خالد البسام
كاتب ومؤرخ بحريني
TT

يعيش الغزل

كان المطرب الشهير محمد عبد الوهاب يدندن لنا بعوده أغنيته المعروفة «جفنه علم الغزل»، غير أن العشاق العرب لم يتعلموا إلا المزيد من الجهل بالغزل وفنونه.
وباعتراف العشاق وكل المحبين عندنا وفي العالم كله ربما، فالغزل يكاد أن يموت بسبب الماديات التي قتلت كل شيء جميل في حياتنا.
وفي محاولة جادة لإنقاذ الغزل أجرت دراسة أوروبية تحقيقا جميلا مؤخرا بعنوان «يعيش الغزل» أبرزت أن ظاهرة جديدة في علاقات الرجال بالنساء في فرنسا تقوم على نبذ الأسلوب الصريح والمباشر في التقرب العاطفي، والعودة إلى لعبة الأجداد في اصطياد المحبوبة بشبكة من الكلمات المعسولة والإطراء الأنيق.
وقالت الدراسة أيضا: مضى عهد الغزو بالجملة، والألاعيب التي لا تساوي شيئا، والتحرشات المباشرة، والانتهاك القسري، والعبارات الجاهزة التي تصلح للجميع. إن النساء اليوم يستعدن الرغبة في المعاتبة ويأخذن وقتهن في الإغواء، إنها العودة المظفرة للغزل!
وتشرح الدراسة ما يحدث في الغزل قائلة: يلتقي الرجل والمرأة، فيرمق أحدهما الآخر، ثم يتحادثان، ويثني على جمال جفنيها، وتمتدح ربطة عنقه، يتضحاكان ويتعارفان، ويتشاكسان ويتصادان، تاركين الشك قائما، وكل الاحتمالات مفتوحة دون تعبير حاسم، والهدف هو إدامة اللقاء والسماح للرغبة في أن تنضج على نار هادئة.
الغزل فن جميل. لكنه أصعب بكثير من التحرش، فهو يقوم على التجاذب والغموض والحساسية وخفة الدم.
كل هذا جميل ورائع، ولكن ماذا نفعل اليوم مع عشاق آخر زمن عندنا الذين لا يعرفون ألف باء الغزل والعشق وفنونه؟! وماذا نقول في «المحبين الجدد» الذين لا يعرفون سوى استعراض سياراتهم أمام النساء ورمي ورقة صغيرة مكتوب عليها رقم الموبايل! ولا يحفظون حتى بيت شعر في الغزل الجميل ولا يعرفون كتابة رسالة حب من سطرين!
لن أذرف على سطوري حسرات. فالحسرات اليوم أجدها في كل مكان ملقاة. غير أنني أدعو أن يعيش الغزل الجميل ليمحو ولو قليلا من كآبة هذا الزمن التعيس!.