على ثلاثة أرباع اللبنانيين الذين كلما أطل يهددهم. ما رأيه أن ينفّذ تهديده على إسرائيل ويطلق عليها صواريخه؟ هل هو مستعد لهذا التحدي؟ أم أنه يعرف كما نعرف، أن المسؤولين الإيرانيين يهرعون يومياً إلى العراق لإبلاغ أتباعهم هناك بالتظاهر إنما بعدم استفزاز الحكومة أو الهجوم على المنشآت الأميركية. من المؤكد أنهم أبلغوه الأمر نفسه. ثم ما هذه الدولة التي هي إيران التي تطلب إلى أتباعها الذين نشرتهم في الدول العربية وحتى تركيا كي يحركوا الرأي العام إلى جانبها؟ هي تعرف أن شعبها ضدها. لديها ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي ورابع احتياطي نفطي في العالم، والأموال تذهب إلى ديكتاتوريين مثل بشار الأسد (15 مليار دولار سنوياً)، وإلى حزب صار على قوائم الإرهاب في العالم، «حزب الله»، (700 مليون دولار سنوياً)، وإلى الحوثيين (ما لا يقل عن 360 مليون دولار)، وإلى الميليشيات العراقية (150 مليون دولار)، وإلى «حماس» (360 مليون دولار)، وإلى صناعة الصواريخ الباليستية، وإلى برنامج نووي لن يُسمح لها بتحقيقه... وما التهديد بأنها عادت إلى تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% إلا تهديد سيُخسرها أكثر مما يغنيها، فهي كانت قد وصلت إلى هذا المستوى قبل الاتفاق النووي.
بماذا استفاد نصر الله بنشره صور سليماني على مداخل بيروت وعلى قبضة الثورة ورفع تمثال له في منطقة الغبيري في الضاحية الجنوبية؟ لقد أقدم اللبنانيون على إحراق هذه الصور وداسوا عليها ونشروا الفيديوهات على مراكز التواصل الاجتماعي، غير آبهين بسخرية نصر الله، وهو يلقي خطابه على الشعب اللبناني. إذا أراد نصر الله اختصار الطريق لإعلان دولته فليتفضل ويعلن الحرب على إسرائيل، أليس هذا ما تطلبه منه إيران؟ فليفعل، وسنرى.
لقد تغيرت المعادلة كلها؛ إيران تعرف ذلك والحزب يعرف أيضاً. ولم تعد دول الخليج العربي على استعداد لمجاملة إيران، التي كانت تعد ذلك نقطة ضعف، ولم تعد الشتائم التي يكيلها نصر الله في خطاباته ضد هذه الدول تهز شعرة في رؤوسها. وحده لبنان واللبنانيون يدفعون الثمن. لكن إذا سقط لبنان، فكيف سيستطيع «حزب الله» الاستفادة من الأموال التي تصل إليه من إيران، حتى لو شحّت، وفي الوقت نفسه يستفيد من كل قطاعات الدولة اللبنانية التي أصبحت بسببه وبسبب السياسيين الذين رفضوا رفع الصوت في وجهه، على حافة الانهيار؟
لم تُحرق صور «المبجل» سليماني فقط في لبنان، بل في العراق أيضاً، وتركيا وغزة. الحب لا يأتي بالإكراه. اسمحوا لنا.
لكن مَن قاسم سليماني الذي «يحبه» نصر الله إلى درجة محاولة تسويقه إلى كل اللبنانيين؟ في أثناء الثورة كان يعمل في منظمة المياه والصرف الصحي في مسقط رأسه كرمان. بعد الثورة انضم إلى «الحرس الثوري» الإيراني الذي أنشأه مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني لأنه لم يكن يثق بالجيش النظامي. شارك سليماني شخصياً في حملة القمع ضد المعارضين الأكراد الإيرانيين عام 1980، وبسبب جرائمه ضد الأكراد استخدمه التسلسل الهرمي لـ«الحرس الثوري» في مطاردة واستهداف وقتل جماعات المعارضة، لا سيما منظمة «مجاهدين خلق». في الثمانينات وبسبب «نجاحاته» في القضاء على المعارضين الإيرانيين، خصوصاً الذين نجحت الثورة بفضل تضحياتهم، رقّاه قادة النظام إلى منصب قائد لواء. كان أحد قادة «الحرس الثوري» في الحرب الإيرانية – العراقية، ومثله مثل العديد من قادة الحرس، استخدم سليماني تكتيك «الموجة البشرية» لفتح حقول الألغام مما تسبب في قتل العديد من القوات الإيرانية وكذلك الأطفال الإيرانيين، وكنت شاهدة على ذلك، إذ غطيت تلك الحرب من الجبهة العراقية.
عام 1998 تم تعيين سليماني قائداً لـ«فيلق القدس» التابع لـ«الحرس الثوري». وعام 2011 حصل سليماني على رتبة لواء نظراً إلى ارتكابات «فيلق القدس» في مختلف الدول العربية، خصوصاً القصف والهجمات السامة ضد المدنيين في سوريا، وقد أطلق عليه سكان المناطق المنكوبة لقب «الجنرال قاتل الأطفال». وفي هذا الصدد اعترف دعاة النظام بكراهية أهل المنطقة لقاسم سليماني، ورأوا أنهم فشلوا في ربط الناس به (الرضوي محمد صالح قميلي خراساني، أستاذ الشريعة في جامعة مشهد).
تحت حكم سليماني استخدم «فيلق القدس» وكلاء متطرفين مثل: «حزب الله» اللبناني، وحركة «أنصار اليمن»، وفرقة «فاطميون» الأفغانية، وفرقة «زينبيون» الباكستانية، و«الحشد الشعبي العراقي»، لزعزعة منطقة الشرق الأوسط، علاوة على ذلك يشارك «فيلق القدس» في عمليات سرية مثل نقل وتجارة المخدرات. وبالإضافة إلى تمويل هجماته الإرهابية يؤمّن عبر أنشطة غير مشروعة رواتب وكلائه. ويسيطر «فيلق القدس» رسمياً على سياسة إيران تجاه الشرق الأوسط. وعام 2006 وعبر هاتف الزعيم الكردي جلال طالباني، أرسل سليماني رسالة سرية إلى الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس يؤكد فيها أنه مَن يوجّه سياسة إيران تجاه المنطقة، وأن على الولايات المتحدة التعامل معه! بعد مقتله، قال محمد جواد ظريف وزير الخارجية، إنه كان يجتمع كل يوم ثلاثاء بسليماني وينسقان نهج النظام في المنطقة.
عام 2007 صنَّفت وزارة الخزانة الأميركية «الحرس الثوري» منظمة إرهابية، ولحقها الاتحاد الأوروبي عام 2011. ومنذ عام 2007 صار قادة وأعضاء «الحرس الثوري» يتنكرون في هيئة دبلوماسيين لتنفيذ مهامهم، وكل السفراء الإيرانيين الذين جاءوا إلى العراق بعد الغزو كانوا من قادة الحرس رفيعي المستوى، وكذلك الأمر الآن مع السفير الإيراني لدى الحوثيين.
أما لماذا غزة مشمولة في الخط الأمامي للدفاع عن إيران، فقد كشف محمود الزهار أحد مؤسسي «حماس»، في مقابلة مع قناة «العالم» الإيرانية، كيف أنه عام 2007 وكان وزيراً للخارجية، تلقى مبالغ نقدية ضخمة من سليماني، إذ بعد لقائه الرئيس محمود أحمدي نجاد التقى سليماني وشكا له وبكى، بأن «حماس» غير قادرة على دفع رواتب موظفيها. في اليوم التالي وعلى المطار يقول الزهار: «رأيت 22 مليون دولار نقداً في عدة حقائب تزن الواحدة 40 كلغم من المال، ونظراً لأننا كنا تسعة لم نتمكن من حمل المزيد».
إن مكتب خامنئي كان ولا يزال المصدر الرئيسي لدفع الأموال السخية لقائد «الحرس الثوري»، كما أثبت «حزب الله» في لبنان، بصفته الوكيل الرئيسي المدعوم من إيران في الشرق الأوسط. نصر الله يكرر ولاءه مراراً وتكراراً للنظام الإيراني، وزادت العلاقة رسوخاً مع سليماني، فبعد مقتل عماد مغنية اصطحب سليماني عائلته إلى إيران وشجع ابنته على الزواج من ابن مغنية. وكان سليماني يمول «حزب الله» بشكل متكرر بممتلكات الشعب الإيراني وأصوله الوطنية. وبعد اغتياله تعهد نصر الله بالانتقام من اغتيال سليماني، وبعد مرور سنة توعد الشعب اللبناني بأنه سيفتح جبهة إسرائيل للانتقام من اغتيال سليماني. وأقام الحزب احتفالات خطابية بالمناسبة على الحدود مع إسرائيل.
غياب سليماني أربك النظام الإيراني، وحتى الآن لم يستطع خليفته إسماعيل قاآني ملء مكانه. طبعاً حتى الآن التهديد بالانتقام لفظي، ومن ناحيتها تستغل إسرائيل هذه التهديدات وتشجع عليها، فإذا تداخلت الحسابات ووقع الخطأ المنتظر، لن يبقى هناك من ساحة، حتى ولو تحت الأرض، يطل منها نصر الله ويطلق تهديداته ووعيده لأنه يملك الصواريخ. المحرك تعب واقتربت لحظة انتهاء صلاحيته، وهذه المرة لن تبقى إيران بعيدة عن صواريخ تطالها.